بدأ أول أمس ، ظهور أول بوادر انتهاء أزمة متابعة الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حسني بتهمة الضلوع في عملية اغتيال المحامي علي اندري مسيلي، وقد كان لشهادة الضابط الفار من صفوف الجيش محمد سمراوي، وتناقضاتها منحى جديد في ترجيح الكفة لصالح حسني، وخرج جميع من حضر الجلسة مقتنعين بحقيقة مفادها أن تناقضات سمراوي وافتراءاته بدأت تخرج القضية من عنق الزجاجة، حيث انتهى الى القول بأنه يشك بنسبة 50 بالمائة في أن حسني ليس حساني، بعد أن أخرج ورقة جديدة قال فيها أن رشيد حساني شغل منصب قنصل بباماكو سنة 1988 وهو منصب لم يشغله الدبلوماسي حسني، ويتجلى من هذا التناقض ان التشكيك الذي جاء في شهادة سمراوي هو مجرد مماطلة الهدف منها تجنب المتابعة القضائية بعد ثبوت تلاعبه وتزويره في الشهادة، كما عبر عن ذلك احد محاميي حسني. الجلسة بدأت على الساعة الثانية مساء، المكان قاعة اللقاءات بمجلس قضاء باريس، الحضور محمد زيان حسني ومحامييه، قاضي التحقيق ألان فيليبو، والقاضية المساعدة، الى جانب محامي الدفاع المدني أنطوان كونت، شاشة بلازما كبيرة، خصصت لأجراء مقابلة عن بعد ''فيزيو كونفيرونس'' بين محمد زيان حسني، والضابط الفار محمد سمراوي. بدأت الجلسة بسؤال وجه لمحمد سمراوي الذي كان مباشرة على الشاشة بمدينة كولونيا بألمانيا من قبل قاضي التحقيق ألان فيليبو. سأل قاضي التحقيق ان كان الشخص الذي يراه على الصورة هو النقيب رشيد حساني الذي التقاه في مدينة سكيكدة حين تم تسليم المبلغ المالي لعبد المالك املو مقترف جريمة اغتيال المحامي علي أندري مسيلي.. ''تظهر صورة حسني على الشاشة''. يتردد سمراوي في بادئ الأمر ويبدو عليه الارتباك ثم يجيب بنعم... وبعد أخذ ورد دام ساعة ونصف، استدعى قاضي التحقيق ألان فيليبو، الشاهد الثاني الضابط السابق هشام عبود، وبعد أدائه اليمين، سأل قاضي التحقيق عبود ان كان يعرف الشخص الذي كان جالسا على يمينه ''يقصد حسني''. عبود: نعم أعرفه حق المعرفة، هو محمد زيان حسني الذي التقيته رفقة وزير السكن الأسبق عبد الرحمان بلعياط في الثمانينات لا أذكر بالضبط أي سنة المهم بين 1985 و 1986، ثم كنا نلتقي بين الفينة والأخرى، وكان سبب اللقاء هو نشر تحقيق بإمضائي عن فريق كرة القدم لنادي ديناميكية بناء الجزائر، وطلب منه الوزير آنذاك ان يرافقني الى ملعب الحراش حيث حضرنا مقابلة لكرة القدم، بين فريق ديناميكية البناء ''دي ان سي''، وفريق آخر لا أذكره، من ذلك الوقت صرت التقيه في بعض الأحيان في شارع ''ميسونييه''، وفي بداية سنة 1987 أخبرني بأنه يشتغل برئاسة الجمهورية بمديرية التشريفات. قاضي التحقيق: هل هو نفسه حساني رشيد؟ عبود: إطلاقا لا علاقة له بحساني رشيد الذي أعرفه هو الآخر حق المعرفة، فحساني قريب مني عائليا وهو من أبناء عمومتي، ولا مجال للشبه بين هذا وذاك ''يقصد بين حسني وحساني''. قاضي التحقيق يتوجه الى سمراوي، ويطلب منه رأيه فيما قال عبود بشأن حساني، غير أن سمراوي لم يجد غير القول بأن عبود كان خارجا عن القانون، لأنه كان عسكريا ويشتغل في الوقت نفسه في مجلة رياضية ولا علاقة لها بالمؤسسة العسكرية على حد قوله، وأضاف ''هشام تناقض في كلامه وقال أنه عرف حسني في ديناميكية البناء ثم في رئاسة الجمهورية''.. قاضي التحقيق لاحظ أن سمراوي يتكلم في الفراغ وأن عبود لم يقل ذلك على الإطلاق، كما أنه حتى وان كان عسكريا ويكتب في صحيفة رياضية فهو أمر يخصه وصاحبه لم يقترف أية جريمة، وأن ذلك يعود لميوله الرياضية والصحفية. وبعد أخذ ورد حاول محمد سمراوي الطعن في شهادة عبود مرة ثانية، وقال لقاضي التحقيق ''هشام عبود لم يذكر في شهادته أن حساني رشيد عين سنة 1988 قنصلا بباماكو في مالي''.. وكانت هذه الشهادة هي نقطة التحول في اللقاء حيث تمسك بها دفاع حسني، لأنها كانت في صالح موكلهم وجاءت من الشاهد الذي اتهمه.. يتوجه قاضي التحقيق الى عبود الذي كان حاضرا في الجلسة ويسأله ان كان حقيقة أن حساني قد عين قنصلا بباماكو سنة 1988، فأجاب عبود بالإيجاب، قائلا ''نعم لقد تم ذلك ولم أذكر ذلك لأنني صببت جل اهتمامي في رفع اللبس عن التهمة التي وجهت لحسني''. وأضيف تأكيد عبود لشهادة سمراوي كنقطة ايجابية في صالح محمد زيان حسني، يسأل قاضي التحقيق حسني ان كان قد عمل بباماكو فأجاب حسني بأنه لم يشتغل بها. قاضي التحقيق: وهل حدث أن زرت باماكو كسائح؟ حسني: لا قاضي التحقيق يتوجه الى سمراوي: ما دام محمد زيان حسني لم يشتغل في باماكو كما قلت أنت ولم تذكر قضية باماكو إلا في هذه اللحظة، هل مازالت تراودك شكوك حول ضلوع حسني في عملية اغتيال المحامي علي أندري مسيلي. سمراوي: لما دخلت القاعة كنت متيقنا بنسبة 99 بالمائة من أن محمد زيان حسني هو حساني رشيد وتركت 1 بالمائة للشك، أما الآن ف 50 بالمائة تأكد لدي أنه ليس حساني وتبقى 50 بالمائة المتبقية للشك. فضحك الجميع على سمراوي وعلق عليه محامي حسني قائلا: ''لقد ربحنا نصف المسافة الآن''. وبدا على محامي الطرف المدني الذي كانت مساندته مطلقة لسمراوي، نوع من الخجل، وحتى يأخذ بيد سمراوي قال أن شهادة محمد سمراوي الذي أكد أن لديه شكوكا بنسبة 50 بالمائة في شخص حسني دليل على نزاهته.. فرد عليه محامي حسني، ''عن أية نزاهة تتحدث، عندما يتمادى الشاهد في التناقضات والتصريحات الكاذبة.. سأحضر في الجلسة القادمة تصريحاته المليئة بالأكاذيب''. واثر ذلك لاحظ قاضي التحقيق أن مجمل شهادات سمراوي مبنية على استنتاجات لا على قناعات. وعلق عبود قائلا: ''استنتاجات سمراوي هذه التي تتحدثون عنها هي التي أدت الى تعذيب مئات الجزائريين عندما كان ضمن جهاز الأمن بالجزائر''. وقد قرر قاضي التحقيق في نهاية الجلسة على الساعة السادسة والربع مساء، عقد جلسة ثانية في المستقبل القريب، وقالت مصادر مؤكدة ل ''النهار'' أن هناك إمكانية لإحضار الضابط الفار من صفوف الجيش الجزائري محمد سمراوي الى باريس، حيث سيتم تقديم طلب لوزارة الداخلية الفرنسية يقضي بعدم توقيف سمراوي أو المساس به عندما تطأ قدماه الأراضي الفرنسية. وبذلك انتهت جلسة المواجهة التي خرجت بورقة جديدة لصالح محمد زيان حسني وهي اعتراف سمراوي بتعيين حساني رشيد في باماكو سنة 1988، وهو المنصب الذي لم يشغله الدبلوماسي حسني، وقد بدا جليا على وجه محامي الطرف المدني اقتناعه ببراءة حسني حيث صافحه في نهاية الجلسة، ودار حديث بينهما إذ قال حسني للمحامي: ''كنت أخشى أن تعالج هذه القضية غير العادلة بطريقة غير عادلة''. هشام عبود ل ''النهار'': ''حساني رشيد قام بمهمة وطنية بصفته ضابطا في الجيش. قال الضابط السابق في صفوف الجيش الوطني الشعبي هشام عبود أنه سيبقى متمسكا بموقفه إزاء القضية، وأنه سجل في مختلف شهاداته موقفا واحدا يمثل الحقيقة، وأضاف أن ما يثير التساؤل في هذه القضية هو الغياب التام لعائلة مسيلي وغياب العائلة السياسية له وعلى رأسها زعيم الأفافاس حسين ايت احمد. وأوضح هشام عبود أمس، في اتصال مع ''النهار'' من باريس، أن القضية حاليا تبدو وكأنها بين سمراوي وعبود فقط ولا يوجد أي طرف آخر، ''اعتبر ذلك اغتيالا ثانيا لمسيلي من طرف ذويه''. أما بخصوص حساني رشيد فقال عبود ''أن رشيد حساني الذي ذكر اسمه وكثر الحديث عنه، ينحدر من أسرة ثورية معروفة في أم البواقي، دفعت الكثير من أجل استقلال الجزائر، فهو لم يقم بتدبير الجريمة وإنما قام بتنفيذ مهمة كضابط في الجيش الجزائري دفاعا على بلاده، على اعتبار أن علي مسيلي الفرنسي الجنسية والمسيحي الديانة، كان في اعتقاد جهاز الأمن الجزائري عميلا للمخابرات الفرنسية وكان يتقرب من المعارضة الجزائرية للتحرش والتجسس والتأثير، وبالتالي فإن مقتله يدخل في إطار حرب بين الأجهزة، ودفاعا عن الوطن، ولا أحد يمكنه أن يزعزع قناعة رشيد حساني بذلك''، وأضاف عبود أنه يبقى الآن على العدالة الفرنسية أن ترفع اللبس عن اغتيال مسيلي ومتابعة محمد زيان حسني، باستدعاء محمد سمراوي الى باريس ليكشف شهادته المزورة، مؤكدا أن سمراوي هو شريك في الجريمة وأنه يجد في شخص حسين ايت احمد ومحامي الطرف المدني دفاعا مستميتا عنه، وهو ما وصفه عبود بالأمر الغريب.