أهم درس يمكن استخلاصه من العدوان المتواصل على لبنان ومناطق السلطة في فلسطين، هو أن على الأمة العربية أن تستعد جديا لحرب تحرير جديدة طويلة وقاسية، ضد الطغيان الفاشي ورأس حربته الكيان الصهيوني. بقلم محمد عباس ما يحدث في لبنان وفلسطين هو حرب وقائية من نوع جديد، تستهدف الأحزاب بعد أن كانت تستهدف فيما مضى الأنظمة والدول. تستهدف حزب الله وحماس، بدعوى أنهما مايزالان يحملان راية المقاومة، بعد أن رمى بها أرضا الحكام وجيوشهم. ويمكن أن يطال هذا النوع من الحروب الوقائية أشكالا أخرى من المقاومة وفي حال استمراره يمكن أن تتعرض الجزائر مثلا لعدوان أمريكي، بسبب حزب العمال لأن زعيمته الويزة حنون تطالب بتأميم المحروقات من جديد! وإذا تتبعنا مسلسل الحروب الوقائية منذ 1967، يمكن أن نتبيّن أن حرب 5 يونيو من هذه السنة كانت تستهدف ضرب آلة دفاع دول الجوار، لتأمين الاحتلال والتوسع خلال فترة من الزمن. غير أن هذا العدوان الغادر أثار ردود فعل لم تكن في حسبان الكيان الصهيوني وحلفائه. لقد عزز التضامن العربي وأعطاه فعالية متزايدة، ليصبح مع مرور الزمن قوة مؤثرة إقليميا ودوليا. هذه القوة أكدت مدى تأثيرها من خلال قرار حظر البترول، في أعقاب حرب أكتوبر 1973 الصادر عن القمة العربية التي انعقدت بالجزائر، لذا كان لابد من ضرب هذا التضامن بجميع الوسائل الممكنة والمتاحة: من الاغتيالات التي بدأت بالملك فيصل في السنة الموالية إلى شراء الذمم بأثمان باهظة أحيانا! ومن سخرية الأقدار، أن بداية ضرب التضامن العربي بدأت من حرب أكتوبر ذاتها، بتحييد نظام السادات قبل تحويله إلى أداة طيّعة في خدمة التطبيع، على حساب قضايا التحرر العربي بدءاً بالقضية المحورية: قضية فلسطين. ويشكل عدوان صدام حسين على الكويت قبل تمام 16 سنة دورة التآمر على هذا التضامن كما تدل على ذلك تداعياته من حرب الخليج عام 91 إلى العدوان على الشعب العراقي منذ أكثر من ثلاث سنوات. فلا غرابة إذاً أن تصبح الجامعة العربية أمام العدوان الفاشي على لبنان وأراضي السلطة الفلسطينية هيكلا بلا روح وإسما بدون مسمى! ولحسن الحظ أن هذا العدوان الفاشي، كشف مرة أخرى أن تضامن الشعوب العربية مايزال حيّا، وأن الشعور بالظلم وطغيان القوة الغاشمة لا يمكن إلا أن يزيده كثافة وفعالية. ولست أدري لماذا يذكرني العدوان على لبنان بالذات، بمجازر 8 مايو 1945 في الجزائر. ربما لأن كلاّ منهما مجاني، يعبّر عن استهتار في استعمال القوة بلا حدود: 45 ألف قتيل جزائري مقابل 100 فرنسي! ومئات القتلى وملايير الدولارات من الخسائر في لبنان مقابل أسر جنديين إسرائيليين. وربما أهم من ذلك، أن العدوان الفاشي على لبنان سيكون مثل مجازر مايو 45 مبعث وعي جديد قوامه: 1- أن آلة الدمار الإسرائيلية يمكن أن تدمر لبنان. لكن لا يمكن أبدا أن تحطم إرادة شعبه وإرادة الشعوب العربية المتضامنة معه في المقاومة والتحرر. 2- نهاية الكذب على الذات، بعد أن أكدت إسرائيل بفاشية فاضحة أنها زرعت في فلسطين بالقوة ولا يمكن أن تعيش إلاّ بالقوة ومن ثمّة لن تزول إلاّ بالقوة. وهذا »الوعي الجديد« لن يلبث أن يعبّر عن نفسه في شكل مطلب ملح: البحث عن استجماع وسائل القوة للرد على فاشية العدو بأي ثمن. فبعد فشل »حروب الأنظمة«، لم يبق من اختيار غير حروب شعبية طويلة وقاسية جدا، على ضوء ما نشاهده من استعمال القوة بلا حدود ولا حساب. ولعل من أهم شروط ذلك: - أن تبادر الشعوب بتحرير نفسها من بعض الأنظمة المرتشية التي نصبت نفسها دروعا واقية لحماية الكيان الصهيوني. - أن تعيد بناء تضامنها حتى يستعيد فعاليته ويمنحها المناعة المعنوية التي لا يمكن لآلة الدمار الإسرائيلية إلا أن تتحطم عليها عاجلا أو آجلا. - أن تصنع سلاحها بنفسها لأن التجارب السابقة منذ 1948 تؤكد أنه من الصعوبة وربما من المستحيل، تحقيق النصر بسلاح مستورد لاسيما أنه كان من صنع الأعداء! كلمة أخيرة للكيان الصهيوني الذي ماانفكّ يقدم اليهود في صورة ضحية للجلاّد النازي... أن سلوك هذا الكيان اليوم في قانا وغزة وفي أماكن كثيرة أخرى يؤكد أنه يريد بكل وضوح تحقيق تفوق ساحق على جلادي اليهود من النازية والفاشية.