تصوير جعفر سعادة الجزائري يئس من الأحزاب والتحالف عالة على الرئيس لم يتردد الصحفي هشام عبود في فتح النار على ما سمي بحزب فرنسا، محملا إياه جملة المآسي التي عرفتها الجزائر. وأكد أن البلاد شهدت انفراجا على كثير من الجبهات منذ أن تمكن الرئيس بوتفليقة من تفكيك العلبة السوداء التي كانت تحكم وتتحكم في رقاب الجزائريين. وذكر هشام عبود الذي قضى 15 سنة في المنفى القسري أن العدالة الجزائرية أنصفته في القضايا المتابع فيها. فهو لا يعد نفسه مجرما تلطخت يداه بدماء الجزائريين ولا سارقا لأموال الدولة والشعب، بل هو ضحية كما غيره من الجزائريين من تعسف رجال استخدموا عصا السلطة لترهيب وتخويف كل من يخالفهم الطرح أو ينتقد تسييرهم للبلاد. * قال الإعلامي هشام عبود، إن عودته للجزائر بعد 15 سنة من الغياب، لا علاقة لها بالإصلاحات السياسية التي تضمنها خطاب رئيس الجمهورية. موضحا بأنه لم يتورط في سرقة أموال الشعب ولا نهب خزينة الدولة، كما انه لم تتلطخ يداه بسفك دم أي جزائري. وأكد بأنه استغل الفرصة المناسبة ليعود لوطنه "معززا مكرما"، بعد أن كانت تطارده أربعة أحكام قضائية، بتهمة كشف حقائق وإبداء رأيه في قضايا تهم البلاد. * وقال هشام عبود في منتدى "الشروق" إن الحقائق التي كشفها بصفته صحفيا، كان "يتعين على العدالة أن تفتح ملفات قضائية على إثرها، غير أن العكس هو الذي حدث، حيث اتهمت بالقذف، وكان الهدف واضحا وهو إسكاتي". * وعن حيثيات وتفاصيل عودته للوطن، قال هشام عبود: "كانت ثلاثة أحكام بالسجن قد صدرت ضدي.. أحدها بسبب إصداري لكتاب مافيا الجنرالات، وحكم آخر في قضية رفعها ضدي المستشار السابق برئاسة الجمهورية للشؤون الأمنية، الجنرال المتقاعد محمد بتشين، والثالث إثر دعوى رفعها شخص لا أعرفه بتهمة القذف، واللافت في كل الأحكام التي صدرت ضدي هي أنها جاءت على خلفية إبداء رأي في قضايا معينة". * ويتابع: "أخطر الأستاذ المحامي خالد برغل العدالة بأني عائد إلى أرض الوطن، لمواجهة خصومي عبر العدالة، وأنه لا مسوغ قانوني لتوقيفي.. كما أعلمت كافة أصدقائي في الداخل وفي كل أنحاء العالم، من إعلاميين وحقوقيين، بأنني عائد إلى وطني، وحملتهم مسؤولية القيام بما يجب في حال تعرضي لمكروه". * ومن بين الأشخاص الذين اتصل بهم هشام عبود، المحامي، رشيد مسلي، مسؤول "الكرامة"، وهي منظمة حقوقية عربية غير حكومية تتخذ من سويسرا مقرا لها، وممثل عن لجنة حقوق الإنسان الأممية بالإضافة إلى عديد الإعلاميين العاملين في القنوات الفضائية العربية وغير العربية. * ويضيف: "عند وصولي المطار، كنت وابني الذي كان برفقتي، قد جهزنا رسائل نصية قصيرة استعدادا لإرسالها إلى كافة أصدقائي، في حال تعرضي لمكروه، غير أن شرطة المطار كانت في المستوى، بحيث لم يتعد ما سألوني عنه: أين سأذهب فقط؟ بعدها اصطحبني ضابطا شرطة قضائية إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة حسين داي، من أجل معارضة الحكم الصادر ضدي، ثم انتقلت إلى سجن الحراش لإفراغ الأمر بالقبض الصادر ضدي أيضا.. وفي الطريق للسجن كنت على اتصال مع الأستاذ رشيد مسلي، لأن المحامي برغل لم يكن برفقتي، وتم تحديد جلسة المحاكمة بعد عشرة أيام من دخولي تراب الوطن". * يقول ضيف "الشروق" إنه كان متأكدا من أن العدالة ستنصفه، لأنه "لا مفر لها من الدلائل التي كانت بحوزتي وبالحجج التي قدمها دفاعي المتكون من الأساتذة: خالد برغل، أحمد عظيمي وعمار خبابة". * وعن خلفيات ثقته ببراءته يقول: "أول نقطة كانت في صالحي، هي أن التهمة التي حوكمت من أجلها والمتمثلة في تأليف كتاب مافيا الجنرالات، كان بفرنسا وليس بالجزائر، وأنا كنت يومها مقيما بفرنسا، وبالتالي فالتهمة ارتكبت بفرنسا، فكيف تتم محاكمتي بالجزائر على عمل قمت به في فرنسا، وهذا مخالف للقانون، هذه النقطة الأولى. * النقطة الثانية هي أن محكمة حسين داي ليس من اختصاصها الإقليمي النظر في هذه القضية، باعتبار أن صاحبة الدعوى تابعة إقليميا لمحكمة سيدي محمد (عبّان رمضان)، وأنا تابع إقليميا لمحكمة ليل الفرنسية، وإذا أخذنا آخر عنوان لي في الجزائر، فهو بأم البواقي، وبالتالي فمحكمة حسين داي لا يصح لها النظر في القضية. * النقطة الثالثة هي أن صاحب الدعوى هو وزير الدفاع، ولكن ممثل وزارة الدفاع فوضه قائد الأركان بدون إمضاء التفويض باسمه، ولم يقدم وزير الدفاع تفويضا باسمه لتعيين ممثل عنه هو الآخر. هذا بالإضافة إلى أنني شرحت لرئيس المحكمة أن تهمة المساس بمؤسسة نظامية، والوشاية الكاذبة، والقذف لا أساس لها من الصحة، بدليل أن الكتاب مهدى، كما جاء في صفحة الإهداء، لجميع أفراد الجيش الوطني الشعبي، كما أبرزت في الفقرة الأولى، مرافعة من أجل الجيش ضد كل من أساء إليه، وهم قدماء صف ضباط الجيش الفرنسي سابقا، وبالتالي فالنطق بالبراءة كان منطقيا. * هشام عبود قال إن عودته لا تعني أنه تخلى عن مواقفه السابقة، مشيرا إلى أنه لايزال يدافع عن الأفكار التي حوكم بسببها، ومنها أن وزير الدفاع السابق، الجنرال المتقاعد، خالد نزار، مسؤول عن الجرائم التي ارتكبت خلال فترة توليه المسؤولية في قمة هرم الدولة. وأكد المتحدث بهذا الخصوص، أنه أحد الشهود الذين قدموا إفاداتهم قبل أيام في القضية التي يتابع فيها الجنرال نزار أمام العدالة السويسرية. * * * * سمعت عن الإصلاحات ولم ألمسها * قلل هشام عبود من أهمية الإصلاحات التي طرحها رئيس الجمهورية في خطابه للأمة، وقال: "ليس هناك إصلاحات سياسية في الجزائر. لم يتغير شيء في البلاد. ما يحدث حاليا، أقرب إلى تضييع الوقت منه إلى الإصلاح، خاصة بعد التفاف أحزاب التعالف على ما اقترحه الرئيس من رؤى سياسية. كل ما سمعته أنه بعد خطاب الرئيس في 15 أفريل، اجتماعات بين رئيس مجلس الأمة وعدد من رؤساء الأحزاب وشخصيات سياسية، وعن مراجعة قوانين.. لكن المشكل في الجزائر ليس في النصوص وإنما في تطبيقها". * وتابع: "الدستور يتحدث عن حرية إنشاء الأحزاب، وعن حرية التعبير والصحافة، لكن أين هذا مما نعيشه.. الجزائري ممنوع من إنشاء صحيفة اليوم، لذلك لا أرى جدوى من النصوص التي تتحدث عن ذلك". * ويعتقد ضيف المنتدى أن كثرة التعديلات التي أدخلت على الدستور الجزائري منذ 1997، أفقدته صدقيته، فكل رئيس يأتي للسلطة يعدل الدستور على مقاسه، في حين أن الدستور وثيقة يجب أن تسمو فوق هذا، ويقول: "كل رئيس يقسم على احترام الدستور، لكنه لا يلبث أن يخرق هذا القسم، وهو ما يجعل من الجزائر دولة موزية". * بالنسبة لهشام عبود، ما جاء في خطاب الرئيس، كان مجانبا لمطالب الجزائريين المنادية بمحاربة الفساد والرشوة، اللذان نخرا الدولة والمجتمع. المفروض هو أن تعمل الدولة، كما قال المتحدث، من أجل إعادة هيبتها، فحتى قانون المرور لا يحترم عندنا! * ويؤكد هشام عبود أن السلطة نجحت لحد الآن في شراء السلم الاجتماعي، بفضل ملايير الدولارات التي ذرتها الجباية البترولية، وأمّنت محيطها مما عاشته الدول المجاورة من ثورات، ويقول: "لم نشهد في العالم زيادة في الأجور مثلما عاشته الجزائر مؤخرا، وبالرغم من ذلك لم تتحسن الوضعية الاجتماعية للجزائريين، بسبب الفوضى وضعف أجهزة الرقابة". * * التحالف عالة على الرئيس والجزائريين * قال هشام عبود إن التحالف الرئاسي هو الذي بحاجة للرئيس وليس العكس، وتأسف عما اعتبر عودة لتقديس الشخصية. * وقدر ضيف "الشروق" بأن الحل في النهوض بالجزائر، يكمن في تفعيل دور المجتمع المدني، واستشهد بما حدث في تونس، حيث ثار المجتمع المدني قبل أن يلتحق به المثقفون (المحامون والأطباء..)، أما الأحزاب فقد جاءت في المؤخرة، كما قال المتحدث، الذي أشار الى أن الجزائريين يئسوا من هذه الأحزاب. * * "العلبة السوداء" فعلت بالجزائر ما لم يفعله الاستعمار * قال الإعلامي هشام عبود، أن الجيش الذي أسسه رجل زيتوني أزهري، درس فكر ماركس وماو تسي تونغ، وناقش فرانس فانون، وهو الراحل هواري بومدين، لا يمكن إلا ان يكون جيشا شعبيا ممتدا في عمق الجزائر بجميع مكوناتها وشرائحها من فلاحين وطلبة وعمال، جيش من الشعب وإلى جانب الشعب، كان يشرح الثورة الزراعية للفلاحين وقام بإنجاز السد الأخضر وشيد المنشآت القاعدية العديدة ومنها طريق الوحدة الإفريقية والعشرات من المنشآت الفنية والجسور والطرقات، لأنه لم يكن يوما جيشا بالمفهوم الكلاسيكي للكلمة، بعد قولة مؤسسه الشهيرة بعد الاستقلال، أي ان العسكري هو مناضل بالبذلة النظامية، إلى درجة انه بعد تكاثر هزائم الفريق الوطني لكرة القدم، لجأ بومدين سنة 1975 إلى الفريق الوطني العسكري ليكون له شرف الفوز بأول ميدالية ذهبية في تاريخ الجزائر المستقلة على حساب الفريق الفرنسي في دورة الألعاب المتوسطية بالجزائر، فضلا عن ذلك كانت الفرقة السيمفونية الرسمية مكونة من الحرس الجمهوري. * وأضاف عبود ضيف منتدى "الشروق"، أنه وبمجرد وفاة الرئيس هواري بومدين، تقرر إدخال الجيش إلى الثكنات وأغلقت الثكنات بالعاصمة، ومنها مدرسة اللاسلكي ببوزريعة، ومعهد الرياضة بدالي إبراهيم، كما تم غلق المركز التقني للمحافظة السياسية للجيش بشارع غرمول بالعاصمة، وشرع في إحداث قطيعة بين الجيش والشعب لأول مرة منذ الاستقلال، بالموازاة مع تركيز حكم "العلبة السوداء" المكونة من صف الضباط الفارين من الجيش الفرنسي ومنهم العربي بلخير ومحمد تواتي وخالد نزار، عن طريق جبهة التحرير الوطني التي تم بعثها من جديد بعد 13 سنة من التجميد خلال حكم هواري بومدين، مشددا على أن هذه العلبة السوداء تمكنت من حكم البلاد باسم المؤسسة العسكرية التي لم تحكم يوما في الحقيقة، وهي بريئة من كل ما قامت به العلبة السوداء، مما يجعل الكلام عن مطالبة الجيش بالعودة إلى مهامه الدستورية، وإفساح المجال امام دولة مدنية، كلاما في غير محله وغير مؤسس من الناحية المنطقية، لأن الجيش أعيد إلى الثكنات بعد وفاة بومدين مباشرة، ليحل محله من يحكم باسمه فقط، إلى غاية العهدة الثانية للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي تمكن من تفكيك "العلبة السوداء" في هدوء وسكينة تامة بعد الأخطاء التي ارتبكت من قبل ما يعرف بصف ضباط الجيش الفرنسي، أو ما يعرف مجازا، بالنواة الصلبة لحزب فرنسا التي حاولت العودة إلى الاستيلاء على الحكم مجددا من خلال لعب ورقة علي بن فليس في رئاسيات 2004. * * * * حل "العلبة السوداء" خلق انفراجا بالجزائر * ويعتقد هشام عبود، وهو عسكري سابق أيضا، أن تخلص الجزائر من العلبة السوداء المشار إليها، خلق انفراجا كبيرا للبلاد على الصعيدين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكنه للأسف خلق نوعا من التسيب على جميع الأصعدة لن يعالج إلا بالمزيد من الصرامة والجرأة في محاربة الفساد والرشوة والمحسوبية، نتيجة غياب ثقافة سياسية قادرة على المضي بالجزائر إلى الأمام. * وأظهر ضيف "الشروق"، مخاوف واضحة من الانعكاسات التي قد يخلفها فراغ الساحة السياسة بعد حل العلبة السوداء، وإضعاف كل الخصوم السياسيين للرئيس بوتفليقة الذي سيطرح غيابه مشكلا آخر قد يقود إلى الاستنجاد بالمؤسسة العسكرية مرة أخرى، مع العلم أن هذه المؤسسة تتكون اليوم من تقنوقراط جلهم من أبناء الاستقلال. * وكشف هشام عبود، وهو الضابط السابق في الجيش الوطني الشعبي، ورئيس ديوان مدير الأمن العسكري سابقا، محمد بتشين، أن المؤسسة الأمنية تلقت ضربات قوية في عهد الشاذلي بن جديد من طرف العلبة السوداء، التي كانت تريد الانتقام من هذه المؤسسة المستعصية على الاختراق من قبل "حزب فرنسا"، حيث لا يسمح لكل من يشتم فيه رائحة "حزب فرنسا" بالانتماء إليها، مما جعلها الهدف الرئيسي لكل ضربات الانتقام من قبل حزب فرنسا منذ الاستقلال. * * وقال عبود، أنه خلال العشرية الحمراء، تلقت هذه المؤسسة ضربات قوية من قبل حزب فرنسا، من أجل تشويهها وتكسيرها نهائيا، مضيفا أن إشراف أحد مؤسسي الجهاز على المؤسسة الأمنية (في إشارة إلى الفريق محمد مدين) سمح بالحفاظ على التقاليد العريقة للمؤسسة في البلاد. * وأوضح عبود، أنه يتحدى السياسيين الفاشلين الذين يبررون عجزهم ورداءتهم بأن المخابرات تعرقلهم من النشاط، متسائلا هل يوجد معتقل سياسي في الجزائر، هل يوجد سجين رأي؟ مضيفا بالقول، كل ما أعرفه هو أن جماعة الجبن السياسي، تلجأ دائما إلى تفسير جبنها السياسي بجعل جهاز الأمن مشجبا لتبرير فشلها، وجعله غولا، ووصف كل من يقول كلمة حق أو ينتقد النظام بجرأة وشجاعة سياسة بأنه من المخابرات، سواء من الشخصيات النزيهة أو من الإعلاميين النزهاء أو الجرائد الكبيرة التي أصبحت توصف بأنها تابعة لجهاز المخابرات، إلى درجة أن كتاب "مافيا الجنرالات" الصادر بفرنسا تم الترويج على أنه لصالح المخابرات. * وانتقد عبود هذا النوع من المعارضين الذين قال، إنهم مناضلون بلا ماضي نضالي وبلا برامج سياسية واضحة. * * محاربة الإرهاب بالوكالة لن تخدم الجزائر * كشف هشام عبود أن الحرب على الإرهاب جاء نتيجة محاولة العلبة "السوداء"، أثناء العشرية الحمراء التخفيف من انعكاسات التهم التي وجهت إليها بشأن التجاوزات في محاربة الإرهاب محليا، مضيفا أن العلبة السوداء فعلت بالجزائر ما لم يفعله الاستعمار في حد ذاته، ليخلص إلى أن الجزائر قادرة اليوم وبكل يسر وسهولة، على استعادة هيبتها محليا ودوليا بعد تعافيها.