كتيبة الكولونيل القذافي في الأدب من الجزائر والعرب: ذات أكتوبر 2009، حدث العجب في بلاد أدب وأدباء العرب، من كل فج انتهازي جاءوا ليسلموا الكولونيل معمر القذافي درع الأدب العربي. * نعم درع الأدب العربي، هذا الكلام ليس نكتة، إنه حقيقة الأدباء العرب المعاصرين، يسارييهم وليبرالييهم وإسلامييهم، جاءوا إلى مدينة سرت الليبية يقودهم كبيرهم، وكبيرهم هذا هو محمد سلماوي الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، جميع العرب العاربة منها والمستعربة، وقد اعترف العارفون بالأدب بمعمر القذافي كاتبا وقصاصا وروائيا بموهبة "فذة"، أدوا بيعة الأدباء. لقد أصبح "القائد وملك ملوك إفريقيا" و"المنظر الأوحد" أصبح بين عشية وضحاها أديبا كبيرا، قصاصا وروائيا لا يشق له غبار. وأصبحت مجموعته القصصية "القرية القرية.. الأرض الأرض.. انتحار رجل الفضاء" موضوع ملتقيات دولية وندوات تصرف عليها الملايين من أموال الشعب الليبي ويشارك فيها الروائيون المكرسون و"المكرشون" والجامعيون والشعراء والخطباء من الجزائر والعالم العربي. * في وليمة الكذب هذه التي يُوَسم فيها الكولونيل القذافي أديبا وروائيا، مَن يضحك على مَن؟ هل القذافي من وراء غيمته أو من تحت خيمته الوبرية التكنولوجية يضحك على الأدباء بأن يفتح لهم كيس بركاته فيصب عليهم قليلا من نعم الشعب الليبي المحاصر في ثكنة كبيرة، أم الأدباء الذين من سلالة "مداحي" الملوك واللاهثين خلف جوائز الشيخ والشيخة هم الذين يضحكون على القذافي حتى يأكلوا من قصعته ويلحسوا من عسله؟ * أن يُمنح القذافي درع الأدب من رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب فهذه هي "القيامة"، علامة من علامات الساعة الثقافية في بلاد العرب، نهاية الزمن، هذه هي "السقطة" القاتلة. احتراما لأدباء العربية من طرفة بن العبد فأبي حيان التوحيدي إلى أبي القاسم الشابي، الربيع بوشامة، ورضا حوحو، وعبد الكريم العقون فمحمد شكري وسعدي يوسف فرشيد بوجدرة وزكريا تامر وقاسم حداد.. أتركوا شهداءنا من أدبائنا في طمأنينة الشهادة واتركوا الأحياء منهم في قلق الممانعة أو في ملح المنافي. * في الوقت الذي يركع بعض الكتاب والأدباء الجزائريين والعرب عند قدمي القذافي يعلمهم الكاتب الروائي الإسباني خوان غُويتِيصولو أكبر درس في المواقف المشرفة، وبالتالي يدافع من خلال موقفه عن كرامتهم المهدورة، بكل شرف وببساطة الشعر يرفض غُويتِيصولو تسلم جائزة القذافي العالمية للأدب والتي أطلقها سنة 2007. والمضحك والغريب أن هذه الجائزة حسب ميثاقها تمنح للأدباء الذين تمثل كتاباتهم دفاعا عن حقوق الإنسان، أية جائزة أدبية هذه التي تكرم الأدباء الذين يدافعون عن الكرامة والحرية وحقوق الإنسان تمنح من قبل كولونيل جاء السلطة من خلال انقلاب عسكري سنة 1969، انتبهوا جاءها في فاتح سبتمبر من العام 1969، ولا يزال متمسكا بها عن طريق القمع ومصادرة الحريات وتشييد مزيد من السجون بكل أشكالها، المضحك والهزلي والفجائعي هو أن هذا العسكري الذي يحكم منذ نصف قرن تقريبا يستهزئ ببعض رموز التاريخ والدولة الجزائرية: يستهزئ بهواري بومدين وبالثورة الجزائرية وشهدائها ويستهين بعبقرية ثورة الشعب التونسي الكريم، أحفاد أبي القاسم الشابي وطاهر الحداد. * أكان كبيرهم هذا، وأعني به محمد سلماوي كاهن أدباء وكتاب العرب مشرقا ومغربا، وهو يمنح درع اتحاد الكتاب والأدباء العرب للقذافي يفكر في هذا الانقلاب العسكري، أكان يفكر في مهجري ليبيا من المثقفين والأدباء، أكان يفكر في مساجين الرأي الحر في هذا البلد الشقيق؟ * والكاتب الروائي خوان غُويتِيصولو بموقفه الرافض تسلم الجائزة المشبوهة علّمَ الكولونيل القذافي درسا كبيرا وبكل اللغات وعلّم أيضا زبانيته من المشرفين عليها بأن المال لا يمكنه أن يشتري كل شيء، لا يمكنه أن يشتري الأقلام النظيفة والحرة في العالم، صحيح لقد أفسد المال كثيرا من المثقفين وقطع الألسنة في كثير من البلدان العربية ومن بينها الجزائر، ولكن الشراء والبيع في الذمم لا يراهن عليه فهناك الشرفاء من الكتاب والمبدعين والمفكرين الذين يقاومون السقوط رغم كل الإغراءات. * والكاتب الإسباني خوان غُويتِيصولو هذا، للذين لا يعرفونه، هو واحد من الأقلام الأدبية الروائية الأوروبية المناصرة للقضية الفلسطينية، حارب ولا يزال يحارب إسرائيل من على كثير من المنابر الثقافية والسياسية الدولية، إنه واحد مما بقي لنا من رأسمالنا من الكتاب الغربيين من أصدقاء الشعب الفلسطيني، وواحد من المنشغلين بجد وحب بالثقافة والحضارة العربية الإسلامية. * رفض الأديب الروائي خوان غُويتِيصولو جائزة القذافي العالمية للآداب مسجلا ذلك في رسالة تاريخية بالغة في بلاغتها السياسية والأخلاقية ضمنها أسباب الرفض ووجهها إلى رئيس لحنة التحكيم الروائي الليبي إبراهيم الكوني قائلا: إني أرفض الجائزة لأن مصدر مالها والذي يقدر ب 150 ألف أورو هو مال الشعب الليبي الذي استولى عليه القذافي من خلال الانقلاب العسكري الذي قاده العام 1969. * والمضحك والمبكي في مسرحية جائزة القذافي العالمية للآداب هو أنه وبمجرد أن رفضها الكاتب الإسباني الكبير خوان غُويتِيصولو تم تعويضه بعجلة إنقاذ مصرية، العجلة الخامسة فكان أن منحت للناقد الدكتور جابر عصفور الذي كنا نحترمه ونقدره ونتابع كتاباته، وبهذا السقوط الحر خيب ظننا فيه كمثقف متنور وتنويري. * وفي السياق نفسه، إذ يرفض الروائي خوان غُويتِيصولو جائزة القذافي العالمية للآداب تقام الندوات التكريمية تحت عناوين أكاديمية مزكومة، ندوات "فكرية" تشبه المظاهرات التأييدية التبريكية حول "القذافي الأديب والمبدع الذي لا يشق له غبار"؟؟ عناوين كهذه: "المكان والزمان في إبداعات معمر القذافي" أو "الموت والخلود في إبداعات معمر القذافي" أو "تقنيات السرد واللغة في قصص معمر القذاف"... ولكن الغريب والمؤلم والمزعج ثقافيا وأخلاقيا في هذه الندوات البئيسة هو مشاركة مجموعة من الكتاب والباحثين الجامعيين الجزائريين في أشغالها "ببحوث ومداخلات" والذين جاءوا ليقدمون من خلالها ولاء الكتابة للكولونيل. استغربت وحزنت في الوقت نفسه لمشاركة أسماء روائية وشعرية وأكاديمية جزائرية في الندوة التي نظمت لمناقشة مجموعة حاكم ليبيا القصصية المعنونة ب: "القرية القرية.. الأرض الأرض.. انتحار رجل الفضاء"، أسماء أدباء كثيرا ما أشبعوا القارئ الجزائري "كلاما" عن الديمقراطية وحرية التعبير، رجاء اعفوني من ذكر أسمائهم فمن بينهم كتاب وروائيون ما كنت أعتقد أنهم يهبطون إلى هذا الحضيض بحثا عن مال أو طريق إلى جائزة الكولونيل أو جائزة الشيخ أو الشيخة. * لهؤلاء الأدباء من بلادي، بلاد المليون ونصف المليون شهيد، أقول: أيها السادة لَكُم كل الحرية في أن تطبلوا للكولونيل معمر القذافي أن تجعلوا منه روائيا وقصاصا وفيلسوفا لا يشق له غبار، ولترشحوه حتى لجائزة نوبل للآداب إن أردتم أو استطعتم، أقول لكم: باسم حرية التعبير التي أومن بها وأدافع عنها، لكم كل الحق في ذلك، ولكن حذار حين يسقط الكولونيل الأديب القصاص والروائي، ونهايته قاب قوسين أو أدنى، رجاء ساعتها لا تزعجونا بخطبكم في الإشادة والدفاع عن حرية التعبير وعن "معارضتكم"، ربما لكُولونيلِكُم.