خيمت الحرب الأهلية مجددا على لبنان مع سقوط أول ضحية في الصراع السياسي الدائر بين المعارضة والأكثرية، وقد ارتفعت وتيرة التراشق الإعلامي والسياسي بين فرقاء الوطن الواحد منذ الفاتح من الشهر الجاري، عندما قرر حزب الله وحلفاؤه الخروج الى الشارع من أجل إسقاط حكومة فؤاد السنيورة. ووسط دعوات التهدئة وضبط النفس تعيش شوارع بيروت وبقية المدن اللبنانية وضعا متوترا، حيث تواصل المعارضة اعتصامها المفتوح بالمظاهرات والاحتجاجات متعهدة بتحقيق هدفها، في حين يصر فريق 14 أذار الذي يقف وراء الحكومة على عدم الرضوخ والاستسلام لضغط الشارع وتزايدت وتيرة التراشق الإعلامي بعدما قالت قناة المنار إن ما وصفته "ميليشيا تيار المستقبل" هي المسؤولة عن قتل الشاب أحمد محمود. ورد تيار المستقبل متهما إياها بالسعي الى "الحقن المذهبي والتجييش للفتنة المذهبية"... وأمام هذا الصراع، ارتفعت الأصوات المطالبة بالعودة الى طاولة الحوار وحل فتيل الأزمة الراهنة التي تهدد بالعودة الى أجواء الحرب الأهلية. وفي هذا الإطار، قال رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط إن الحوار وحده كفيل بحل الأزمة في لبنان.. يأتي ذلك بينما شهدت الساحة اللبنانية خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة تصعيدا خطيرا، حيث وقعت مصادمات طائفية في أحياء بيروت، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، وقد اضطر الجيش اللبناني الى التدخل من أجل احتواء الوضع. من جهة أخرى، تتواصل التحركات الدبلوماسية العربية لتهدئة الأوضاع، لكن يبدو أن لا صدى لدى المعارضة التي اتهمتها بالانحياز للحكومة، في الوقت الذي اعتبرت فيه الحكومة هذه المساعي إيجابية للخروج بحل للأزمة السياسية المحتدمة في البلاد. اتفاق الطائف.. نهاية حرب دامت 15 سنة يعتبر اتفاق الطائف هو نهاية الأزمة اللبنانية وتسوية جميع مشكلاتها، والذي نتج عن اجتماع المؤتمر الوطني اللبناني في الطائف في 30 سبتمبر 1989 والذي أنهى حربا أهلية استمرت أكثر من عشرين عاما. وقد بدأت مناقشات الحوار الوطني التي تميزت بالصراحة وعدم المجاملة. وحضر مؤتمر الطائف فى المملكة العربية السعودية اثنان وستون نائبا لبنانيا من أصل ثلاثة وسبعين، وثمانية من الأحد عشر نائبا الذين لم يحضروا الاجتماع لم يرتبط تغيبهم بأسباب سياسية. والنواب الثلاثة الذين اعتبروا بمثابة المقاطعين للمؤتمر هم ريمون أده وألبير مخيبر وأميل روحانا صقر. ومن التأمل في مضمون اتفاق الطائف يمكننا أن نلاحظ بأن الاتفاق قد تضمن وضع أسس دستورية جديدة للبنان. فلقد تم في اتفاق الطائف لأول مرة إضافة مقدمة خاصة للدستور اللبناني اعتبرت جزءا أساسيا من الدستور نفسه، كما تضمن اتفاق الطائف تحديد أسس الوفاق الوطني اللبناني وأسس الوضع الأمني التي تمثلت في تأكيد توحيد لبنان وإنهاء القتال وتحديد حل الميليشيات العسكرية. كما وضع اتفاق الطائف أسس الإصلاح السياسي في لبنان، وتوصل اللبنانيون إلى صيغة مفصلة للوفاق الوطني. وفي الخامس من نوفمبر 1989 اجتمع مجلس النواب اللبناني في مطار القليعات، حيث تم انتخاب رينيه معوض رئيسا للجمهورية اللبنانية، وعلى الرغم من اغتيال الرئيس معوض في الثاني والعشرين من الشهر نفسه، إلا أن انتخاب المجلس بعد يومين من عملية الاغتيال لإلياس الهراوي رئيسا للجمهورية، وتشكيل حكومة وطنية برئاسة سليم الحص قد مهد الطريق أمام لبنان في أعقاب اتفاق الطائف لوضع أسس الأمن والسلام في لبنان، حيث نجحت حكومة الحص في القضاء على تمرد العماد ميشال عون وفي توحيد بيروت والبدء في الإصلاحات الدستورية ووضع أسس ترتيب العلاقات الجديدة مع سورية وكذلك وضع مخططات برامج إعادة بناء وتطوير لبنان. وطبقا لاتفاق الطائف عام 1989: 1- الرئيس اللبناني مسيحي ماروني 2- رئيس مجلس الوزراء مسلم سني 3- رئيس مجلس النواب مسلم شيعي ومنذ التوقيع على اتفاق الطائف في العام 1989 الذي وضع حدا للحرب الأهلية، تمتعت البلاد بدرجة ملموسة من الاستقرار السياسي، لكن شرائح كبيرة من الشعب مازالت تعارض الترتيب الذي وُضع بعد الحرب. عن النظام البرلماني في لبنان في ظل نظام مركب لتقاسم السلطة بلبنان.. فإن مقاعد البرلمان البالغة 128 مقعدا تنقسم مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ويذهب العدد الأكبر من هذه المقاعد إلى الطائفة المارونية؛ حيث تمتلك 34 مقعدا، بينما لكل من الطائفتين السنية والشيعية 27 مقعدا، أما بقية المقاعد فتتوزع على الطوائف الأخرى. ويشكل المسلمون 58.7 % من جمهور الناخبين بينما يشكل المسيحيون 41.3 %. وتنقسم لبنان إلى 14 دائرة انتخابية وفقا لقانون الانتخاب الذي أجريت على أساسه الانتخابات السابقة عام 2000. بيروت: مراسل "الشروق اليومي" - إلياس جوادي لايزال فريق المعارضة في لبنان معتصما وسط بيروت، مصرا على إسقاط حكومة السنيورة رغم إصرار الأخير على أن حكومته دستورية وباقية، الاعتصام الذي دخل يومه الخامس، لم يمنع من وقوع بعض أعمال الشغب بين جمهوري المعارضة والسلطة في بعض مناطق بيروتالغربية (قصقص والطريق الجديدة)، أين يتواجد تيار المستقبل. فقد تصاعدت حدة التوتر في أنحاء بيروت مساء الاثنين عقب مقتل الشاب أحمد حسن محمود الذي ينتمي الى حركة أمل ليلة أمس الأول، خصوصا بعد ما حصلت قناة المنار على شريط مصور يظهر صورا لبعض مثيري الشغب وهم مجموعة من الشبان يرشقون مجموعة أخرى ينتمون إلى المعارضة عائدين من ساحة الشهداء بالحجارة، مما أسفر عن سقوط ضحية وعدد من الجرحى، الشريط المصور عرضته قناة المنار على المحطة الأرضية مع التعليق واتهمت القناة مجموعة ميليشيا تيار المستقبل بإطلاق النار على الضحية ورشق المارة بالحجارة. ومساء رد تلفزيون المستقبل على المنار ووصف حزب الله بميليشيا الحزب المعطل، في ما يشبه حربا اعلامية تذكي نار الفتنة الطائفية. وأصدر تيار المستقبل بيانا رد فيه على اتهامات المنار، ومما جاء فيه: لقد بلغ السيل الزبى. ان الجميع في لبنان والعالم العربي والاسلامي يعلم من هي الجهة اللبنانية الوحيدة التي تملك ميليشيا وهي الجهة الوحيدة التي تملك تنظيما مسلحا، ومن هي الجهة الوحيدة التي تمارس منطق الاعلام الحربي تجاه المسائل الوطنية الداخلية وتملك وحدة رسمية بهذا الإسم ومن ضمنها قناة المنار التلفزيونية. وأضاف البيان: اننا نتوجه الى جميع المسؤولين في حزب الله وقناة المنار التابعة له ان يتقوا الله في وطننا وفي وحدة اللبنانيين ومنع الفتنة بين المسلمين، ونحملهم المسؤولية المباشرة في اي أذى قد يتعرض له اي من المواطنين الذين جرت تسميتهم على قناة المنار او اي من اعضاء تيار المستقبل وجمهور الرئيس رفيق الحريري جراء التهم الملفقة التي اطلقتها قناة المنار في نشراتها الإخبارية اليوم. في موازاة ذلك حمّلت النائبة في البرلمان غنوة جلول قوى المعارضة المسؤولية عن أي حادث آخر بعد سماعها عبارات سب وشتم للصحابة رضوان الله عليهم من طرف المارة عند عودتهم ليلا مشيا على الأقدام من وسط بيروت الى الضاحية ومناطق أخرى. وقد أفضت اتصالات مكثفة طوال يوم أمس الى الحؤول دون احتكاك كان من الممكن ان يشعل فتنة اليوم في ساحة رياض الصلح، اذ تمكن رئيس مجلس النواب نبيه بري من التدخل لدى أهالي واصدقاء الشاب محمود واقناعهم بعدم احياء مراسم تشييعه في ساحة رياض الصلح، بعد ما كان هؤلاء توعدوا بإدخال جثة الشاب الى داخل السراي الحكومي. ولكن مساء، أصر المشيعون على نقل جثة محمود الى ساحة رياض الصلح، حيث تجمع آلاف المعتصمين، لبعض الوقت، قبل ان ينقل مجددا الى مستشفى الرسول الأعظم على طريق المطار ليشيع اليوم. "قوى المعارضة الوطنية اللبنانية" هو الإسم الذي اتفقت قوى المعارضة على استعماله بدءا من يوم الاعتصام في مستهل تحركها الذي "لن يتوقف حتى تلبية المطالب"، التي يتقدمها مطلب تشكيل "حكومة وحدة وطنية". قرار النزول إلى الشارع استُقبل بكثير من الحذر من قبل شريحة كبيرة من اللبنانيين، فيما عبر آخرون عن فرحتهم به بإطلاق رشقات الرصاص في بعض أحياء بيروت، وضاحيتها الجنوبية تحديدا. المعارضة ضربت عرض الحائط بتنبيهات وزارة الداخلية حول ضرورة الحصول على ترخيص للتظاهر "فالحكومة غير شرعية ونحن نتجمع ولا نتظاهر"، كما يقول الناطق الاعلامي باسم "حزب الله" حسين رحال. فيما قال أنطوان مخيبر، أمين سر "التيار الوطني الحر" الذي يقوده النائب ميشال عون، ان المعارضة أعطت الحكومة والقوى الأمنية "علما وخبرا" عبر البيان الذي أصدرته وحددت فيه مكان المظاهرة، الذي تحاول المعارضة من خلاله "احتلال" ساحة الشهداء التي اعتادت قوى الأكثرية النيابية عقد تجمعاتها الشعبية فيها. يذكر أن قرارا صدر عن مجلس الوزراء عام 1988 يحمل الرقم 17 سمح بالتظاهر شرط أن يتم "وفقا للأحكام والقوانين المرعية الإجراء". فيما حدد قرار آخر يحمل الرقم 1024 صدر عن وزارة الداخلية السنة الحالية إجراءات تنظيم التظاهر كالآتي: المادة الأولى: "يقدم العلم بالتظاهر أو التجمع أو الاعتصام إلى المحافظ المختص قبل موعد المظاهرة بثلاثة أيام على الأقل. ويجب أن يتضمن هذا العلم النقاط التالية: 1 سبب الدعوة للتظاهر، واسم وصفة الجهة الداعية لها، والشعارات الأساسية التي ستطلق. 2 أسماء منظمي المظاهرة الذين يجب أن يكونوا لبنانيين وان لا يقل عددهم عن ثلاثة، بالإضافة إلى تحديد مكان إقامتهم. المادة الثانية: يمكن للمحافظ ولأسباب أمنية أن يعدل أو يغير مكان تجمع وانطلاق المظاهرة والشوارع التي ستسلكها وزمان إقامتها. المادة الثالثة: تتم تسمية لجنة ارتباط بين المتظاهرين والقوة الأمنية الموجودة على الأرض، وتكون مهمة هذه اللجنة التنسيق لمنع حصول أي خلل أمني أثناء مواكبة التظاهر أو أي أعمال شغب قد تحصل. المادة الرابعة: يطلع وزير الداخلية والبلديات قبل التظاهر ب 24 ساعة على الأقل على اقتراحات المحافظ والمبنية على مقترحات مقدمة من قوى الأمن الداخلي. ويقرر الوزير عند الاقتضاء دعوة مجلس الأمن المركزي للاجتماع ودراسة الوضع. المادة الخامسة: في الحالات الطارئة الخاصة التي لا تتحمل التأخير يجري تقديم الطلب إلى المحافظ الذي يعالج الموضوع فور وروده. ارتبط اسم حزب الله بالثورة الإسلامية في إيران التي قام بها روح الله الموسوي الخميني عام 1979، وقد اكتسب شرعيته المحلية وشعبيته الإقليمية عن طريق المقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي للبنان (1982) ولا سيما بعد عام 1985 وهو عام الإعلان الرسمي عن أنصار الثورة الإسلامية في لبنان حزب الله. سبق الوجود التنظيمي لحزب الله في لبنان وجود مشارب فكرية وعقائدية متعددة وكانت في غالبها تعود إلى العراق ولا سيما إلى حزب الدعوة الإسلامي الذي كان يرأسه محمد باقر الصدر، وإلى مدرسة النجف الدينية التي جمعت عددا من طلاب العلم اللبنانيين وأصبح بعضهم جزءا أساسيا من النخبة الدينية الشيعية في لبنان، منهم موسى الصدر مؤسس حركة المحرومين أمل التي يتزعمها حاليا نبيه بري وهو رئيس المجلس النيابي اللبناني أيضا. وقد اختفى الصدر في ظروف غامضة عام 1978، وفي نفس الفترة الزمنية اضطلع محمد حسين فضل الله بدور تربوي وسياسي مؤثر في الساحة اللبنانية بلغ أوجه في منتصف الثمانينيات متزامنا مع ظهور حزب الله كقوة لبنانية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي وللقوى اللبنانية المتحالفة معه، مما دفع كثيرين لوصفه بالمرشد الروحي لحزب الله، وهو ما نفاه الحزب وفضل الله نفسه أكثر من مرة، غير أنه لا أحد ينكر أنه كان لفضل الله أثر بالغ على تكوين طلائع حزب الله الأولى من السياسيين والعسكريين وغيرهم. لا توجد مصادر مستقلة تتحدث بالتفصيل عن طرق إدارة الحزب قبل العام 1989، إلا أن المعلومة المتداولة تفيد أن القيادة كانت جماعية إلى أن انتخب الأمين العام الأول لحزب الله وهو الشيخ صبحي الطفيلي من عام 1989 حتى عام 1991 وتولى المنصب من بعده الشيخ عباس الموسوي، ولم يستمر في منصبه أكثر من تسعة أشهر، ومن أهم أعماله إيلاء مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الأولوية على ما سواها من الناحية العملية. واغتالته إسرائيل عام 1992 ليقود الحزب من بعده حسن نصر الله حتى الآن. يعتقد بعض المراقبين أنه لايزال البعض من بنية حزب الله تكتنفه السرية ولا سيما تلك المرتبطة بالمقاومة وبعلاقات الحزب خارج الحدود اللبنانية، إلا أن الهياكل التي تنظم عمل الحزب معروفة، وتتسم قراراتها بالشرعية الحزبية والعلنية وتتضمن الأمانة العامة ومجلسا سياسيا ومجلس شورى إضافة إلى مجلس تخطيطي وكتلة نواب وهيئات استشارية متعددة. ويتخذ القرار داخل الحزب بأغلبية الأصوات. العلاقة مع إيران جاء في بيان صادر عن الحزب يوم 16 فبراير 1985 أن الحزب "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة". ويرى المتابعون لشؤون الحزب أن ارتباطه بإيران ينطلق من مفردات عقائدية، حيث أن كل أفراد الحزب هم من اللبنانيين الشيعة، ويعتبرون الولي الفقيه في إيران مرجعا دينيا وسياسيا لهم. ولكن بعد وفاة الخميني تباينت الآراء حول أهلية المرشد الجديد للثورة علي خامنئي، مما فتح الباب لنقاشات احتدت في بعض مراحلها، لكنها لم تثن حزب الله عن ارتباطه بالمرجعية الإيرانية في حدها السياسي والحضاري. ويعتقد أن حزب الله يتلقى دعما ماديا كاملا من إيران إضافة إلى التبرعات وأموال الخمس التي يتلقاها الحزب من مناصريه. العلاقة مع سوريا بسبب الظروف التي تشكل بها الحزب ولا سيما ظرف المقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، وجد حزب الله دعما سياسيا ومعنويا من سوريا في علاقة جدلية لم يسبق لها نظير على الأقل في العالم العربي. ولم تخل تلك العلاقة من مصادمات بين الطرفين كانت أشدها عام 1987، حيث سقط من حزب الله أكثر من عشرين قتيلا، ولكن استطاع الطرفان تجاوز الخلافات والوصول إلى رؤية مشتركة برعاية وتدخل إيراني، وبلغت هذه العلاقة مراحل متقدمة بعد استلام حسن نصر الله قيادة الحزب. يعتبر بعض الباحثين حزب الله ظاهرة فريدة في العالم العربي ويرون أن التاريخ سيحفظ اسمه كحزب مقاوم استطاع أن يلحق هزيمة بالجيش الإسرائيلي ويجبره على الانسحاب من جنوب لبنان، وأن يعقد معه عددا من الصفقات الناجحة لتبادل الأسرى، وأنه استطاع أن يحدث تكاملا بين العمل العسكري والسياسي والإعلامي، حيث كانت ماكينته الإعلامية تعرض عملياته العسكرية الناجحة، بينما كانت حركته السياسية تجتهد لحماية ظهر المقاومة محليا وعربيا ودوليا. بدا ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر الذي بنى شعبيته على معارضة الوجود السوري في لبنان هو الأقوى على الساحة المسيحية بعد انتخابات العام الماضي. عون خسر حربا ضد الجيش السوري أواخر الحرب الأهلية اللبنانية وعلى الرغم من تحالفه مع خصوم سابقين مؤيدين لسورية، انتزع التمثيل المسيحي الأكبر في المجلس، وعدّل خطابه تجاه سورية باعتبار أنها انسحبت من لبنان. أما الأطراف المسيحية الأخرى، تحديدا "القوات اللبنانية" وحزب الكتائب، فصعدت من وتيرة خطابها ضد سورية بعد الانسحاب، كما فعل الحريري وجنبلاط، معتبرة أن استخباراتها لاتزال في لبنان. كما اتهمت دمشق بالوقوف وراء الاغتيالات السياسية. وكان موقف الكنيسة المارونية التي يرأسها البطريرك نصر الله صفير أقرب إلى موقف قوى 14 آذار المطالب أيضا بنزع سلاح حزب الله. وحين وقع عون "ورقة تفاهم" مع حزب الله التي كان لها مفعول مدو على الساحة السياسية، اتهم بالانتقال إلى "المحور السوري الإيراني"، وهو ما نفاه عون بشدة. لكن خصوم عون يطرحون أسئلة محرجة عليه: هل يمكن للمسيحيين في لبنان، الذين خاضوا معارك عسكرية ضد زج لبنان بالصراع العربي الاسرائيلي، أن يؤيدوا تحالفا مع حزب الله؟ وهل يستطيع عون اقناعهم بجدوى التحالف مع حزب يحمل عقيدة إسلامية ويتحالف مع سوريا وإيران؟ يعتبر القيادي في التيار الوطني الحر أنطوان خوري حرب أن "التيار" تمكن من "لبننة" حزب الله من خلال بند في ورقة التفاهم ينص على "أن النظام اللبناني يقوم على الديمقراطية التوافقية"، وهو ما يحسم إشكالية العنصر الديني في عقيدة الحزب. كما يشير حرب في مقابلة مع "بي بي سي" إلى أن "الحرب الإسرائيلية الأخيرة برهنت أن المسيحيين يتعاملون مع أي غريب يعتدي على وطنهم كعدو"، وأن "المقاومة اثبتت انتصارها على آلة الحرب الإسرائيلية وأسقطت النظرية الأسطورية للجيش الإسرائيلي". ويمضي مؤكدا أن "التيار (الوطني الحر) ماض في تفاهمه مع حزب الله طالما أن احد الطرفين لم يخرج على بنود مذكرة التفاهم المشتركة بينهما". وإذ يرى أن حجم تمثيل عون لم يتغير، يشير إلى أن "الانتخابات النيابية الأخيرة أظهرت تأييد 75 % من الناخبين المسيحيين لعون وبالتالي فإن تأييد ربع الناخبين المسيحيين لفريق 14آذار يؤكد التموضع السياسي لكل المسيحيين وبذلك يكون قد حسم الخيار الشعبي المسيحي حتى انتخابات جديدة". كما يصر حرب على أن المسيحيين يؤيدون تفاهم عون مع حزب الله. بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، انقسمت الساحة اللبنانية إلى فريقين متصارعين، الأول يقوده حزب الله وحركة أمل، والثاني يقوده تيار المستقبل وحلفائه. وتحت ضغط الشارع، استقالت حكومة رشيد كرامي ونظمت انتخابات نيابية في مارس 2005 فاز فيها تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري وحلفائه وأهمهم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وسمير جعجع، رئيس القوات اللبنانية وغيرهم.. ويدعم هذا التيار الذي يتمتع بالأغلبية النيابية بقوة حكومة فؤاد السنيورة وقد دخل في مواجهة سياسية وإعلامية مع المعارضة التي لجأت بداية الشهر الجاري الخروج إلى الشارع من أجل إسقاط الحكومة. وقد ساهمت الاغتيالات التي مست بعض السياسيين والإعلاميين مباشرة بعد اغتيال الحريري في ظهور هذا التيار كمدافع عن ما يسميه الديمقراطية والحرية في لبنان. ويتهم تيار المستقبل وحلفائه سوريا بالوقوف وراء موجة الاغتيالات السابقة ويطالب في هذا الصدد بمحكمة دولية تشمل محاكمة المتورطين في جريمة اغتيال الحريري وبقية الاغتيالات. وقد وافقت حكومة السنيورة مؤخرا موافقة نهائية على مشروع الأممالمتحدة لتشكيل المحكمة الدولية، هذه المحكمة التي تعترض عليها المعارضة وكذلك الرئيس اميل لحود. ويواجه تيار الأكثرية النيابية العديد من الانتقادات على خلفية دعمه العلني من طرف الخارج وخاصة من طرف الولاياتالمتحدة وفرنسا وحتى إسرائيل التي لم تخف مؤخرا دعمها للحكومة. ولكن الضربة القوية التي تلقاها تيار سعد الحريري ورفاقه كانت في استقالة ستة وزراء من حزب الله وحركة أمل. وجاءت استقالة هؤلاء في إطار تحرك المعارضة لإسقاط الحكومة الحالية. مع العلم أنه باستقالة اولئك الوزراء وباغتيال بيير الجميل الوزير يوم 21 نوفمبر الماضي. وإذا استقال أو توفي وزيران آخران تسقط الحكومة تلقائيا. ومن جهة أخرى، يرى العديد من المحليين أن معسكر 14 أذار قادر على مواجهة شارع المعارضة من خلال جماهيرها، ويستبعد هؤلاء أن يؤدي الاعتصام المفتوح لسقوط حكومة السنيورة، لأن هذه الأخيرة لها أيضا جمهورها، إضافة إلى آخرين كثيرين يرفضون الحالة الشارعية الحالية المتوترة. وقد أكد فؤاد السنيورة وقوى 14 آذار على أن الحكومة باقية ولن تسقط إلا من خلال البرلمان. وكان السنيورة قد حذر من أي محاولة لإسقاط الحكومة خارج إطار البرلمان، وأضاف "أقول باسمكم وباسم الدستور لا طريقة لإسقاط الحكومة إلا من خلال مجلس النواب، وكل ماعدا ذلك باطل وقبض الريح وخروج عن الدستور وانقلاب بدأنا نتصدى له مع سائر المواطنين بكل الوسائل المشروعة والمتاحة".. ولكن محللين آخرين يخشون أن يؤدي استمرار الاعتصام لأيام قادمة الى إحراج الحكومة مما سيدفعها مع قوى 14 آذار إلى الاحتكام هي الأخرى إلى الشارع بما سيؤدي إلى الصدام. قوة أمريكية عربية لحماية السنيورة كشفت مصادر سياسية لبنانية أن الولاياتالمتحدة شكلت منذ سبعة عشر شهرا قوات خاصة لحراسة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة. ونقلت صحيفة "The Globe and Mail"في عددها الصادر مؤخرا نقلا عن وزير الداخلية اللبناني بالنيابة، أحمد فتفت قوله أن السنيورة قام بإقناع بعض الدول العربية للمشاركة في تشكيل تلك القوة المكلفة بحراسته. وهذه الدول هي، المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والكويت. وبحسب ذات المصدر فقد لجأت الولاياتالمتحدة إلى هذا الخيار لحماية صمود حكومة السنيورة أمام النفوذ الشيعي الذي يمثله حزب الله وحركة أمل داخل لبنان. مع العلم أن واشنطن شكلت قوة مماثلة لحماية رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس بعد هزيمة حركة فتح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في يناير الفارط وفازت فيها حركة المقاومة الإسلامية "حماس".. وتحظى حكومة السنيورة التي تمخضت عن الانتخابات التي جرت في جويلية 2005 بدعم الغرب سيما واشنطن وباريس اللتين عادتا بقوة إلى الساحة السياسية اللبنانية بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. ممثل الجالية السورية في الجزائر لن يكون هناك غالب ولا مغلوب.. وسيعود الفرقاء إلى الحوار ليلى / ل استبعد ممثل الجالية السورية في الجزائر السيد عدنان بوش احتمال عودة لبنان إلى الحرب الأهلية، مرجحا جلوس الفرقاء مجددا إلى طاولة الحوار لحل خلافاتهم ومشاكلهم. ويؤكد السيد بوش في حديث إلى "الشروق اليومي" أن القوى اللبنانية متوازنة، حيث تلقى حكومة فؤاد السنيورة الدعم من طرف الخارج، في حين تحظى المعارضة التي تسعى إلى إسقاط هذه الحكومة بدعم الشارع. وبالتالي لن يكون هناك لا غالب ولا مغلوب في المواجهة الحالية. ويرى محدثنا أن الأطراف المتصارعة في الساحة اللبنانية تعمل على استغلال أوراق قوتها في الظرف الراهن من أجل تحقيق مكاسبها ولكنها ستلجأ في النهاية إلى الحوار وربما إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة تلبي مطالب الطرفين. ولم يستبعد السيد يوش أن يبقى رئيس الحكومة الحالي، فؤاد السنيورة على رأس الحكومة المشكلة. فالمهم في رأيه هو أن يتم الاتفاق على بعض التفاصيل مادام الحلاف لا يدور حول المبدأ مثل الخلاف حول المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري وكذلك الخلاف حول قانون الانتخابات.. وعن سؤالنا حول مكاسب المعارضة وخاصة حزب الله في هذه الحالة مادام أنه سيعود إلى طاولة الحوار، قال ممثل الجالية السورية في لبنان أن هذا الطرف حذر مرارا من ورقة الشارع ولم يلجأ إلى هذا الخيار إلا بعد انسداد الأفق أمامه. ولكن مع ذلك يؤكد محدثنا فإن حزب الله وحلفاءه لم يكن هدفهم الاستراتيجي هو إسقاط الحكومة بالكامل وانما إجبار فريق الأغلبية النيابية أو قوى 14 آذار على تقديم بعض التنازلات من أجل تحقيق التوازن في المجلس النيابي وعلى مستوى رئاسة الحكومة.. وعن بعض التدخلات العربية في الشأن اللبناني الداخلي على غرار موقف مصر والسعودية، تأسف السيد بوش على هذه المواقف واعتبرها مرهونة باليد الخارجية التي تريد تغليب طرف لبناني على آخر. وفي هذا السياق أشاد بموقف الجزائر التي تلتزم الحياد في ما يخص الشأن اللبناني الداخلي ولا تتدخل إلا من أجل لملمة الصفوف وجمع فرقاء الوطن الواحد.. وبالنسبة لطبيعة الموقف السوري من المواجهة الحالية في لبنان، أكد السيد بوش أن نظام الرئيس بشار الأسد يريد الخروج من ورطة الاتهامات التي تلاحقها من بعض التيارات داخل لبنان وبالتالي فموقفه قابل للتفاوض. ثم أن المعارضة اللبنانية المحسوبة على سوريا تضم بين صفوفها الحزب الوطني الحر الذي يتزعمه ميشال عون، وهذا الأخير له مواقفه المعروفة من دمشق.. وفي الأخير اعتبر محدثنا أن الديمقراطية اللبنانية فريدة من نوعها في الوطن العربي، لأنها ورثت تاريخيا، وعليه يجب الحفاظ عليها وعدم إسقاطها بالعنف..