يقول رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري في حوار للشروق إن لبنان تجاوز جميع الأسئلة المشروعة.. توقيت الاختطاف .. الاستعدادات وقرار الحرب.. الجميع تجاوز الأجوبة على هذه الأسئلة.. جميع القوى السياسية كانت فخورة بالمقاومة الأسطورية للعدوان... فاوضت من موقعي كرئيس لمجلس النواب وليس بالنيابة عن حزب الله .. تكلم عن علاقته الوطيدة بالسيد حسن نصر الله وعن الدور الذي لعبه في إرساء السلام الأهلي أثناء الحرب وكيف صمدت شجرة الأرز في وجه القنابل العنقودية. وقال إن إسرائيل خسرت وإلى الأبد عنصر المفاجأة وعنصر المبادأة وأنها ستخسر الجولة وأي حرب قادمة. حاوره في لبنان: طاهر حليسي - كيف تقيمون من موقعكم كمسؤول ورجل لعب دورا إيجابيا محترما في حلحلة هذه الأزمة: طبيعة، أسباب وأهداف العدوان الإسرائيلي على لبنان؟ - - في 25 ماي 2006 يوم عيد التحرير، كان لي جولة في الجنوب كعادتي كل عام في نفس المناسبة لإفتتاح مشاريع إنمائية وخلال هذه الجولة وفي كلمة لي، حذرت من أن إسرائيل لديها بنك أهداف في لبنان وأنها أنجزت التخطيط لعملية جغرافية. لم يكد يمضي ثلاثة أيام، حتى أدخلت اسرائيل لبنان في تجربة عن طريق اغتيال كادرين لحركة الجهاد الإسلامي في صيدا وانتظرت أو استدرجت أو نظمت ردة فعل في نفس ليلة 27 - 28 - ماي 2006 لتقوم ظهر يوم 5/28 بقصف نقاط على امتداد الحدود ولتعلن أن الجيش الإسرائيلي بصدد تغيير قواعد اللعبة. نحن كنا متأكدين من العدوان، وكانت العادة أن إسرائيل تقوم كل ثلاث سنوات بتوجيه ضربة إلى لبنان لتخريب استقرار النظام العام وإعادة لبنان خطوات إلى الوراء. قامت إسرائيل باعتداءات متتالية في أعوام 1993 و 1996 و 1999 واندحر جيشها عن لبنان في ماي عام 2000. لم يعد لإسرائيل سبب للعدوان وبقيت لنا أسباب للمقاومة في طليعتها: 1- إستمرار احتلال مزارع شبعا وتلال كفر شويا. 2- إستمرار احتجاز حرية عدد من اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. 3- الإنتهاكات اليومية للسيادة اللبنانية برا وبحرا وجوا. 4- إحتفاظ إسرائيل بخرائط الألغام المزروعة في الأراضي اللبنانية. وهناك عشرات الأسباب الأخرى من إخفاء مصير عشرات اللبنانيين إلى التعويضات التي يجب أن تدفعها إسرائيل للبنان جراء حروبها ضد بلدنا. كانت إسرائيل تتحين الفرصة للإنتقام من لبنان. هنا، يوجد سبب رئيسي: عدو إسرائيل الإقتصادي الأول هو لبنان. لبنان شكل دائما المنافس والمنافس المحتمل لإسرائيل في نظام المنطقة على عدة مستويات: أ- الإقتصاد الحر ب- النظام المصرفي ج- قطاع الخدمات د- السياحة ه- قطاع التجارة والترانزيت الإنتقام الإسرائيلي من لبنان تركز على ضرب المنشآت الحيوية والبنى التحتية، لم تترك إسرائيل طريقا أو جسرا أو معبرا حدوديا بريا أو بحريا أو جويا إلا واستهدفته. لذلك فإن هذه الحرب الإسرائيلية تعبر عن طبيعة السياسة العدوانية التي تنتهجها إسرائيل ويقع الإنتقام من لبنان في أساسها، إضافة إلى محاولة جعل لبنان موقعا لكمين محكم لسورية ولإيران في لبنان، أما في الأهداف، فإن للعدوان أبعادا أمنية وعسكرية إسرائيلية معلنة، ولكن البعد الحقيقي هو بعد اقتصادي وسياسي. - ما هي المساعي التي بذلتموها في رأب أي صدع محتمل في الجبهة السياسية الداخلية، هل هناك أخطار داخلية حقيقية أثناء وفي عز العدوان الإسرائيلي على لبنان؟ - - لو كان الوضع الداخلي مفككا هل كان لبنان حقق النصر؟ كان هناك أسئلة مشروعة حول توقيت عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين وقرار الحرب والإستعدادات لهذه الحرب، الجميع تجاوز الأجوبة على هذه الأسئلة إلى ما بعد الإنتهاء من المعمعة. لاشك أن الجهة الداخلية كانت تحتاج إلى تنظيم وإلى قدرة على استيعاب نحو مليون نازح. جميع القوى السياسية، جميع الطوائف والفئات، اتخذت مبادرات وطنية محسوسة. وجميع القوى السياسية كانت فخورة بالمقاومة الأسطورية للعدوان الإسرائيلي. من جهتي، قمت باتصالات من أجل تصليب الجهة الداخلية ومن أجل التأكيد على لبنانية المعركة، وان هذه الحرب ليست مذهبية أو جهوية وأن إسرائيل تستهدف كل لبنان. - هل كانت ثمة اتصالات مباشرة مع حزب الله؟ ما حجمها؟ ومع قوى المجتمع اللبناني وجهات دولية لإنهاء الحرب والوصول إلى وقف إطلاق النار؟ - - طبعا، كان هناك ولايزال اتصالات دائمة مع حزب الله بصدد إدارة المواجهة وصولا إلى إدارة المقاومة على الجبهة السياسية والدبلوماسية توصلا إلى قرار لمجلس الأمن الدولي حول وقف الحرب. هذه الإتصالات كانت تشمل الأطراف الأساسية في لبنان، وكانت كل نقطة وفاصلة تخضع للنقاش والبحث. أتذكر مثلا أن تأجيل اجتماع لمجلس الوزراء أثار تكهنات حول توترات سياسية بالغة في لبنان، والحقيقة أنني شخصيا طلبت التأجيل لإجراء المزيد من المشاورات وصولا إلى خطاب سياسي ودبلوماسي لبناني موحد. وأنا أقول أن الدبلوماسية البرلمانية اللبنانية لعبت دورا أساسيا إلى جانب الحكومة توصلا إلى بناء صيغي دولية معقولة ومقبولة عبر عنها القرار الدولي رقم 1701. - هل ساهمت أطراف عربية بجهود دبلوماسية لم يتحدث عنها في الوصول إلى وقف إطلاق النار؟ - - كل الدول العربية الشقيقة بذلت جهودا كبيرة للوصول إلى وقف لإطلاق النار. الدبلوماسية العربية كانت باردة في الأيام الأولى على طبيعتها، ثم انطلقت بقوة على جميع المستويات الدولية وصولا إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت وانتقال وفد يمثلهم إلى نيويورك ومشاركتهم في جلسة مجلس الأمن. بعيدا عن الأضواء، جرت أكثر الإتصالات حساسية، والجهد الدبلوماسي يحتاج دائما إلى كواليس وما يخرج إلى المسرح يتم بعد معاناة كبيرة خصوصا حين يقع الوضع تحت ضغط كرة النار. - يقال أنكم لعبتم دور "رجل الإجماع" في التقريب بين وجهات كافة أطراف النزاع، كيف كانت جهودكم بإتجاه "حزب الله"، خاصة وأن سماحة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله فوضكم شخصيا لما تتمتعون به من نزاهة سياسية واخلاص وطني في قضية ادارة حل النزاع العسكري .. كيف كانت طبيعة هذه المهمة الوطنية وكيف أمكنكم الوصول إلى حل إيجابي؟ - - كما تعرف أنا أتحمل مسؤوليات من موقعي الرسمي والشعبي تجاه مشروع المقاومة، فأنا بداية رئيس لأفواج المقاومة اللبنانية (أمل) وأنا رئيس لمجلس النواب وتحت قبة البرلمان أقوم بأداء حوار وطني حول كل القضايا الشائكة. بالنسبة إلى الحرب الاسرائيلية ضد لبنان كان لابد قبل اتخاذ قرارات حاسمة وحازمة على المستوى الوطني إدارة اتصالات مع القوى الأساسية وخصوصا "حزب الله" بإعتباره كان في الميدان وعلى الجبهة وكان هذا الواقع يستدعي وجود جبهة داخلية قوية ويستدعي إدارة سياسية ودبلوماسية للجهود الهادفة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. هنا أود أن ينتبه الجميع إلى أنني كنت أفاوض من موقعي كرئيس لمجلس النواب وليس بالنيابة عن حزب الله، نعم، تم تفويضي في البداية من سماحة الأخ السيد حسن نصر الله بمسألة تبادل الأسرى والمعتقلين. نحن كنا نريد أن تبقى الأمور بحجمها: حزب الله خطف جنديين لمبادلتهم بالمعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية، أي اثنين مقابل ثلاثة: اسرائيل اضاعت الفرصة أو كانت تريد الاستثمار على فرصة عملية الخطف لتنفذ عدوانا "مبيتا" و"مخططا" ضد لبنان، لذلك وقبل وقف المعارك اعتذرت عن متابعة التفويض بشأن تبادل الأسرى. أنا لا أنكر وجود قنوات اتصال مفتوحة مع السيد حسن نصر الله حول كل القضايا الصغيرة والكبيرة والثقة بيني وبين سماحته وبيني وبين جميع القيادات اللبنانية مبنية على قاعدة احترام الآخر وإدارة متفهمة للاتفاق والاختلاف مع الآخر. نحن والجميع كنا نرى أن الحرب هي سياسة اسرائيلية وهي مصلحة اسرائيلية. ما لم تدركه اسرائيل ووقعت في سوء التقدير هو حجم الرد واستبسال المقاومين، أي اخفاق قوة الردع الاسرائيلية في تحقيق أي هدف وتحولت الحرب الاسرائيلية إلى حرب اللاهدف كما وصفتها الصحافة الاسرائيلية. قوة المقاومة شكلت قوة التفويض لنا جميعا لتصحيح مشاريع القرارات الدولية واصلاحها بما يحفظ حقوق لبنان. - ما هي أبرز المخاطر التي واجهت عملية الوصول إلى وقف إطلاق النار؟ - - الشخصية المترددة والقلقة والمضطربة للمستوى السياسي والعسكري في اسرائيل بقيادة الثنائي أولمرت وبيرتز وخلفهما رئيس الأركان الطيار دان حوالتس. على المستوى اللباني حققنا جملة مفاجآت أبرزها: 1- المقاومة - حجمها - ادارتها والخسائر التي لحقت بالعدو وتحطيم أهم آلة حربية اسرائيلية (الميركافا 4). 2- المقاومة السياسية المنسقة بين الدبلوماسية البرلمانية والدبلوماسية الحكومية. 3- المقاومة الداخلية التي برزت من خلال ممانعة الجبهة الداخلية الوقوع في فخ الفتنة أو "عرقنة لبنان" كما كان يهدف المشروع الاسرائيلي. أنا لا أخفي أن حالة من التوتر والانفعال كانت تضغط على المحادثات التي كنت أجريها أو كان يقوم بها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ولكن كنا نثق بأنفسنا وبشعبنا وبمقاومتنا وإلى أننا بالنتيجة نريد جميعا أن ينتصر لبنان وأن يتحقق قيام الدولة. - كيف تنظرون إلى مسألة نزع سلاح حزب الله؟ وهل تعتقدون أن الطرح الحاد لقوى دولية وقوى 14 آذار سيلقي بانعكاسات سلبية على الوضع الداخلي ما بعد وقف اطلاق النار، وهل هناك احتمالات فتنة داخلية لا قدر الله؟ - - هذه مسألة لبنانية يحددها الحوار حول بناء استراتيجية دفاعية للبنان. من جهتي أرفض الربط بين ما تطرحه قوى لبنانية محلية وما يطرح من قوى دولية. أنا أرفض الربط أو الاتهام، للقوى المحلية أسبابها ورؤيتها للأمور وهي جميعا "تريد لبنان قويا" بمواجهة اسرائيل، أما القوى الدولية فمنها من يريد تجريد المقاومة من سلاحها لإضعاف لبنان. لبنان لن يعود إلى الوراء. السلام الأهلي في لبنان راسخ رسوخ الأرز، في لبنان نعتمد الحوار وثقافة الحوار ونريد من أشقائنا العرب دعم حوارنا وسلامنا. - دعم وقف اطلاق النار لاتزال اسرائيل تصر على جولة ثانية من الحرب، جيشها لايزال عند بعض القرى الحدودية كما ارتكبت عملية انزال قرب بعلبك.. ما هو الهدف من هذه العمليات الانفرادية الخارقة للقرار 1701، كيف ستجابهون هذا الوضع وما هي الخطوات المبذولة لتفادي عودة شبح الحرب؟ - - في سياق الأجوبة أشرت إلى أن اسرائيل وضعت مخططا لعملية جغرافية. هذه الحرب والجولة التي تسعى اسرائيل لخوضها والعملية الجغرافية كما أصفها هي كمين أعدته اسرائيل لكل من سوريا وإيران في لبنان، أي أنها تريد استخدام لبنان ساحة للمواجهة الإقليمية. أقول أن اسرائيل خسرت وإلى الأبد عنصر المفاجأة وعنصر المبادأة وإسرائيل ستخسر الجولة أو أي حرب قادمة. طبعا، إسرائيل تمهد لعرقلة القرار الدولي رقم 1701 وهي تعتبر نفسها استثناء لا تطبق عليه القرارات الدولية والمسؤولية في هذا الأمر تقع على الولاياتالمتحدة التي جعلت اسرائيل دولة خارجة على القانون الدولي وتتمتع بحمايتها. الجيوب الاسرائيلية العسكرية في الأراضي اللبنانية وعمليات الإنزال وخرق حرمة الأجواء والمياه الاقليمية اللبنانية واستمرار الحصار الجوي والبحري كل هذه الأمور أعمال حربية تناقض القرار 1701. الآن المسؤولية تقع على المجتمع الدولي وبصفة خاصة على مجلس الأمن الدولي. نحن بإنتظار وصول القوات الدولية وقيامها بالمهمة الأولى مساعدة الجيش اللبناني على الانتشار على حدودنا السيادية لنرى ماذا بعد؟! - ما المطلوب من لبنان والدول العربية فعله بهدف المساعدة على ارساء سلام دائم في المنطقة، كيف تنظرون إلى الموقف العربي بما فيه الموقف الجزائري من القضية اللبنانية .. والرئيس بوتفليقة تحديدا؟ - - الدول العربية وفي قمة بيروت أجمعت على تأييد مبادرة الملك عبد الله للسلام. اسرائيل وخلال هذه القمة بدأت اجتياحا لم ينته للمناطق الفلسطينية أعقبته بإطلاق مشروع بناء جدر الفصل العنصري وخطة الانسحاب الأحادي من غزة وخطة الانطواء التي طرحها أولم رت. الدول العربية جنحت للسلام ولكن اسرائيل مصرة على سياساتها العدوانية الاحتلالية والاستيطانية. الآن بعد الحرب على لبنان اعتقد أن اسرائيل ستعد إلى المئة وهي أصبحت تعرف أن الشعوب العربية جاهزة للانخراط في مشروع المقاومة وعلى اسرائيل الاختيار بين المبادرة العربية للسلام أو المبادرة العربية للمقاومة. بالنسبة إلى الموقف الجزائري نقول إننا على صلة وثيقة بالجزائر رئيسا ومجلسا نيابيا وحكومة الجزائر انحازت إلى جانب لبنان خلال محنته في الأيام الصعبة طيلة سبعة عشر عاما وخلال مواجهة الاجتياحات الاسرائيلية. الجزائر دربت كوادرنا على المقاومة منذ مطلع السبعينات إلى منتصف الثمانينات. الجزائر قادت مبادرات السلام العربية لتسوية الأوضاع الداخلية في لبنان وصولا إلى اتفاق الطائف. فخامة الرئيس بوتفليقة صديق شخصي للكثير من اللبنانيين وأنا واحدا منهم. الجزائر بكل عناوينها منحازة إلى لبنان. - كلمة مفتوحة أتوجه بالتحية الخالصة إلى الجزائر بلد المليون شهيد وإلى شعب الجزائر الشعب الشقيق المحب والعزيز وأقول أننا ننتظر مبادر رسمية وشعبية مساهمة في إعادة إعمار احدى المدن والبلدات في البقاع أو الجنوب. نريد لشعب المقاومة وبلاد المقاومة في لنبان أن يحمل ذاكرة الجزائر ومشاركة الجزائر وهو أمر ليس غريب عن كرم هذا البلد الذي كان وسيبقى قاعدة ارتكاز الثوار من فلسطين إلى لبنان إلى كل مكان.