التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة : اختتام العملية الانتخابية على مستوى المجالس الشعبية الولائية    عيد الأضحى: رئيس الجمهورية يأمر بإطلاق استشارة دولية لاستيراد مليون رأس من الماشية    معسكر.. مسجد "مصطفى بن تهامي"… صرح أثري ومعلم حضاري    نحو استيراد مليون رأس من الماشية    تسليم 320 ألف دفتر عقاري خلال 2024    عشر دقائق هزت أوروبا!    قيادة الجيش تحرص على ترقية دور المرأة    مزيان: حريصون على تعزيز مكانة المرأة    الأسرة المسلمة في رمضان.. وصايا ومواعظ    دعاء : من أجمل ما دعي به في رمضان    قويدري يشيد بدور المرأة    بحضور فرق وجمعيات من 12 ولاية.. المهرجان الثقافي الوطني للعيساوة يرفع ستار طبعته ال14    مدربه السابق يكشف سرّ توهجه في ألمانيا.. عمورة يواصل التألق ويسجل هدفه العاشر    رغم تراجع مستواه..بطل ألمانيا «عينه» على إبراهيم مازا    اليوم العالمي للمرأة : بللو يشيد بجهود المرأة الجزائرية في بناء وإثراء المشهد الثقافي الوطني    اليوم العالمي للمرأة: تتويج خمس فائزات في الهاكاتون النسائي للحلول المبتكرة في الاقتصاد الأزرق    الجزائر العاصمة : زروقي يقف على عملية إعادة تأهيل مبنى البريد المركزي    حساني شريف : مواقف الجزائر تزعج الأعداء    كرة القدم داخل القاعة (دورة الصحافة): لقاء وكالة الانباء الجزائرية-الشروق نيوز, مقابلة الفرصة الاخيرة للفريقين من أجل التأهل    اليوم العالمي للمرأة: جبهة البوليساريو تشيد بالدور الريادي للمرأة الصحراوية في الكفاح من أجل الحرية    اليوم العالمي للمرأة : غوتيريش يدعو إلى اتخاذ إجراءات للدفاع عن حقوق النساء والفتيات    صناعة صيدلانية: قويدري يشيد بدور المرأة المحوري في ترقية القطاع    كأس إفريقيا للاعبين المحليين:مقابلات السد: المنتخب الوطني يواجه غامبيا في الدور الثاني    بمناسبة يوم 8 مارس الشرطة تحي اليوم العالمي للمرأة    اتحاد النساء ينظم وقفة ترحم على روح الشهيدة بن بوعلي    الجزائر تدعو لموقف إسلامي رافض لتهجير الفلسطينيين    سعداوي يترأس اجتماعا لتحضيرات إجراء امتحانات البكالوريا والبيام    خنشلة: الأمن الحضري السابع توقيف شخصين و حجز 280 مهلوسات    انطلاق الطبعة 5 للمهرجان الولائي للأنشودة الدينية للشباب    سنصل إلى توزيع الماء يومياً يومي بكامل وهران    الشرطة تراقب..    انطلاق مسابقة تاج القرآن بالعاصمة    توقعات بحرارة فوق المعدل    سنوسي في ذمة الله    إنْ لم نقرأ ختمة أو نسمعها في شّهر القرآن.. فمتى؟!    تنظيم الطبعة ال11 يومي 10 و11 ماي بالعاصمة    الجزائر تؤكد على الحقّ في الاستخدامات السلمية    فرنسا استخدمت أسلحة كيميائية على نطاق واسع في الجزائر    اليونان.. الإفطار على صوت المدفع والموائد الجماعية    تمديد فتح مكاتب البريد إلى الخامسة مساء    مدرب هيرتا برلين الألماني يدعم إبراهيم مازة    مشكلة الملاعب تقلق "الخضر" قبل لقاء بوتسوانا في تصفيات المونديال    براف يعقد ندوة صحفية اليوم بالجزائر    التحالفات حجر الزاوية في انتخابات "السينا" اليوم    رئيسا غرفتي البرلمان يهنّئان الجزائريات في عيدهن العالمي    الوعي العلمي في الجزائر عرف تحوّلات عدة    إحياء سهرات رمضان نصرة لفلسطين    جثمان الصحفي محمد لمسان يوارى الثرى بمقبرة عين البنيان    سونلغاز تشرع في تنفيذ التزاماتها بالنيجر    تركيب الوحدة الأولى لمركز البيانات الوطني الثاني    مساعٍ لسد احتياجات الأسر المعوزة بباتنة    توزيع قفة رمضان وإفطار الصائمين    على مائدة إفطار المصطفى..    برنامج تأهيلي للحجاج    تجديد النّظر في القضايا الفقهية للمرأة من منطلق فقهي رصين    التقرير السنوي يفضح انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية    الإنتاج المحلي يغطّي 76 % من احتياجات الجزائر    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات خدمة الحجاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة الآخر في الرواية الإماراتية.. قراءة سياسية
من بعيد
نشر في الشروق اليومي يوم 04 - 10 - 2010

منذ أن أهداني الكاتب العراقي الدكتور "رسول محمد رسول" كتابه الجديد (صورة الآخر في الرواية الإماراتية.. قراءات في المتخيّل الإبداعي) في شهر يناير/ جانفي الماضي، وأنا أحاول جاهدا أن أجد فرصة مناسبة للاطلاع عليه، شرط ألا يكون ذلك على حساب مطالعاتي المبرمجة مسبقا والخاصة -في أغلبها- بالكتابات السياسية، قد يكون هذا السبب الذي ركنت إليه مبررا مقبولا، غير أن هناك سببا آخر خفيا، أود أن أذكره هنا، وهو حسب طبيعة الكتابة وتقسيماتها في الحالة العربية المعاصرة التي تحاول أن تكون جزءا من عالمية الكتابة -ولم تفلح طبعا - فإن المؤلف، الباحث، الكاتب لا يحق له أن يلج مجالات أخرى غير تخصصه، ومن هنا كان موقفي الأولي من كتاب الدكتور رسول الصادر عن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة.
بعد الاطلاع على الكتاب اتضح لي أن الحكم السابق، المسبق، لا ينطبق على الدكتور رسول، فقد سبق للكاتب -وهو أستاذ في الفلسفة- أن أبدع في المقالات السياسية والفكرية والنقدية بشكل عام، وأثرى المكتبة العربية بعدد من المؤلفات، ناهيك عن مئات المقالات ذات الطبيعة المعرفية التي نشرت في العديد من الصحف والمجلات، ما يعني تطويع خلفيته المنهجية والبحثية والمعرفية بما يخدم الثقافة العربية، وهو في هذا الكتاب تحديدا جعلنا نرى الآخر الأجنبي، والمحلي متداخلا معنا، فقد جعل القضايا الفكرية تعيد طريق الفهم للنصوص الأدبية التي تناولها في كتابه.
رسول باحث عراقي وكاتب معروف، جاء الإمارات بعد سنوات من الحل والترحال في البلاد العربية، وهو سابق في قدومه عن احتلال العراق، فقد اختار مثل كثير من عناصر النخبة العراقية الهجرة في وقت مبكر، ومع ذلك فهو لم يتخلص من الحس النقدي الذي ميّز المدرسة العراقية على طول تاريخها، ناهيك عن الوعي بالحضارة والثقافة والفلسفة والتاريخ، من هنا جاءت دراسته -وبغض النظر عن قراءة أو نظرة بعض النقاد لها- مصبوغة بالطابع التحليلي بناء على قضايا معرفية وفضاءات ثقافية وضوابط منهجية، تصبّ جميعها في خدمة الهدف الاستراتيجي لوزارة الثقافة الإماراتية، وفي ذلك تعاون عربي مشترك، بعيدا عن حسابات الجنسية والانتماء والارتباط بالمكان، أثار فينا الانتباه لما هو إماراتي أولا، وما هو خليجي ثانيا، وما هو عربي ثالثا، وفي هذا اعتراف بأهمية هذه الدراسة.
لقد تناول رسول بالبحث والقراءة المتبصّرة سبعة نصوص روائية بهدف الكشف عن صورة الآخر فيها، وهو ما تجلّى في عنوان كل دراسة، وهي: الذات كآخر مغترب.. قراءة في رواية "بين طرقات باريس" لفاطمة الحمّادي، والآخر والفتك الوجودي بالذات.. قراءة في تمثيلات "الغرفة 357" لعلي أبوالريش، والآخر المختلف في حضوره العابث.. لناصر جبران في "سيح المهب" وآخرية العبيد.. قراءة في رواية "ريحانة" لميسون صقر، والآخر في كينونته الأسرية.. قراءة في تمثيلات "حلم كزرقة البحر" لأمنيات سالم، الخشية من الآخر المختلف.. قراءة في رواية "ملائكة وشياطين" لباسمة يونس، والذات الآثمة والآخر الضحية.. قراءة في رواية "شاهندة" لراشد عبد الله.
السبعة نصوص السابقة الذكر، وإن عبرت عن الحالة الإبداعية في الإمارات ولها بالطبع خصوصيتها، إلا أنها جزء من محيطها الإقليمي الخليجي، ومعبرة عن ثقافتها العربية، والأكثر من هذا للآخر فيها حضور سواء من خلال الذهاب إليه ودفعه إلى الواجهة بطلا أو الحوار معه باعتباره آخرا غائبا، أو بوجوده داخل الإمارات، وفي الحوار مع الذات وما أكثره اليوم في هذه البلاد، التي يأتيها أبناء الأمم المختلفة والمتباينة والمتناقضة أحيانا من كل فج عميق.
الآخر هنا متنوّع وثري، وأحيانا يمثّل الجحيم لأهل البلاد حسب التعبير الوجودي لسارتر، وإن كانت النصوص الأدبية قد جعلتنا -نحن العرب وليس الإماراتيين فقط- نرى أنفسنا من خلاله، خاصة في إطار المخاوف المتبادلة سواء تلك المرتبطة بالماضي لجهة إيجاد أسباب جديدة لاستعمارنا كما هو الأمر في الحالة الواقعية، لردود أفعال بعض الأفراد والجماعات لما تراه مطلبا للبقاء، قد يكون هذا التصور جزءا من القراءة السياسية لهذا الكتاب.
لا يكتفي رسول بالغوص لمعرفة الآخر في النصوص الأدبية التي اختارها لدراسة صورة الآخر، ولكن يسبقها بطرح قضيتين بنى عليهما تحليل النصوص بعد ذلك، أولهما ما سماه "تمثيلات الذات والآخر في المجتمع الإماراتي" حيث يرى أنه " ..منذ قديم الزمان كانت الجغرافيا التي تقع عليها دولة الإمارات العربية المتحدة الراهنة ملتقى شعوب متعددة الأعراق والثقافات، فحينما يوجد البحر يتوافد القادمون من ورائه إلى اليابسة، وحينما توجد اليابسة سيوجد هناك من يرحل عنها إلى أخرى، تلك الموزعة فيما وراء البحر، وبهذا القدوم والذهاب المتبادل صار المجتمع الإماراتي القديم كما هو الحديث مجتمعا مفتوحا على الشعوب والحضارات والثقافات والعادات والتقاليد، وصارت الذات تقاسم الآخر مائدة الوجود والحياة والتواصل والانفتاح، ما أدى إلى وجود تداخل أو "تنافذ" بين الذات والآخر وهو التداخل الذي سيظهر في الذات الإماراتية بأنماط متعددة"(ص17).
قضيته الثانية يطرحها رسول عبر إشكالية معرفية جاءت في السؤال التالي "من هو الآخر في الإبداع الروائي؟" ويقدم إجابات مختلفة وهامة عبر الأدبيات الفلسفية والفكرية والثقافية والإبداعية الحديثة والمعاصرة... وفي الأدبيات الإبداعية كالرواية والقصة والمسرحية والقصيدة يمارس مفهوم الآخر حضورا لافتا فيها بسبب هيمنة الإنسان ككائن مركزي في كينونة نصوص هذه الأدبيات، ومأساة الإنسان هنا أنه "ذات" وآخر، أنا و"غير" في آن واحد، وهو ما يمثل فضاء رحبا للمبدع أن يتحرك بخياله ووعيه بقدر من الحرية في تمثيل وبناء شخصيات نصوصه الإبداعية".. ليتساءل بعدها عن "ما هو مفهوم أو مصطلح الآخر؟ وكيف سعى الفلاسفة في كل العصور إلى بناء دلالاته؟ ومن هو الآخر في واقعنا المرئي والملموس والمعاش؟ وكيف هي طرق تمثيله وتجسيده في نصوص المبدعين ومنهم الروائيون؟.
لقد قدم الدكتور رسول إجابات لأسئلته السابقة، من خلال العودة إلى الموسوعات الفلسفية وآراء المفكرين، مثلما قدم إجابات لذلك عبر دراسته للنصوص الرائية لأدباء من الإمارات، وتحديدا من خلال ما يعد اعترافا بأهمية وجود الآخر من خلال النصوص، وذلك اعتمادا على آراء المهتمين، وهو ما عالجه -على حد قول الكاتب- تزيفيتان تودوروف في كتابه الحياة المشتركة (عام 1995) حيث قال "الاعتراف يشتمل فعلا على مرحلتين، فما نطلبه من الآخرين هو أن يعترفوا بوجودنا، وهذا هو الاعتراف بالمعنى الضيق، وما نطلبه ثانيا هو تأكيد قيمنا وهو المطلب الثاني .." وبناء على هذا الرأي يكون رسول قد قدم اعترافا بأهمية الأدب الخليجي وليس الإماراتي فقط من خلال دراسته هذه، وعلينا أن نؤكد على الشق الثاني للاعتراف من خلال تحويله إلى قيمة، وأعتقد أن هذا هو الهدف الذي تسعى إليه المؤسسات الثقافية الرسمية العربية، مع اختلافنا معها حول كثير من أساليب طرق قضايا الثقافة.. وباختصار فهذا الكتاب وإن هو يفصح عن نفسه باعتباره دراسة أدبية، إلا أنه يمكن قراءته سياسيا، وهو ما يعتبر مسؤولية على عاتق المتخصصين في مختلف المجالات بما في ذلك الذين يصنعون القرار السياسي في بلادنا العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.