الطبعة ال3 للدورة الوطنية للكرات الحديدية: تتويج ثلاثي تلمسان بولاية الوادي    حزب العمال يسجل نقاطا إيجابية    صورة تنصيب ترامب تثير الجدل!    90 مؤسسة في برنامج دزاير لدعم المصدّرين    نحو 23 ألف سائح أجنبي زاروا الجنوب    الجزائر تتحرّك من أجل أطفال غزّة    نشاط قوي للدبلوماسية الجزائرية    حماس: نقترب من التحرير    التأكيد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار والانسحاب الصهيوني الكامل من قطاع غزة    الصليب الأحمر يعلن التحضير لتنفيذ عملية تبادل الأسرى وتكثيف الاستجابة الإنسانية في غزة    شايب: نهدف إلى تحسين خدمة المواطن    أين الإشكال يا سيال ؟    نسيج وجلود: تنظيم المتعاملين في تجمعات وتكتلات لتلبية احتياجات السوق الوطنية    جيدو/البطولة الوطنية فردي- أكابر: تتويج مولودية الجزائر باللقب الوطني    الأمم المتحدة تكثف جهودها الإنسانية في غزة مع بدء تنفيذ وقف إطلاق النار    تجارة: عدم التساهل مع كل أشكال المضاربة والاحتكار للحفاظ على استقرار السوق    خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    اليوم الوطني للبلدية: سنة 2025 ستشهد إرساء نظام جديد لتسيير الجماعات المحلية تجسيدا للديمقراطية الحقيقية    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجبهة الإسلامية للإنقاذ انتصار ثم انتحار - الحلقة الثانية
نشر في الشروق اليومي يوم 03 - 11 - 2006


الذكرى‮ السادسة‮: الله‮ يرانا
من أجل ما قرأت وتعلمت في المدرسة الابتدائية هو ذلك النص من كتب اقرأ، يقول النص: ذهب رجل مع ابنه إلى خارج المدينة ووقف بجانب بستان ينظر من حوله ثم قال لابنه: يا بني إنني سوف أدخل لهذا البستان لأقتطف منه، فإذا رأيت أحدا آت من جهتنا فما عليك إلا أن تصفر لي لأخرج بسرعة، فلا يجب أن يرانا أحد. دخل الرجل إلى البستان وبدأ يتسلق الأشجار ويقتطف ثمارها وفجأة سمع صفيرا من ناحية ابنه فقفز وهرول مسرعا خارجا من البستان واندفع ينظر يمينا وشمالا هل من أحد، فلم يجد أي شيء فقال لابنه: لماذا يا بني صفرت علي هل رآنا أحد؟ فقال الطفل نعم يا أبي فقال الأب ومن رآنا وأين هو فقال الطفل بكل بساطة: الله يرانا يا أبي..
نعم كانت أحسن قصة نقشت على ذاكرتي ودخلت قلبي، وكم كان ذلك الأسلوب الجماعي في درس المحادثة جميلا ومغذيا للطفل، كان المعلم كالممثل يقرأ ويمثل دور الأب ودور الابن ونحن كأننا في مسرحية أو كأنها الحقيقة أمامنا، رحم الله ذلك الجيل من المعلمين فتلك هي التربية وتلك هي البيداغوجية كما تقول اليوم.. أما نصوص المدرسة الأساسية: وأمي أنا لا آكل البطاطا فلا نقول إلا أنها من صنع الأغبياء وانظروا ماذا صنعت، جيلا بغبغاويا لا ذوق له في المأكل‮ ولا‮ الملبس‮ ولا‮ في‮ الدين‮ ولا‮ في‮ الدنيا‮.. كارثة‮ بالجملة‮..‬
الذكرى‮ السابعة‮: درس‮ حول‮ خيانة‮ الجار‮ وجزاؤه
لله در ذلك المعلم كيف كان يصور لنا بالأمثال دروس التربية الإسلامية، ما هو جزاء خيانة الجار في أهله؟ طرح علينا هذا السؤال وقال أتدرون كيف سيتم عقابه يوم القيامة؟ أمر أحد التلاميذ أن يتقدم أمامنا ووضع فوق رأسه طبقا وملأه بالحلوى وقال نحن الآن في يوم القيامة وهذا‮ الرجل‮ يقف‮ الآن‮ أمام‮ الله‮ للحساب‮ وهذا‮ الطبق‮ عليه‮ حسناته‮
ولقد عصى الله وخان جاره وأمر تلميذا آخر أن يقف أمامه ويلعب دور الجار الذي اعتدى على حرمته وقال له إن هذا الرجل ظلمك وأنت الآن أمام العرض وأعطاك الله فرصة لتأخذ منه حقك ماذا ستفعل، قال التلميذ بكل بداهة آخذ من الطبق الذي فوق رأسه، قال له خذ إذن حقك... فأخذ التمليذ يمد يده ويلتقط حبات الحلوى الواحدة تلو الأخرى حتى لم يبق فيه شيء... ثم قال إذا لم تبق أي حسنة عند الظالم ماذا نفعل لنأخذ حقنا منه؟ سكت الجميع وقال أحدهم نضربه... فقال له لا بل نضع فوقه سيئاتنا ولنمثلها بالحجر وقال للتلميذ أجلب بعض الحجارة الصغيرة وضعها فوق رأسه في الطبق ووضعت بعض الحجارة... وفي الأخير لخص لنا هذا الدرس فقال إن الذي يزني بحليلة جاره سيكون جزاؤه يوم القيامة هكذا، سيعطي كل حسانته لجاره وإن لم تبق عنده حسنات ستكب فوقه السيئات، فهو إذاً كان يعمل في الدينا لغيره، فمن يرضى منكم أن يعطي نقاط‮ عمله‮ لتلميذ‮ آخر؟
الذكرى‮ الثامنة‮: خطاب‮ الرئيس‮ بن‮ بلة‮ في‮ تلمسان
أول درس في السياسة تلقيته بعجب يوم أن بكيت كثيرا لأبي ليتركني أذهب للشارع لأرى الرئيس بن بلة كما كان ومايزال يفعل الشعب الجزائري به الرؤساء يخرجونه للتصفيق، نصفق ونفتح أفواهنا للزعيم، وبقي أبي في محل عمله لبيع الخضر ولم يكترث بما كان يفعل »بوجنيّح«، أي أصحاب الأجنحة كما كان يصفهم، للبسهم السلاهيم والبرانيس مدلية كالأجنحة، حضرت ذلك الخطاب الذي مازلت أذكر منه مقطعا لازال يحيرني قول أخينا الأول أحمد بن بلة غفر الله له: سوف نذوب لهم الشحمة... فلما رجعت إلى أبي قال لي قولة الفقراء الشهيرة: "أيْوا شفت الرئيس... روح عنده هو يعطيك بابا"... بمعنى ماذا استفدت من رؤية الرئيس؟ قل له يعطيك بابا، يعني به الخبز... كان أبي رحمه الله قد عزفت نفسه من الخطاب السياسي الفارغ وبدأ لا يهمه إلا ما سيأكل أبناؤه... وهل أبلغ من هذا الدرس عندكم يا علماء السياسة العرب...
دخول‮ الجامعة‮ الجزائرية‮ والاحتكاك‮ بالشيوعيين
تحصلت على شهادة البكالورية سند 1971، كنت أنوي دراسة الطب ولكن بعدما سألت أبي أنني سوف أذهب إلى وهران للدراسة قال لي وماذا ستدرس. قلت: الطب. قال: كم من سنة. قلت: سبع سنين، فرد علي: ياولدي سأنتظر سبع سنين... كان مرض الضيقة ينهش صحته وكان ينتظر من ابنه أن يسرع‮ الخطوات‮ للدخول‮ إلى‮ عالم‮ الشغل‮ لعله‮ يعينه‮ على‮ همّ‮ الدنيا‮... بقيت‮ هذه‮ الكلمات‮ في‮ أذني‮ ترنّ،‮ فتوجهت‮ إلى‮ وهران‮ أبحث‮ عن‮ دراسة‮ قصيرة‮ وتكون‮ بشبه‮ راتب‮ حتى‮ أجمع‮ بين‮ مساعدة‮ أبي‮ والدراسة‮.‬
سمعت بمعهد تكوين مهندسين في علم الأحوال الجوية ويمنح شبه راتب، سجلت فيه وبدأت به الدراسة ولكن أخانا المدير كان يعاملنا مثل تلاميذ المدرسة الابتدائية، وصلت به الوقاحة أن يلاحقنا في المطعم يوم رمضان وينادي عند الأفطار المتغيّبين فإن لم تكن عنده شهادة طبية يطرده من الفطور وعليك أن تتخيّل طالبا في أقل من عشرين سنة بدون دينار في جيبه وبعيدا عن أهله يخرج يوم الصيام من مطعم المدرسة، أين يذهب وكيف سيفطر. إنها حقا اللاّمسؤلية والاحتقار لأبناء الفقراء الذي كان يحمله ذلك المدير المفرنس الذي لم يعرف مرارة البرد والجوع والعري وتربى في حجر أمه وتغذى في بيت أبيه وأكل وشرب في الوقت الذي كان الرجال في الجبال والكهوف يحررون له أبواب الاستقلال، فوجدها كما يقول إخواننا من حزب جبهة التحرير طايبة أي مجهزة...
لم أطق المواصلة في تلك المدرسة وذهبت أبحث عن شيء آخر، فقيل لي إن هناك مدرسة جديدة فتحت لتكوين الأساتذة وكانت السنة الدراسية قد بدأت، توجهت إليها وقبلت فورا حيث كنت من الحاصلين على شهادة البكالوريا، فلم أكن أدري أنها تقبل حتى الذين ليست لهم شهادة البكالوريا بل وأكثر من ذلك الذين كانوا يدرسون في التقني وقد انتدبوا لاستكمال دراستهم وليس لهم أي مستوى ثانوي إلا بعض التكوين التقني المهني، كما روى لي أحد هؤلاء المنتدبين، قال لي كنت لا أعرف حتى جدول الضرب، كنت أدرّس النجارة الميكانيكية، أخونا هذا أنهى شهادة الليسانس وزاد فوقها ماجستر البلدان الإشتراكية وأكلمها بالدكتوراه، فأصبح دكتورا وازداد فهما حتى التقيته يوما من أيام الفتنة سنة 1992 فقال لي بعنف: "إن الجهاد واجب في هاذو"، يعني في النظام والشرطة، فرددت عليه إذا كان هذا الذي يقع جهادا فلماذا لا تطلع أنت إلى الجبل معهم وها هو أمامك شرطي وقل له ما قلت لي إن كنت رجلا، أم أنك تحرّض الطلبة فقط وأنت تبقى في الظل... فقلت في نفسي تستأهل دولة الجزائر والنظام الاشتراكي الذي كبّر لك الركابي واستخرجك من عامل حرفي إلى أستاذ جامعي ودكتور مزيف، وتجازيها خيرا عما فعلت، هي حقيقة‮ مأساة‮ الجزائر‮ أرادت‮ أن‮ تجعل‮ من‮ الحمار‮ فرسا،‮ فانقلب‮ عليها‮ ضبعا‮...‬
قلت بدأت الدراسة في المدرسة العليا للتعليم المتعدد التقنيات Ensep وهنا تعرفت على مجموعة من الطلبة كان أحدهم يرتدي دائما طاقية تشبه التي كان يرتديها لينين أو كما أسميه اللعين زعيم الثورة الشيوعية الروسية، فلما جاء رمضان أصبحوا كلهم يدخنون أمام مدخل قاعة المحاضرات، فلما سألناهم لماذا لا تصومون، قالوا إنهم غير مؤمنين بالله، فاندهشنا لذلك، فعرفت من بعض الأصدقاء في كلية الاقتصاد أنهم من جماعة الشيوعيين الجزائريين. تواصلنا معهم على كل حال ولم نعاتبهم كثيرا، فكنا نقيم الحفلات والاضرابات معا، والمناقشات الطويلة في السياسة والثقافة. كنت أحب المسرح وأرغب في التمثيل، فلما طلب مني أحدهم، هل تود المشاركة في المسرحيات، رحبت بالعرض، فطلب مني أن أحضر إلى الاجتماع الذي سيقام في مبنى قاعة سينما قديم في وسط المدينة حيث سيحضر زميل له من كلية الاقتصاد وهو خبير في العمل المسرحي. ذهبت إلى موعد اللقاء لأول اجتماع، فلما حضر أخونا هذا: قال لنا بكل برودة أتعلمون ماذا تريدون، إنكم تريدون المشاركة في المسرح، والمسرح حزب وهو حزب جديد غير حزب جبهة التحرير الخائنة، هناك قاطعته: ماذا تقول؟ جبهة التحرير خائنة؟ هل أنت تمزح أم أنت إبن حركي؟ قال أنا لا أمزح، إذا كنتم تريدون المشاركة في المسرح، فنحن حزب وسنحارب بالمسرح عدونا وهو جبهة التحرير، قلت أنا لا أوافقك على هذا الكلام فنحن كلنا نعرف أن جبهة التحرير هي التي حاربت الاستعمار وهي التي على يدها جاء الاستقلال، قال من لا يريد أن يعمل معنا بهذا الفهم‮ فلا‮ يأتي‮ للاجتماع‮ القادم‮. هكذا‮ بدأت‮ علاقتي‮ بالسياسة‮ والاهتمامات‮ الجادة‮ بالهموم‮ الوطنية‮ وبدأت‮ أعرف‮ أن‮ هناك‮ أعداء‮ للوطن‮ ولثقافته‮ ولتراثه‮ ولدينه‮ ومن‮ بني‮ جلدته‮.‬
كانت حياة الحي الجامعي والجامعة كلها فشل في فشل، بدأت بصدمة وجود طلبة لا يحملون شهادة البكالوريا يدرسون معنا في نفس القسم وسوف يصبحون أساتذة، فبدأنا نتساءل لماذا يخلطون المستويات ويعطون لمن لا يحفظ جدول الضرب على حسب قوله نفس الحقوق التي كابد من أجلها آباؤنا لنصل إلى الجامعة. فتحت لهم الجزائر الجامعة والمدارس العليا للدراسة فإذا بهم يدخلوننا في الإضراب تلو الآخر، فهذا إضراب لأن النقل من الحي الجامعي للدراسة غير كاف والآخر من أجل تحسين الأكل والآخر من أجل كذا أو كذا حتى ضقنا بالإضرابات التي لا تنتهي فقررنا ان ندخل غدا للدراسة ولا نتابع الإضراب، فلما دفعنا الحاجز المنصوب أمام الباب ودخلنا رجمونا بالحجارة وما كان علينا إلا ندافع على أنفسنا... شكرا لدروس الكراتي التي كنا نزاولها وإلى تقنية الضرب بالعصي التي كان يتقنها زميلي بودربالة من معسكر، رددنا كيدهم وكسرنا إضرابهم، وأصبحوا ينادوننا باسم غريب لأول مرة أسمه: إخوان مسلمون وكأنه عيب أو جريمة، الشيء الذي استغربت منه كثيرا وهم لايدرون أنهم يدفعوننا للتعرف على هذا الشيء الذي يخيل أنهم اتهمونا به، أصبحت حياتي في الجامعة كئيبة إلا من دروس الكراتي ولقاءات بعض الأصدقاء في السهرات ولكنني أحسست بأنني في حاجة إلى شيء أكثر جدية من هذه الغوغائية والدراسة البليدة إلا من بعض الأساتذة الذين تشمّ في دروسهم رائحة العلم وإلا فإن المستوى الجيد غير موجود، فلقد كانت صدمة كبيرة لنا نحن الذين تربّينا على الجد بأن نرى بأن الجامعة هي لعب ولهو وأكل وشرب وحفلات وزغاريد في أحياء الطالبات وأغاني من النوع الرديء جدا مثل الريميتي والرقّاصات، وأما الدراسة والعلم فالأساتذة من البلدان الاشتراكية أو من الفرنسيين المبعوثين في إطار الخدمة الوطنية، أغلبهم يحملون شهادة الليسانس وصغار السن، قليل جدا من كان‮ يحمل‮ شهادة‮ دكتوراه‮ وله‮ خبرة‮ في‮ التدريس،‮ وهذه‮ من‮ أسباب‮ عزوفنا‮ عن‮ الاهتمام‮ بالدراسة‮ بجدية‮.‬
الدخول‮ إلى‮ مسجد‮ الطلبة
خرجت بعد فطور يوم رمضان لأنزل إلى وسط مدينة وهران لأشاهد فيلما، فإذا بسيارة على جانب الطريق قرب مخرج الحي الجامعي متوقفة، حيث كان من عاداتنا أن ننزل مع بعض من يتفضل علينا بالأوتوستوب أي بالنقل مجانا، فإذا بسائقها يعرض عليّ الركوب إذا كنت أريد الهبوط إلى المدينة، قلت نعم، شكرا لك، ثم حمل طالبين آخرين معي وبدأ يحدثنا في الطريق عن الجامعة والعلم كانت لهجته مشرقية، من أين أنت يا أخ العرب؟ أنا من سوريا وأدرس هنا الحقوق ولقد فتحنا هنا في هذا الحي الجديد مسجدا للطلبة هذا رمضان ولم أراكم في المسجد، لماذا لا تأتون إلى المسجد؟ كان جواب كل واحد أننا نصلي ولكن ليس على انتظام أو أننا توقفنا عن الصلاة منذ زمن... فلا أحد يستطيع القول إنه غير مؤمن أو لا يحب أن يصلي، فهذه ليست من طباع الجزائريين، عندما وصلنا إلى المدينة عرض علينا أنه يستطيع المرور علينا على الساعة الثانية عشرة ليرجعنا إلى الحي إن أردنا ذلك، فهو لا يمانع أن يقوم بهذه الخدمة، تعجبت حقا أن يعرض عليك أحد من الناس مثل هذا الفضل، فيرجع بعد حوالي أربع ساعات ليعفيك من الجري وراء الحافلات التي كانت قليلة... فكانت شرارة الخير هذه هي التي جعلتني أفكر في الرجوع إلى الصلاة والالتحاق بالمسجد على الأقل فهذا خير من جماعة المشايعة الذين لا يبغون منّا إلا معاداة جبهة التحرير وأكل رمضان والقيام بالإضرابات والكلام الفارغ... ويا ليت إخواننا من جبهة التحرير عرفوا أن انضمامنا للحركة الإسلامية كان ردة فعل ضد أعدائهم، ولكن للأسف كان الشيوعيون لهم بالمرصاد، منقسمين إلى فئتين، واحدة داخل جبهة التحرير وأخرى خارجه، فالتي بداخله تصور لهم أن الإخوان المسلمين أعداء لهم والتي خارجه تنشر العداوة ضدهم وتمكر بهم وتلصق بهم التهم... والعقل والنية وأمانة الشهداء كانت تقول على جبهة التحرير إن تواصل جهدها بنشر الفضيلة وفتح المساجد في الجامعات وتنير الطريق لنا لتسلم المشعل لأبناء الأحرار والفقراء والمخلصين... ولكن للأسف لقد دبّر الأمر من قبل الاستقلال وانتشر فيروس الشيوعية في الثورة وأقصى الخيّرين وانتهى الأمر... ولكن الحمد لله الذي أسقط صنمهم الكبير في‮ الروس‮ وهزمهم‮ في‮ عقر‮ دارهم‮... فأين‮ هم‮ اليوم‮...‬؟
عزمت يوما على البدء في الصلاة وكان ذلك في أحد أيام سنة 1972، اشتريت "بلغة" وجلابة من الطراز المغربي وتوجهت للمسجد لأول لقاء بشباب المسجد بشعر على كتفي، وشعر البيتلز كما كان يعرف، رحب بي الإخوة فورا وفي نهاية الصلاة كانت حلقة التعارف نجلس في حلقة يعرف كل واحد نفسه بالاسم واللقب وماذا يدرس، عند الخروج من قاعد الصلاة بحثت على بلغتي فلم أجدها، بقيت متأثرا بهذا العمل القبيح، أتسرق الأحذية من المسجد وداخل الحي الجامعي، من يا ترى يكون هذا السارق الذي يتجرأ على هذا الفعل، وقف طويلا معي الإخوة وهم يواسونني ويتهامسون وأخيرا قدم لي أحدهم نعلا من المسجد لأذهب به إلى غرفتي، كدت أن أتعثر ذلك اليوم ولا أرجع إلى المسجد، لولا ذلك الجو الأخوي والعفوي والترحاب الذي عمّني وشدّ على قلبي، كانت واحدة من حيل ومكائد عباد لينين وماركس إخواننا الشيوعيين لصدنا عن الالتحاق بالمسجد، سرقة الأحذية الجدد... اشتريت مصحفا لقراءة القرآن وبدأت أحضر ندوة نهاية الأسبوع التي كان يديرها أحد الاخوة من كلية الطب من تونس، أخونا رضوان حفظه الله ورعاه، منه تعلمنا من هي جماعة الإخوان المسلمين، كتبها، رجالها والمجلات والرسائل التي توزعها عبر العالم، كان مسجد الطلبة يأوي إليه حوالي خمسين طالبا منهم اخواننا الفلسطينيون أذكر من بينهم أخانا عدلي أبو حجر وحسين فليفل وغيرهما وأخانا التونسي وأخانا السوري عادل أبو حسون وأخاً من المغرب ابن لدهم أحمد وبالطبع الجزائريين حمادي وانقادي وابن الإمام عبد المجيد من باتنة، وغيرهم... ولكن التوجه الحركي الإخواني النضالي كان بيد طالب واحد فقط يذكره بحذر، تعرفه من خلال حديثه معه وهو يستشهد بحسن البنا وسيد قطب ويقدم لك مجلة كانت تأتي من لبنان يكتب فيها فتحي يكن...
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.