شككت صحيفة "ذي اندبندنت" ، الخميس، في مصداقية المعارضة الليبية، ووصفتهم بالفوضويين، وقالت إنهم خادعوا منظمات حقوق الإنسان، وأنهم يطلقون روايات كاذبة أثبتت تقارير منظمات لحقوق الإنسان عدم وجود أدلة تثبت صحتها وهم يؤجلون المكاشفة بانقساماتهم العميقة الى ما بعد الوصول إلى السلطة حيث سيتقاتلون فيما بينهم، وتحدثت عن فضيحة اغتيال عبد الفتاح يونس، مستغربة كيف تقبل الدول على الاعتراف بهم حكومة شرعية في ليبيا. * وجاء في مقال للمحلل السياسي البريطاني، باتريك كوبيرن، نشرته الصحيفة تحت عنوان "ثوار ليبيا الفوضويون ..حلفاء مشكوك في أمرهم" ، أن الثوار، بدءا بحرب الوردتين، ووصولا إلى الحرب الأهلية في ليبيا، عادة ما يحاولون تأجيل انقسامهم إلى فصائل وقتل بعضهم بعضا إلى ما بعد تسلمهم السلطة والسيطرة الكاملة. ومهما بلغ عمق خلافاتهم، فهم يبقونها سرا خافيا عن العالم الخارجي. * الثوار الليبيون ليسوا كذلك. فقد اعتقل أعضاء المجلس الانتقالي في بنغازي الشهر الماضي قائدهم العسكري، اللواء عبد الفتاح يونس، للاشتباه بخيانته، واستدرجوه بعيد ا عن حراسه وقتلوه. وحل رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل، مجلسه التنفيذي على أساس أن بعض أعضائه متواطئ في القتل. ويبدو أنه كان مجبرا على القيام بذلك، لكبح غضب قبيلة العبيدي التي يتنتمي إليها يونس". * والجانب المضحك في القضية كلها، هو أنه في اللحظة التي يمسك فيها كل قائد من قادة الثوار بخناق الآخر، يتم الاعتراف بهم دولة بعد أخرى على أنهم الحكومة الشرعية في ليبيا. وتسلم دبلوماسيو المجلس الانتقالي هذا الأسبوع السفارات الليبية في لندن وواشنطن، وهم على وشك تسلم السفارة في أوتاوا، وهذه لوحة نادرة من سوء التوقيت. فقد اعترفت بريطانيا بحكومة الثوار في اليوم نفسه الذي كان فيه بعض أعضائها يطلق النار على رئيس أركان جيشها ويحرق جثته. * وإذا كان الثوار يتصرفون الآن بهذه الطريقة، بينما في مصلحتهم إلى حد كبير أن يظهروا وحدتهم، فكيف سيتصرفون عندما يتولون السلطة في طرابلس؟ لكن السياسة الوحيدة لحلف شمال الأطلسي "ناتو" هي القيام بذلك فقط. وتحول قرار مجلس الأمن، الذي كان هدفه منع دبابات القذافي من دخول بنغازي لأسباب إنسانية، بسرعة إلى مبادرة للإطاحة به. * وما تزال بريطانيا وفرنسا بدعم أميركي أساسي تعتقد أن من مصلحة الشعب الليبي استبدال هؤلاء الديمقراطيين الراسخين من بنغازي وشرقي ليبيا الذين يمثلهم المجلس الانتقالي بالقذافي. * فهل يمكن لإستراتيجية القوة الشديدة أن تنجح بمفهوم عسكري خالص؟ وهل ستستطيع طوابير الثوار ذات الشاحنات الصغيرة التي ركبت عليها الرشاشات من الخلف أن تتقدم لتسيطر على طرابلس خلف قصف مكثف توفره قوة نيران "الناتو"؟ إن العاصمة الليبية تعاني بالفعل من شح في الوقود، والبضائع الاستهلاكية والكهرباء. والثوار يحققون مكاسب على الأرض وفي الجنوب الغربي من العاصمة، ولكن حتى مع مساندة غارات "الناتو" الجوية كان هذا التقدم بطيئا. وإذا جعل الثوار تحقيق إنجاز مثل الاستيلاء على مدينة البريقة، التي يبلغ عدد سكانها أربعة آلاف، وتقع على خليج سرت، مهمة صعبة، فكيف سيستطيعون شق طريقهم نحو طرابلس التي يبلغ عدد سكانها 1.7 مليون نسمة؟. * القذافي قد يسقط، لكن يبدو بشكل متزايد أنه إذا سقط، فسيكون ذلك على أيدى مجموعات من الميليشيات المهلهلة الأكثر اعتمادا من أجل النجاح على دعم تكتيكي من جانب طائرات "ناتو". ونظرا لأن الثوار لا يملكون قوة عسكرية موحدة، فان النتيجة لن تكون انتصارا واضح المعالم. وحتى لو انتصروا، فسيعتمدون على الدعم الأجنبي في كل مستويات ممارسة السلطة في هذه الدولة الشاسعة. * وكما حدث في أفغلنستان عام 2001، وفي العراق عام 2003، وجدت الولاياتالمتحدة وبريطانيا أن الإطاحة بطالبان أو صدام حسين شيء، وشيء آخر مختلف تماما إيجاد من يحل محلهما. والتعامل مع الحلفاء المحليين المشكوك فيهم كحكومة شرعية له قيمة دعائية، لكن من غير الحكمة التظاهر بأن الشريك المحلي له سلطة حقيقية. وبهذه التجربة التي حصلت عليها بريطانيا، فقد كان أمرا عقيما أن تتورط في حرب جديدة، على افتراض أنه في هذه المرة نحن نراهن على منتصر حقيقي. وستتم الإطاحة بالقذافي، لكن الصراع من أجل السلطة بين الفصائل المحلية سيتواصل. * تضليل منمق لكنه محزن * وكان للإعلام الأجنبي نواقصه في العراق، وأكثر من ذلك في أفغانستان، لكن هذه النواقص وصلت الذروة في حرب ليبيا. وقد تمت عسكرة التقارير إلى حد كبير. والكثير منها مادة منمقة من الجبهة حول الكر والفر من جانب ميليشيات الثوار. ويتطلب إعداد هذه التقارير شجاعة، وعادة ما يتعاطف المراسلون مع الشبان الذين يتشاركون مع المراسلين في الخنادق. وتميل تغطيتهم إلى التعاطف الكامل مع الثوار ومعارضة نظام القذافي. * عندما قتل عبد الفتاح يونس لم يكن لدى أي أحد تقريبا في وسائل الإعلام الأجنبية أي تفسير لكيفية حدوث ذلك وسببه. وتبين أن قيادة الثوار، التي صورت في السابق بأنها مجموعة من الأخوة البطوليين، هي قيادة منقسمة بمنافسات وثارات قاتلة. وقد تقيأ بعض المراسلين ببساطة ادعاء سلطات الثوار غير المرجح بان مقاتلين موالين للقذافي لهم قواعد في بنغازي هم من قتل الجنرال، بينما ذكر آخرون أن في المدينة 30 ميليشيا إسلامية مختلفة. * إلى اليوم يبرر الساسة تدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو" في ليبيا، بالإشارة إلى فظائع يفترض أن قوات القذافي ارتكبتها من قبيل الاغتصاب الجماعي أو الاستخدام الواسع النطاق للمرتزقة. * وقد كشفت منظمات لحقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية و"هيومان رايتس ووتش" قبل وقت طويل عدم وجود أدلة على معظم قصص الفظائع، وكذلك فعلت لجنة من الأممالمتحدة برئاسة الخبير القانوني المرموق شريف البسيوني. وتجاهلت وسائل الإعلام التي كانت أول من نشر قصص فظائع القذافي تلك التقارير المدروسة جيداً تجاهلا تاما تقريبا. * لقد عزز من عسكرة إرسال التقارير الصحافية من العراق وأفغانستان نظام "الحاق" الصحافيين بالوحدات العسكرية. وكان هذا إلى حد ما أمرا لا مفر منه بالنظر إلى الخطر من جانب المقاتلين العراقيين أو طالبان. لكن النتيجة كانت أن تغطية أنباء الحرب عادت إلى ما كانت عليه خلال الاشتباكات الامبريالية في القرن التاسع عشر، مع عدم حصول العالم إلا على وصف جزئي، كثيراً ما يكون مضللاً، لما يحدث في ليبيا.