عندما دخلنا عيادة الحكيم أحمد حميد إبراهيمي، الاختصاصي في الوخز بالإبر، فوجئنا بجو صيني شامل، ينمّ حقا عن ولعه بكل ما هو صيني، بدءاً بالموسيقى الشعبية الهادئة وصولا إلى الصور والتماثيل التي تعبّر عن الثقافة الصينية. وقصد التعرف على أسرار هذا الطّب وعلى موقعه وسمعته بين الجزائريين، أجرينا هذا الحوار مع أول طبيب متخرج من أول دفعة جزائرية تخصصت في التداوي بالإبر الصينية. حوار: إيمان بن محمد ❊أولا من هو الدكتور ابراهيمي؟ الدكتور ابراهيمي: باختصار، الدكتور إبراهيمي هو أوّل طبيب جزائري متخرج من الدفعة الجزائرية للعلاج بالإبر في سنة 1979. سافرتُ بعدها إلى فرنسا للتعمق في هذا المجال، وتخرجت من المدرسة الفرنسية للوخز بالإبر بباريس بعد دراسة لمدة أربع سنوات، ثم من أكاديمية الطب التقليدي الصيني ببكين بعد عدة تربصات في الصين واليابان دامت سنتين. ❊هل لكم أن تعرفونا بتقنية الوخز بالإبر؟ الوخز بالإبر هو طب قديم بأتم معنى الكلمة، أي له قواعد فيزيولوجية وطريقة فحص دقيقة وعلاج منتظم، وليس مجرد تقنية فقط. هو أسلوب طبي يعتمد أساسا على الإبر ولا يستعمل أي نوع من الدواء. يعالج أساسا اضطرابات الطاقة الموجودة في الإنسان، وهذه الطاقة تتنقّل عبر مسارات هي خطوط غير مرئية توجد على مستوى النسيج الشبكي الداخلي، وهناك 365 نقطة رئيسية تتصل مباشرة بالطاقة. وهنا أؤكد أنه طب بديل يُعالج الحالات التي لا تحتمِل العلاج بالدّواء العادي، أي أنّه يعمل بالتكامل مع الطب الغربي المُتطوّر ولا يناقضه أبدا. ❊نعلم أن التداوي بالإبر ظهر في الصين. ولكن كيف كانت البداية.. هل للموضوع علاقة بالروح، خاصّة وأنّ الصينيين معروفون بالبحث فيما وراء الجسد، أم ان القضية جسدية وطبية بحتة؟ هو حقا طب قديم، تاريخه يرجع إلى زمن بعيد، إلى حوالي القرن 17 قبل الميلاد، حين أُلّف أول كتاب يشمل كل المعرفة الخاصة بطب الوخز بالإبر. لكن لا علاقة له بالروح، بل بفلسفة الحياة المعروفة ب»التاوو« TAO وهي عبارة عن فلسفة تتعامل مع كيفية عيش الإنسان وطريقة تعامله مع محيطه. ❊كيف ومتى دخل هذا الطب إلى الجزائر؟ دخل الوخز بالإبر إلى الجزائر في حدود الخمسينيات من القرن الماضي بفضل الأطباء الفرنسيين الذين كانوا في الفيتنام والذين تعلموا أسراره وقواعده ثم نقلوها إلى الجزائر عبر الكثير من مستشفيات الوطن. وبعد الاستقلال، زارت الجزائر وفودٌ من الأطباء الصينيين فنشروا هذا الطب أكثر مما فعل الفرنسيّون، وزادت شهرته في السبعينيات بفضل اكتشاف الصينيين دور الإبر في التخدير وفي علاج الآلام، وأصبح المرضى يزورون الجزائر من كل حدب وصوب. وفي الثمانينيات بدأ عهد جديد عندما أشرف الأطباء الجزائريون أنفسهم على تدريس هذا الطب. وحاليا يزداد الطلب على هذا الطب البديل أكثر فأكثر، كما أن عدد الأطباء في هذا المجال قد ازداد، لكن يبقى عدد المُتمرِّسين وذوو الخبرة قليلا جدا، لا يتجاوز 30 طبيبا على مستوى الوطن. ❊كيف تقيّمون، دكتور، من خلال تجربتكم الطويلة إيمان الجزائريين بهذا الأسلوب في التداوي وإقبالهم عليه؟ الجزائري معروف بِولعه الشديد بالطب الشعبي التقليدي الذي يعتمد على وسائل طبيعية بعيدا عن كل ما هو كيميائي، كما أنه سئم الأدوية الطبية الكيماوية التي لا تشفي الأمراض دائما، كما أنها وإن حققت الشفاء من مرض تسببت في آخر، لذا يزداد إقبال الجزائريين على الطب البديل وعلى الوخز بالإبر. ❊ما هي الحالات التي أثبت الوخز بالإبر فعاليته في معالجتها؟ أولا الآلام البسيطة منها أو المزمنة كآلام الروماتيزم والشقيقة والعصبي وداء المنطقة، بالإضافة إلى بعض حالات الحساسية والربو والتهاب الجيب والعديد من الاضطرابات الوظائفية كاضطرابات جهاز الهضم وتهيّج المعدة وتشنُّج العضلات وبعض حالات العجز الجنسي والشلل والإدمان على التدخين وكذا السمنة، هذا بالإضافة إلى قدرته على معالجة الأمراض النفسية كالقلق والوسواس والانهيارات العصبية. ❊ماذا عن الإدمان بأنواعه من مخدرات وكحول وأقراص؟ إنّ للوخز بالإبر فاعلية كبيرة في معالجة هذه الآفات، خصوصا التدخين والإدمان، فهناك مراكز أمريكية كبيرة تعالج المدمنين بهذه التقنية التي برهنت فعاليتها. فعندما أغرق الأوروبيون الذين استعمروا الصين في أوائل القرن 19 شعبها في الأفيون، لم يكن أمام الصينيّين سوى اللجوء الوخز بالإبر للتّخلّص من سموم المخدرات. ❊هذا بالنسبة للأمراض التي يعالجها عموما، ولكن ماذا عن الأمراض التي يعاني منها الجزائريون ويقصدونك لمعالجتها؟ تقريبا يقصدني أغلبيّة الجزائريين لمعالجة كل هذه الحالات، لكن الطلب الآن يزداد بكثرة لمعالجة السمنة التي تُشكل 60٪ من الحالات التي تقصد عيادتي، وهذا راجع إلى أنّ الوخز بالإبر فعال جدا في معالجة البدانة بفضل قدرته الثلاثية على؛ خفض الشهية وتسهيل حرق الدهون والسيطرة على القلق. ❊هل يشعر المريض عند وخزه بالإبر بأي ألم وهل لهذا الأسلوب انعكاساتٌ جانبيّة؟ أبدا، فالمريض لا يحس بوخزها، كما أنّه أسلوب طبيعي لا انعكاسات جانبية له. ❊ماذا عن عدد الجلسات للوصول للشفاء، وهل هي مكلفة مقارنة مع التداوي بالأدوية والعقاقير؟ يتراوح عدد الجلسات حسب الحالات ودرجة تعقيدها، فبعض الحالات لا تتطلب سوى 4 إلى 5 جلسات وقد تصل في بعض الحالات إلى 20 جلسة. والنظام الذي نعمل به هو جلسة كل أسبوع، وتتراوح مدة الجلسة الواحدة بين 40 و60 دقيقة. أما عن تكاليف الجلسة فتختلف باختلاف الحالات ومدة علاجها، فهي بين 600 إلى 800 دج للجلسة، وهي أسعار لا أعتقد أنها مرتفعة بالنظر إلى ما تكلفه الأدوية الأخرى من مبالغ كبيرة من جهة، وإلى تكلفة الإبر التي نستوردها من الخارج بالعملة الأجنبية من جهة أخرى. ❊ألا يزال الوخز بالإبر تقليديا يعتمد على ما وفره الصينيون من أبحاث، أم أنه يتطور كما يتطور الطب الغربي؟ بالطبع، يشهد هذا الطب البديل دراسات وأبحاثا وقفزات طبية وعلمية كبيرة شأنه شأن الطب العادي، حيث أصبحنا اليوم نستعمل إلى جانب الإبر تقنيات ووسائل أخرى كالكهرباء والليزر قصد تعميم فائدة هذا الطب وزيادة فعاليته في معالجة الأمراض.