الصدام بيني وبين القذافي بدأ منذ 3 سنوات عندما واجهته بمخطط توريث الحكم لنجله هدوء مشوب بالترقب في مدينة طبرق، حاضنة الميناء الشهير على البحر المتوسط، وصاحبة التاريخ الناصع في معارك الحرب العالمية الثانية. وها هي تكتب تاريخها مجددا.. طبرق ثاني مدينة بعد بنغازي تحركت للثورة على القذافي، لكنها أولى المدن المحررة، وأول مدينة رفعت علم الاستقلال من الاحتلال الإيطالي قبل انقلاب القذافي على الملك السنوسى.. ورغم نظامها القبلي المحكم وصلات النسب الوثيقة، إلا أن طبرق شهدت معارك لثلاثة أيام سقط فيها قرابة الخمسين شهيدا. وأرجع المتابعون قلة عدد الشهداء وسرعة التحرر إلى القرابة الشديدة بين أهل المدينة، ما جعل الشرطة المحلية تستخدم الرصاص فقط، وبعد ثلاثة أيام اجتمع الكبار وأمروا أبناء المدينة من أفراد الشرطة والجيش بالتوقف عن ضرب إخوانهم، وهو ما كان.. المدينة سليمة تماما لم يتم فيها أي تدمير سوى إحراق مبنى البحث الجنائي ومبنى اللجان الشعبية. وعبر أهلها عن سعادتهم بنجاح الثورة المصرية، وفى مشهد متكرر كلما حلت قافلة مساعدات مصرية يهتف الليبيون "مصر وليبيا.. إيد واحدة".. اللواء سليمان محمود سليمان، قائد منطقة طبرق العسكرية وأحد الضباط الوحدوين الأحرار، ونائب مدير المخابرات الحربية وقائد الحرس الجمهوري والمفتش العام للجيش الليبي، كان أول من أعلن انضمامه للثوار بعد بدئها بيومين غير عابئ بما قد يتعرض له من قتل أو اغتيال أو تنكيل إذا لم تنجح الثورة كما نكل القذافي طوال تاريخه برفاقه من الأحرار الوحدويين وتخلص منهم.. التقت "الشروق" باللواء سليمان محمود سليمان في مبنى قيادة طبرق العسكرية الذي ظل بها قائدا مع كل ضباطها فكان لها معه هذا الحوار: هل اقتنع جميع الضباط الذين يعملون معك بالثورة أم أن البعض تمرد؟
الجميع أبدى قناعة بالثورة باستثناء العميد فتح الله الشهيبي الذي لم يستمع إلي أو ينحاز كزملائه للثوار، وحرمهم من مخازن الذخيرة في كتيبة عمر المختار وقام بتفجيرها لمنع الثوار من الاستيلاء عليها وهرب بجنوده للانضمام إلى كتائب القذافي مع الضابط حنيش القذافي ابن عم العقيد.
وكيف لم تستطع منعه من ذلك؟
== الخطأ وقع من الضباط الذين أرسلتهم له ليقنعوه بالانضمام إلينا ومنحوه 3 ساعات للتفكير وهنا فعل ما فعل.
هل نجحت في اقناع بقية الجنود والضباط بضرور الانحياز الى الثوار؟
نعم حرضت زملائي ورفاق السلاح في بنغازي، بعضهم استجاب مثل خليفة المسماري وعبد الفتاح يونس، وزير الداخلية، وفتحي الكيلاني، قائد قاعدة محمد التهامي الجوية ببنيسنا.
وفي قيادة منطقة طبرق كم بلغت نسبة من استجابوا لتحريضك؟
100 بالمائة باستثناء هذا الشهيبي.
البعض في المدينة يؤكد أنك كنت من أقرب الألوية للقذافي ورغم ذلك انقلبت عليه.. لماذا؟
لأنه أصبح مجنونا فلا يوجد في التاريخ ثائر من سبارتكوس إلى جيفارا وجمال عبد الناصر حاول أن يكون ملكا ويطلب لنفسه ألقابا ملكية سوى معمر القذافي، عندما أعلن نفسه ملك ملوك إفريقيا. وابتعد عن مصر، وقتها أدركت أنه أصيب بجنون العظمة وقبلها أيضا عندما بدأ في تنفيذ خطوات سيناريو توريث الحكم لابنه.
ولكنكم كنتم تغضون الطرف عن ذلك على الأقل أو تقبلون؟
أنا لم أقبل واختلفت معه منذ ثلاث سنوات أو بالأحرى غضب مني عندما فاتحته في هذا الأمر.
كيف بدأ الصدام بينك وبينه؟
قبل أيام من عيد الثورة منذ ثلاث سنوات اجتمعت معه في الجفرة ومعنا الضباط الأحرار المتبقون في السلطة أو الخدمة ومنهم أبوبكر يونس جابر وعبدالفتاح يونس وغيرهما.. وقلت له نرى أن هناك نية للتوريث فصمت ولم يرد, وبالتالي لم أكمل الحديث.. وفي اليوم التالي كان هناك اجتماع بقيادة الجيش مع أبوبكر يونس وجاءني ضابط برتبة عميد اسمه مسعود عبد الحفيظ القذافي، قائد منطقة سبها حاليا وهو الذي يجلب المرتزقة السود من النيجر وتشاد ومالي والسنغال ليهاجم بهم الثوار، وسألني: لماذا تتحدث عن التوريث؟ ومن أنت لتتحدث فيه؟ ومن تمثل؟ وحدث تراشق بيننا بالألفاظ فأخذت الطائرة وجئت إلى طبرق وظللت فيها إلى الآن لا أذهب إلى سرت أو الجفرة أو طرابلس خوفا من الاغتيال.. ربما ليس خوفا بمعنى الخوف ولكن ابتعادا عن الرجل الذي بدأ في التحول إلى ملك والغريب أنه لم يفكر في عزلي.
كيف انضممت إلى الثورة؟
يوم السبت 19 فبراير اتصل بي أحد تجار الذهب من بنغازي واسمه فتحي مزكور الورفلي، وفي أثناء اشتراكه في مظاهرات بنغازي كان يبكي وهو يسمعني صوت الرصاص ويسألني: أتسمع صوت الرصاص؟ فأقول له نعم هذه طلقات مضادة للطائرات وهذه رشاشات آلية. وهكذا قال: يا سيادة اللواء هذا الرصاص يطلق على صدور شبابنا من بنادق كتيبة الفضيل بوعمر. حزنت واتصلت بزوجتي فأخبرتني أنها ستخرج للعزاء في أبناء جيراننا من شهداء الثورة، فكرت طوال الليل ثم قررت الانضمام للثورة ظهر اليوم التالي، فخرجت للمشاركة مع الثوار في ميدان طبرق، ودخلت إلى المسجد الكبير ومن خلال مكبر الصوت أعلنت انفصالي عن النظام.
كيف تقيم الوضع الآن.. وما هي رؤيتك للمستقبل؟
أتوقع لهذا الطاغية الذي خطب في الشعب ليقول له إن المعركة لم تبدأ بعد(!) أن ينتهي وحتما سينتهي والدليل على ذلك مفاوضته وأركان نظامه لأبناء الزاوية لدفع الملايين لهم ليتوقفوا عن قتاله وزيادة المرتب للموظفين وغيرها.
وهل نلتم نصيبا من زيادة الرواتب؟
لم نعد نحصل على مرتبات أنا وضباطي وجنودي.. ولا يهمنا فشعبي (يأكلني) أنا وجنودي ومساعدات مصر تصل إلينا فلا نحتاج له.
كيف ترى نهاية هذا الطاغية ومتى؟
هي قريبة جدا، وستكون بقتله على يد أحد أبنائه أو أقاربه أو ضباطه.