خلت قائمة مشاريع القوانين التي ستعرض على الهيئة التشريعية خلال الدورة الخريفية الحالية، من أهم المشاريع التي ألح عليها النواب، وتلقوا بشأنها ضمانات من وزير المالية الحالي، كريم جودي، وسلفه مراد مدلسي، ممثلا في قانون ضبط الميزانية، وهو ما يعني أن قانون المالية لسنة 2010، سيمر كسابقيه، وأن الحكومة ستنجو من آلية رقابية صارمة. ويسمح قانون ضبط الميزانية المعمول به في مختلف الدول الديمقراطية وحتى غير الديمقراطية، للهيئة التشريعية بمراقبة أوجه صرف المال العام سنويا في قانون المالية، ومحاسبتها عن كل صغيرة وكبيرة عن الأغلفة المالية التي صرفت بعنوان المشاريع القطاعية، بشكل يحول دون وقوع نهب وسرقة لأموال الشعب. ولأن تأخر الحكومة في إحالة قانون ضبط الميزانية على المجلس الشعبي الوطني، أفقد نواب الشعب آلية فعالة في مناقشة قانون المالية المقبل، فقد عبر ممثلو الشعب من مختلف التشكيلات السياسية، عن استغرابهم واندهاشهم من هذا "التماطل"، الذي لم يجدوا له مبررا، سيما بعد أن تلقوا تطيمينات من كل من وزير المالية الحالي، وسلفه مراد مدلسي، غير أن وعودهما لم تر طريقها إلى النور. وتعليقا على هذه القضية، عبر رئيس لجنة المالية والميزانية بالغرفة السفلى، محمد كناي، عن أمله في أن تفي الحكومة بالوعد الذي قطعته على لسان وزيرها للمالية، كريم جودي، بإحالة مشروع قانون ضبط الميزانية على البرلمان في أسرع وقت حتى يتم تجهيزه لموعد مناقشة قانون المالية المقبل، وقال: "نحن واثقون من أن الحكومة ستكون في وعدها في الوقت المحدد، وفي حال العكس، فإن النواب يتوفرون على الكثير من الآليات الرقابية التي تمكنهم من مراقبة أوجه صرف المال العام، على غرار الأسئلة الشفهية ولجان التحقيق، ومواجهة وزير القطاع على مستوى لجنة المالية". أما النائب الأفلاني، عبد الحميد سي عفيف فيرى أن تأخر صدور قانون ضبط الميزانية، حول مناقشات النواب لقانون المالية، إلى عمل ميكانيكي فارغ من كل روح رقابية على عمل الحكومة وخاصة أوجه صرف المال العام. ويعتقد سي عفيف أن المشروع لا زال في طور النقاش على مستوى هرم السلطة، بدليل عدم برمجته إلى غاية اليوم في اجتماعات مجلس الوزراء. من جهته، قال أحمد إسعاد النائب عن حركة مجتمع السلم "مرة أخرى نعبر عن أسفنا عن تماطل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها، ونعتبر هذا الموقف يتنافى مع التصريحات الرسمية التي تشدد على محاربة الفساد وترفع شعار الشفافية، لأن قانون ضبط الميزانية هي أداة تمكن نواب الشعب من مراقبة أوجه صرف المال العام"، وتساءل النائب عن دور المجلس الشعبي الوطني كمؤسسة سيادية، يفترض فيها التحرك بعيدا عن هيمنة أية سلطة. وتابع المتحدث: "سأستغل الفرصة خلال استماع لجنة المالية لوزير المالية عند عرضه لقانون المالية التكميلي في الأيام المقبلة، وألح لديه على ضرورة التزامه بوعوده، لأن هذا التماطل يخفي أشياء غير بريئة، في وقت خصصت الحكومة ما يعادل 286 مليار دولار للخماسية المقبلة"، مشيرا إلى أن النواب تركوا المبادرة للحكومة بخصوص هذا المشروع لاعتبارات تقنية، مضيفا: "أعتقد أن هناك نية في تيئيس نواب الشعب في العمل التشريعي، على مستوى المجلس، بدليل سكوته عن الكثير من مقترحات مشاريع القوانين، على غرار مشروع قانون تجريم الاستعمار". ويتفق النائب محمد حديبي عن حركة النهضة مع سابقيه في أن غياب قانون ضبط الميزانية انتقاص غير مبرر من دور النائب ومصادرة لصلاحياته ومن ورائه البرلمان، ودعا حديبي رئيس المجلس إلى لعب دوره كثالث رجل في الدولة وعليه التصرف كمسؤول مؤسسة سيادية منفصلة عن الجهاز التنفيذي، ولم يتوان المتحدث في مطالبة البرلمان بمقاطعة أنشطة الحكومة، ومنها قانون المالية المقبل، إلى غاية إفراجها عن القانون المذكور.