لم تكن جريمة قتل مئات الجزائريين ورميهم في نهر السان بباريس في مثل هذا اليوم من سنة 1961 أفظع من الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في قرى ومداشر ومدن الجزائر طيلة 130 سنة، وهي جرائم تصر فرنسا إلى الآن على تناسيها، بل وسنّت قانونا لتمجيد من اقترفوها واعتبارهم أبطالا، في الوقت الذي تقحم نفسها في شأن تركي داخلي، وتصدر قانونا يجرم ويسجن من يشكك في مذبحة الأرمن التي يقول الأتراك إنها لم تحدث. رشيد ولد بوسيافة والسبب في هذه المفارقة هو سلبيتنا نحن وعجزنا في فعل شيء لحفظ كرامتنا وعجز مؤسساتنا على التصرف بمبدأ المعاملة بالمثل، وهو سلوك مألوف في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فالمجلس الشعبي الوطني الذي نسميه تعسفا "برلمانا" لم يستطع سن قانون يجرم الاستعمار والإشادة به فقط، لأنه لم يتلق ضوءا أخضر من الرئاسة، في الوقت الذي سنت الجمعية الوطنية الفرنسية قانونا يجرم عدم الاعتراف بمذبحة الأرمن، رغم عدم رضا الحكومة والرئاسة بهذا القانون الذي يضرب العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وفرنسا. والأكيد أن فرنسا لن تعترف بجرائمها في حقنا، ولن تعتذر عنها مادمنا بهذه السلبية وهذا الضعف، ومن أقبح مظاهر هذا الضعف أن كل المؤسسات الدستورية وعلى رأسها البرلمان تركت هذا الملف المعقد لشخص واحد هو رئيس الجمهورية ليتكلم ويقرر لوحده، ولاذت هي بالصمت ولا يعقل أن يتعامل شخص واحد مع كل المؤسسات في الجمهورية الفرنسية. يفترض أن تتحرك الآن القوى الوطنية لإلزام فرنسا بما ألزمت به نفسها ومطالبتها بالاعتراف بجرائمها والاعتذار عنها اعتذارا صريحا وليس مجرد أسف، كما فعل البابا وقبله الدانمارك، أولا من أجل رد الاعتبار للجزائريين ولأجل إنقاذ سمعة فرنسا التي تنتصر للأرمن وتنتصر لليهود في ما يسمى بالهولوكوست، بينما تغمض عينها عن المجازر والمذابح التي ارتكبتها في حق الجزائريين وخلدها التاريخ، بل كتب عنها الفرنسيون أنفسهم.