أسفر التحقيق القضائي الذي قامت به نيابة وكيل الجمهورية لمحكمة القل ولاية سكيكدة في قضية رئيس أمن دائرة عزابة الفار من العدالة والذي تمكن من الإفلات من يد العدالة والهروب إلى إيطاليا بتهمة "جناية التزوير في محررات إدارية وجنح اختلاس أموال عمومية وإبرام صفقات مخالفة للتشريع وتلقي فوائد بنسبة 10 بالمائة عن كل صفقة يبرمها لصالح المقاولين"، عن وجود شبكة كبيرة تضم 35 متهما كلهم أميار وضعوا تحت الرقابة القضائية ومقاولون وتجار ومن بينهم ضابط برتبة عميد للشرطة شغل منصب رئيس المصلحة الجهوية للمنشآت والتراث العقاري بقسنطينة سابقا، باعتباره المسؤول الأول عن توقيع محاضر فتح أظرفة المناقصات ونزاهتها ومتابعة أشغال مشروع تهيئة مقر أمن الدائرة صدر ضده أمر بالإيداع رفقة تقني سامي في البناء وعون بنفس المصلحة، هؤلاء المتهمون متورطون بشكل مباشر أو غير مباشر مع رئيس أمن الدائرة سابقا وهو ضابط شرطة برتبة عميد. مبعوثة الشروق إلى عزابة: ليلى مصلوب تفاصيل القضية التي كانت "الشروق اليومي" تناولت خلال الأشهر الأخيرة تفاصيلها المثيرة وأحدثت جدلا كبيرا على مستوى ولايات الشرق سكيكدة، قسنطينة وعنابة تعود، حسب مصادر قضائية، إلى سنة 2002، أي تاريخ تولي رئيس أمن دائرة عزابة مهامه إلى غاية توقيفه عن العمل شهر مارس 2006 وهي قضية متشابكة ومعقدة خيوطها بدأت من شكاوى بعض المتضررين من تصرفات رئيس أمن الدائرة وبعض الشهادات التي حركت جهات أمنية عليا من وزارة الداخلية للتحري عنه وأثبتت تورطه في عدة قضايا اختلاس واستغلال النفوذ بالدرجة الأولى وكذا مساومة المنتخبين المحليين والمقاولين والتصرف في بيع أملاك الدولة المتمثلة في كميات معتبرة من مواد البناء كالحديد والقرميد المحجوز في بناية سوق الفلاح سابقا، دون علم الجهات المعنية ودون المرور عن طريق المزايدات القانونية. وشمل التحقيق مشاريع قام بها رئيس أمن الدائرة لترميم وتجهيز مقر الأمن الحضري بتمويل كلي من طرف البلديات، على الرغم من أن المشروع لا يدخل في ميزانيتها وهذا منافيا للقانون ومخالف للتشريع، وتتمثل المشاريع محل التحقيق التصرف في عقار تابع لأملاك الدولة وهو سوق الفلاح سابقا وإنشاء قاعة الحجز تحت النظر بالمقر الجديد لأمن الدائرة والنصب التذكاري بساحة العلم وأشغال تكملة 8 سكنات وظيفية وأشغال تكملة إنجاز مقر الأمن الحضري الأول وغيرها من مشاريع أشغال التدفئة والتزفيت، وبين التحقيق أن مشروع بناء مقر الأمن الحضري تمت تجزئته إلى مشاريع صغيرة لتفادي المرور عن طريق المناقصات، حسب القانون وتم منح المشاريع إلى مقاولين بطريقة غير قانونية وعن طريق التزوير في الكشوفات والتلاعب في فتح الاظرفة. وحسب المعلومات التي وصلتنا، فإن تكاليف الإنجاز والتجهيز قام بتسديدهها رؤساء المجالس من ميزانية البلديات وتسبب ذلك في تكبد البلديات خسائر كبيرة، كان يفترض أن توجه لمشاريع لصالح المواطنين كالسكنات أو التوظيف غير أن الأميار كانوا يتبعون سياسة المحاباة لرئيس أمن الدائرة حتى على حساب القانون، فبلدية عين شرشار منحته قيمة 530 مليون سنتيم، وبلدية عزابة منحته 240 مليون وبلدية السبت منحته تمويل تجهيزات بقيمة 80 مليون سنتيم، بلدية الغدير منحته 46 مليونا، بلدية جندل 43 مليونا، بلدية بن عزوز 19 مليونا، بلدية بكوش لخضر منحته 13 مليونا وبلدية سيدي مزغيش منحته 8 ملايين سنتيم. وبالتالي، فإن رئيس أمن الدائرة جمع أكثر من مليار سنتيم من ميزانيات البلديات لتهيئة وترميم مقر الأمن الحضري، في حين يبقى السؤال مطروحا حول مصير الميزانية التي خصصتها الجهات المعنية للمشروع. واعترف الأميار في محاضر الاستماع بكل التهم المنسوبة إليهم ومخالفتهم للقانون جراء التصرف في أموال البلديات دون وجه حق. فرئيس بلدية عين شرشار سابقا اعترف أنه سلم رئيس أمن الدائرة ثلاثة سندات شراء، الأول بقيمة 170 مليون والثاني 160 مليون والثالث بقيمة 250 مليون سنتيم لصالح مشروع تهيئة مقر أمن الدائرة وكلها من ميزانية البلدية وبرر ما قام به بدافع "الضغط والمساومة"، حيث أخبره رئيس أمن الدائرة بأن أعضاء المجلس البلدي يخططون لسحب الثقة منه ووعده بالتدخل لصالحه لدى رئيس أمن الولاية لحل القضية مع الوالي مقابل منح سندات الشراء لصالح بناء المقر الجديد. واعترف "المير" أنه مسؤول مدنيا وجزائيا عن تبديد أموال البلدية والمقدرة بأكثر من 420 مليون سنتيم، إضافة إلى تحرير سندات شراء لصالح رئيس أمن الدائرة تمثلت في أريكة فاخرة بقيمة 16 مليون وجهاز تلفزيون ملون وجهاز استقبال وجهاز راديو كاسيت ومعدات كهربائية مع تسخير عمال من البلدية للقيام بالأشغال على مستوى مقر أمن الدائرة لمدة 20 يوما. واعترف رئيس بلدية بكوش لخضر أنه تلقى طلبات شفوية من رئيس أمن الدائرة لتقديم مساعدات لتجهيز المقر الجديد وبالفعل حرر له طلبات شراء لأجهزة ومعدات مكتبية. واعترف رئيس بلدية السبت سابقا، أنه قدم سندات شراء لمواد بناء، بناء على طلب رئيس أمن الدائرة وتقوم البلدية بتسديد الفاتورة من حساب ميزانيتها على أساس أنها طلبات تابعة لبلدية السبت وقد استفاد مقر أمن الدائرة من مكيف هوائي بقيمة 7,6 مليون سنتيم وأبواب من الألمنيوم بقيمة 14 مليون سنتيم، إضافة إلى مواد البناء. واعترف رئيس بلدية عزابة سابقا أنه قام بتصفية ديون البلدية في العهدة التي سبقته وسدد فاتورة أشغال لصالح مقر الأمن الحضري بقيمة 14 مليون سنتيم، واستمر في تحرير سندات الشراء لصالح مشروع أشغال قاعة العتاد بمقر أمن الدائرة بحكم أن المشروع تم التحضير له في عهدة رئيس المجلس السابق. أما رئيس مجلس بلدية عزابة السابق، فمنح مقر أمن الدائرة جهاز إعلام ألي، آلة طباعة وغيرها، كما منح رئيس بلدية جندل سابقا مقر الأمن تمويل تجهيز 5 أبواب ألمنيوم بقيمة 8 ملايين سنتيم وتجهيز البلاط الفاخر بقيمة 5 مليون على حساب البلدية وقد حمل خزينتها تسديد أكثر من 18 مليون سنتيم لصالح هيئة خارجية. أما رئيس بلدية جندل، فقدم إعانات "لصالح مقر أمن الدائرة تمثلت في تجهيزات مكتبية بناء على طلبات شفوية من رئيس أمن الدائرة، كما قام رئيس بلدية بن عزوز سابقا بتسليم طلبات شراء لصالح مقر أمن دائرة عزابة لاقتناء جهاز إعلام آلي وطابعة ومكيف هوائي. أما رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية عزابة بالنيابة سابقا، فقد سلم سندات شراء لفائدة مقر الأمن تمثلت في معدات الألمنيوم قدرت ب 14 مليون سنتيم وأشغال نجارة بقيمة 3,4 مليون سنتيم وأشغال تهيئة بقيمة مائة مليون سنتيم لفائدة أحد المقاولين وغيرها من السندات التي كبدت البلدية خسائر ونفقات ليست ملزمة بدفعها. أما رئيس بلدية الغدير، فدفع حوالي 9 ملايين سنتيم لأحد التجار مقابل تجهيز مقر أمن الدائرة بأجهزة ومعدات استلمها رئيس أمن الدائرة شخصيا، و11 مليون سنتيم مقابل اقتناء جهاز إعلام آلي وغيرها من الأموال التي صرفت لصالح مقر الأمن مع الجهل تماما إذا كانت هذه المعدات قد تم توجيهها فعلا لمقر الأمن أم لصالح جهات أخرى. القضية الشائكة تورط فيها أيضا بشكل مباشر وغير مباشر عدد كبير من المقاولين من بلدية عزابة وبلدية السبت المتهمين بالتلاعب في الصفقات، فقد اعترف أحد المقاولين انه قام بأشغال مجانية لصالح مقر الدائرة مقابل طلب وساطة رئيس أمن الدائرة لدى شركة "جيني سيدار" لدفع ديون المقاول المقدرة ب 70 مليون واشترط عليه رئيس أمن الدائرة 30 مليون سنتيم مقابل الوساطة، لكن المقاول رفض واستقر المبلغ على 10 ملايين سنتيم. أما فيما يخص التزوير والتلاعب في الصفقات والمناقصات، فكانت تتم بتواطؤ بين أحد المحاسبين من دائرة عزابة يملك أختام المقاولات التي تعامل معها وكان يقدم الكشوفات التقديرية والكمية في المناقصات بمبالغ مالية مرتفعة حتى ترسو على أحد المقاولين الذي يتم الاتفاق معه سلفا للفوز بالمناقصة. وتعتبر قضية رئيس أمن دائرة عزابة ومن معه أولى القضايا الكبرى التي سيطبق فيها أحكام القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، حيث تأسس للدفاع عن المتهمين أكثر من 84 محاميا، كما أنها أول فضيحة مالية تم تبديد فيها أكثر من 44 مليار سنتيم واستغل فيها النفوذ والتزوير والتهديدات بشكل يسيء بشكل كبير لإطارات الشرطة والهيئات المنتخبة.