يشرع القضاء البريطاني الثلاثاء القادم في أول جلسات النظر في طلب الذي تقدمت به الجزائر والخاص بتسليمها المتهم الأول في أكبر فضيحة مالية عرفها الاقتصاد الجزائري رفيق عبد المؤمن خليفة، المحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضية القرن "بنك الخليفة" في مارس 2007 من طرف محكمة البليدة ، وهي الفضيحة التي تسببت في الحاق خسائر كبيرة بالاقتصاد الجزائري فاقت حدود 87 مليار دينار أي ما يعادل حوالي 2 مليار دولار. كما تضررت 133 مؤسسة عمومية جزائرية، إضافة إلى عدد كبير من الزبائن الصغار، الذين يبلغ عددهم 250 ألفا وضعوا مدخراتهم في بنك الخليفة . و يمثل المتهم رفيق خليفة بعد ظهر يوم الثلاثاء أمام المحكمة وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الجزائرية من مصادر مطلعة في جلسة ينتظر أن تكون إجرائية تتبعها جلسات أخرى للنظر في ما تضمنه طلب التسليم. و كان القضاء البريطاني بدأ في جانفي الماضي التحقيق الأولي في إطار طلب تسليم عبد المؤمن خليفة المحكوم عليه بالمؤبد في مارس 2007 من طرف محكمة البليدة، بعدما أخرت التعقيدات الإجرائية الخاصة بالمملكة المتحدة قبول القضاء البريطاني طلب الجزائر الخاص بتسلمها المتهم الأول على فضائح مجموعة الخليفة. حيث يعود الطلب الأول إلى سنة 2004 حين أصدرت الجزائر مذكرة اعتقال دولية في حق رفيق خليفة، و طلبت من المملكة المتحدة في إطار الشرطة الدولية تسليم الخليفة لكن القضاء البريطاني لم يعتد بهذا الطلب. وجاء في المذكرة الدولية أن عبد المؤمن خليفة مطلوب بتهم الاحتيال وتبييض الأموال والجريمة المنظمة و الجريمة العابرة للحدود الجزائرية والسرقات، ثم صاغت الجزائر طلب التسليم مجددا في إطار اتفاقية التسليم التي وقعت بين البلدين في جويلية 2006، و دخلت حيز التطبيق في مارس 2007 بعد تبادل البلدان أدوات التصديق على الاتفاقيتين. وتم تبليغ الجزائر بعدها بقبول الدعوة من قبل القضاء البريطاني بعد استكمال كل الخطوات التي طلبها القضاء في ديسمبر 2007. و في حال أعطى القضاء البريطاني الضوء الأخضر للسلطات الجزائرية بإمكانية تسلم رفيق عبد المؤمن خليفة، فإن أمام هذا الأخير فترة عشرة أيام لاستئناف الحكم الذي ينظر فيه القضاء أربعين يوما بعد تقديمه، و القانون البريطاني الخاص بعمليات التسليم و الترحيل للمطلوبين قضائيا الصادر عام 2003. ويقبع عبد المؤمن خليفة حاليا في سجن بريكستون في إطار طلب تسليم فرنسي أوقف في 27 مارس الماضي، و مثل أمام محكمة ويستمنستير في إطار هذه المذكرة التي وجهت إليه تهمة "إعلان الإفلاس الاحتيالي"، وكذا "تبييض الأموال و خيانة الأمانة". و أصدر القاضي البريطاني أنتوني إيفانس في 29 أوت الماضي حكما أعطى بموجبه الضوء الأخضر لتسليم الخليفة إلى فرنسا. فضيحة القرن تجر 15 وزيرا ورئيس حكومة لأروقة المحاكم جّرت التحقيقات القضائية، و كذا المحاكمة التي جرت وقائعها بمحكمة جنايات بولاية البليدة، في قضية الخليفة التي تفجرت نهاية العام 2002 واصطلح على تسميتها "بقضية القرن" و "فضيحة القرن" ، جرت عدد كبير من المتهمين والشهود فاق عددهم 104 ، إضافة إلى حوالي 15 وزيرا تمّ الاستماع إليهم من طرف العدالة، بعضهم شملهم قرار الإحالة، سواء لأنهم شغلوا مناصب وزارية في الوقت الذي اعتمدت فيه فروع مجمع الخليفة " الخليفة للطيران"، "الخليفة بنك"، "الخليفة لكراء السيارات" وأخذت نشاطها يزداد خلال فترة، أو لأن أسماءهم وردت على لسان بعض الشهود والمتهمين خلال اعترافاتهم وإفاداتهم أمام محكمة البليدة، حيث وردت أسماء وزراء آخرين ورؤساء حكومات ومديري مؤسسات عمومية حساسة، و وأبرزهم : وزير المالية السابق و زير الشؤون الخارجية الحالي، مراد مدلسي، ووزير العمل والحماية الاجتماعية سابقا، وزير الدولة حاليا، أبو جرة سلطاني، ووزير السكن الأسبق عبد المجيد تبون، ووزير المالية سابقا، محمد ترباش، ووزير المالية حاليا ، كريم جودي، ووزير الصناعة الأسبق، عبد السلام بوشوارب، ووزير التضامن الوطني في الحكومة الحالية، جمال ولد عباس، والوزيرة المنتدبة للإصلاح المالي حاليا، فتيحة منتوري.كما وردت أسماء: وزير العدل سابقا، محمد شرفي، ووزير الموارد المائية حاليا، عبد المالك سلال، بصفته وزير النقل سابقا، ووزير السكن الأسبق، محمد بونكراف، ووزير السكن الحالي، محمد النذير حميميد، ووزيرة الثقافة الحالية، خليدة تومي، بصفتها وزيرة الاتصال سابقا، وحميد تمار، وزير المساهمات وترقي الاستثمار، وشكيب خليل، وزير الطاقة والمناجم، إلى جانب ورود اسم رئيسي الحكومة السابقين، علي بن فليس وأحمد أويحيى. و استمعت العدالة في إطار التحقيقات القضائية في فضيحة الخليفة، بصفتهم شهود لكل من (مدلسي، ترباش، سلطاني، جودي)، أما الذين وردت أسماؤهم على لسان الشهود ، دون أن تقوم المحكمة باستجوابهم أو استدعائهم فهم: (محمد شرفي، سلال، منتوري، بونكراف، حميميد، بن فليس، ولد عباس، تومي، أويحيى، شكيب خليل وتمار) ، كما استمعت المحكمة العليا لكل من (تبون وبوشوارب). بنك الخليفة...الانطلاقة المحيرة تأسس "بنك الخليفة" وهو فرع من فروع مجموعة الخليفة عام 1998،وقبل مضي نحو عام واحد على إنشاءه، انتشرت فروع البنك عبر كامل ولايات الجزائر .واتسم البنك بفائدته المرتفعة على الودائع، بحيث تخطت نسبة 17% مقارنة بفائدة البنوك الرسمية التي كانت تتراوح حينها بين 6 و7%؛ وهو ما شجع المتعاملين على إيداع أموالهم لدى البنك. ومع الإقبال الكبير للزبائن من المواطنين والمؤسسات العمومية المختلفة، أصبح البنك غير قادر بعد فترة على سداد فوائد المودعين. كما أبرم البنك اتفاقا مع شركة الخطوط الجزائرية في مطلع عام 2002، وأصبح للخليفة أسطول جوي يضاهي أسطول شركة الخطوط الجوية الجزائرية.وفي هذا المجال أيضا أبرم الملياردير الشاب -الذي لم يتجاوز عمره آنذاك 34 عاما- رفيق عبد المؤمن صفقة مع شركة "إير باص" الفرنسية، واطلاق محطتين فضائيتين خليفة تي في تبث من العاصمة الفرنسية، و"خليفة نيوز" من لندن، إضافة إلى تمويل فريق أولمبيك مرسيليا الفرنسي، وإعلان رفيق عبد المومن عن نيته في خوض مشاريع استثمارية كبيرة في مجال الخدمات والسياحة والإعلانات بفرنسا، وكلها كانت وراء كشف ما وصف بأكبر عملية نصب واحتيال في الجزائر.فعندما طلب الخليفة شراء 10 طائرات من (إير باص)، وفتح قناة "خليفة تي في" شرعت السلطات الفرنسية المعنية بالتحري عن مصادر الأموال المودعة في البنوك الغربية، وذلك بموجب قوانين مكافحة الإرهاب التي تم إقرارها عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولاياتالمتحدة، واكتشف التحقيق الفرنسي أن الأموال المودعة في حساب "إير باص" هي أصلا لمودعين وليست للخليفة. تهريب اثنين مليون أورو من مطار هواري بومدين...وكشف المستور في الجزائر أما في الجزائر فقد تم كشف خيوط الفضيحة عندما أوقفت الشرطة الجزائرية سنة 2003 بمطار هواري بومدين بالعاصمة مساعدين للملياردير رفيق خليفة، وهم يحاولون تهريب ما قيمته اثنين مليون أورو إلى الخارج في حقيبة على متن طائرة عبد المؤمن خليفة الخاصة. وتوصلت بعد ذلك لجنة الرقابة المالية للبنوك إلى كشف تعاملات غير قانونية وغش في المحررات والوثائق المصرفية في بنك الخليفة، الذي كان يقوم بتحويل أموال المودعين بطرق غير شرعية، وكشفت اللجنة عن ثغرة مالية في خزينة البنك تفوق 25 مليار دينار جزائري،واثنين مليون دولار وثمانية ملايين يورو، إلى جانب عملات أجنبية أخرى. وكبدت فضيحة الخليفة خزينة الدولة أكثر من ملياري دولار، من ودائع المؤسسات والهيئات العمومية التي وضعت أموالا لها في بنك الخليفة.