أغنية " طال غيابك يا غزالي " سحب منها مليون نسخة قرّر الحج في 1995 ومصطفى قمر لقبه ب " الفنان الخطير " حياته كلها ألغاز، وفنه ألغاز، وشهرته ألغاز، وحتى رحيله في زمن الإرهاب يبقى من أكبر الألغاز..يكفي القول بأن الشاب حسني، الذي شغل الناس منذ أن ذاع صيته في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وهو في سن 26 عاما، فقط أنجز حوالي مائة شريط غنائي، أي قرابة الألف أغنية، وهو رقم لا نظن أن فنانا آخر في العالم بإمكانه أن يصله حتى لو عاش ضعف ما عاشه الشاب حسني . * في الفاتح فيفري من سنة 1968 ولد حسني شقرون من عائلة بسيطة أصولها من معسكر، وأبصر النور بحي "غونبيطا" الشعبي الشهير في قلب وهران. كان أصغر إخوته في عائلة مكوّنة من خمسة ذكور وفتاتين، لكن سوء التفاهم الذي كان يميّز علاقة والده بوالدته دفع بالصغير حسني إلى البحث عن الهروب لممارسة هوايات أخرى، فأضاع الدراسة في سن مبكرة ولم يتعد مستواه التعليمي الرابعة متوسط . * * إصابة في ذقنه نقلته من الكرة إلى الغناء * في سن الرابعة عشر عشق حسني كرة القدم تزامنا مع مشاركة المنتخب الوطني الجزائري في مونديال إسبانيا، واختار أصعب الطرق على الإطلاق، وهي مدرسة كرة القدم في جمعية وهران، وتمكن من كسب ثقة أشهر المدربين، ولعب مع نجوم ما بعد جيل الثمانينيات ك عبد الحفيظ تاسفاوت وبلخطوات وبوكار.. ويقول حسني بأنه وعد والدته عندما علمت بتوقفه عن الدراسة بأن يصبح نجم كرة ويلعب المونديال، وتحوّل مع مرور الأيام إلى أحد أشهر لاعبي الجزائر، وأخطر مهاجميها في صنف الأواسط، لكنه في إحدى المباريات التي جرت على أرضية ترابية تعرّض لإصابة خطيرة، حين سقط على رأسه وأصيب على مستوى الذقن، حتى أنه مكث بالمستشفى لعدة أسابيع، وعندما عاد إلى البيت وجد وزنه قد زاد وصار يخاف لعب الكرة فقرر تطليقها بالثلاث . * ومن بين مشاهير الكرة الذين تأسفوا للاعتزال المبكر للنجم شقرون، اللاعب الشهير لخضر بلومي الذي حمل في ذلك الوقت ألوان الحمراوة، وأيضا رئيس مولودية وهران الراحل بليمام، واللاعب الدولي السابق غمري رضوان والتاج بن ساولة. * في المستشفى، حيث بدأ حلم الكرة يتبخر، كان حسني الفنان يولد بسرعة فقد استمع هناك من بعض المرضى لأشرطة خالد والزهواني وبوطيبة الصغير وبلمو، وبدلا من ترويض الكرة خرج يؤدي أغاني الراي والأغاني الشرقية. * * مؤسس " الراي العاطفي " * كان حسني عاشقا لأغاني فريد الأطرش ووردة الجزائرية وعبد الحليم حافظ، ولكنه اقتنع بأنه لا يمكنه بلوغ الشهرة في الجزائر وفي المغرب العربي إلا عن طريق أغنية الراي، فبعث نوعا جديدا من الغناء هو ما سمي بعد ذلك ب "الراي العاطفي" الذي كان هو أميره الأول قبل أن ينضم للإمارة أصوات مثل نصرو وأنور . * وفي صائفة 1987 حقق حسني أولى خطواته الفنية بالغناء على مسرح الهواء الطلق بوهران، وهو في سن التاسعة عشر، وعاد فرحا إلى والديه فابتهجت أمه بتألقه، لكن والده لم يستحسن دخول ابنه عالم الفن، و الراي تحديدا، ولم يجد حسني سوى شقيقيه هواري وشقيقه المرحوم لعرج الذي ساعده إلى أن رحل هذا الأخير عن الدنيا، وعاش حسني طوال عمره حزينا على شقيقه الذي غادره وهو في قمة تألقه الفني . * واختصر الشاب حسني المسافات الفنية..كان تارة يجاري أغاني خوليو وأخرى يريد أن يصبح مثل القمم العربية الكبرى فيحفظ عن ظهر قلب روائع أم كلثوم، وكثرت رحلاته إلى فرنسا، حيث صار نجم الشباك الأول، وهو في سن العشرين، وتعرف على حب حياته ملوكة، التي غنى لأجلها نصف أغانيه، وعندما أنجبت له ابنه الوحيد عبد الله، وساءت العلاقة بين الزوجين، فخطف ابنه منه اهتمامه والكثير من أغانيه، ومنها أغنية "الصراحة راحة"، الأغنية الوحيدة التي أداها حسني وهو يجهش بالبكاء.."الصراحة راحة..ماجيتش نرونجي..جيت نشوف ولدي". * ألم الفراق مع زوجته ورحيل شقيقه عجن موهبة حسني الذي صار فنانا غريبا وعجيبا باعتراف أباطرة الراي، ومنهم خالد، الذي غنى إلى جانبه وانفجرت شهرته عندما برزت أغنية "طال غيابك يا غزالي راكي طولتي في الغربة"، وهي الأغنية التي سحب منها مليون شريط..رقم لم يحدث وأن بلغته أغنية جزائرية، وتهاطلت الأغاني وكانت جميعها ناجحة مثل " ماتبكيش قولي ذا مكتوبي " و " الفيزا " و " قالوا حسني مات " * و"عييتو ماديرو بيناتنا" و"حسدوني اللي غارو مني" ..وبدأت جولاته المكوكية فغنى في معظم المدن الأمريكية مع الثنائي صحراوي وفضيلة عام 1993، وفي السويد وكندا والدانمارك وألمانيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا وتونس والمغرب، ونزل ضيفا مع كبار العالم في حصة تلفزيونية كندية، لكنه بقي غريبا في بلاده ويعجز التلفزيون الجزائري الآن في ذكرى رحيله السادس عشرة عن تقديم أغاني حسني لأنه يمتلك القليل من الصور التلفزيونية، باستثناء كليبين باهتين وحفلة بمناسبة التضامن مع الصومال في محنة مجاعتها في ملعب 5 جويلية، حيث غنى فجرا بعد أن غادر معظم الجمهور الملعب . * * حسني يغني رحيله * من الصدف أن حسني غنى رحيله..لم يكن في زمنه الهاتف النقال موجودا وفي إحدى سفرياته عندما عاد إلى وهران سمع بخبر وفاته فأسرع ضاحكا إلى بيته بحي غونبيطا بوهران فتحوّل ضحكه إلى حسرة عندما علم أن الأمر كان أشبه بالحقيقة، حيث وجد خيمة قرب البيت أقيم فيه مأتم فبكى، وتوجه إلى الاستوديو، حيث غنى " لميمة دهشت وبكات .. خلعتوها وقلتو حسني مات .. حرام عليكم ياعدياني " . * وفي صبيحة 29 سبتمبر 1994 تحققت الإشاعة، فبينما كان حسني عائدا إلى بيته بعد أن ركن سيارته من نوع غولف سوداء اللون، فاقترب منه شخصان ظنهما من المعجبين بفنه وزرع أحدهما في رأسه رصاصة ورصاصة أخرى في رقبته..لم يقل حسني أي كلمة وشقيقه هواري يحتضنه لينطفئ بريقه قبل أن يفجر كل طاقاته التي جعلت الفنان المصري مصطفى قمر يلقبه ب "الفنان الخطير" الذي كان بإمكانه أن يهز عرش مشاهير الفن المصري، وقبل أن يعتزل أيضا وهو الذي قال قبل رحيله بأنه قرر اعتزال الغناء ويؤدي فريضة الحج في عام 1995.