تمكنت الشرطة القضائية التابعة لأمن ولاية الجزائر من تفكيك عصابة مافياوية، تتشكل من ثمانية أشخاص منهم سبعة رجال وامرأة، مختصة في تزوير الوثائق والأختام، تنشط منذ سنة 2003 على المستوى الوطني، لكنها متمركزة بالعاصمة، العصابة تملك كل أختام الهيئات النظامية بما في ذلك أختام وزارة التربية، وزارة التعليم العالي، وزارة الدفاع الوطني، والبنوك والبريد والمواصلات، وختم بلدية ليون الفرنسية، وأختام الأمن والجمارك، ومؤسسات إعادة التربية وشركات التأمين. تفاصيل القضية تعود إلى شهر ديسمبر الفارط، عندما تلقت فرقة البحث والتدخل التابعة للشرطة القضائية لأمن ولاية الجزائر معلومات حول وجود سيارة من نوع بيجو 307 تحمل لوحة ترقيم فرنسية مؤرخة سنة 2005 تتنقل في العاصمة وضواحيها بوثائق مزورة على أساس أنها سيارة سياحية، ومن ثم فتحت فرقة البحث والتدخل للشرطة القضائية لأمن ولاية الجزائر تحقيقا حول هذه السيارة، وبعد التحريات تبين أن ملف السيارة يحمل رقم "002" وأنها تتنقل أحيانا بلوحة ترقيم فرنسية، وأحيانا أخرى بلوحة ترقيم جزائرية، بالرغم من أنها نفس السيارة، فاتصلت الشرطة بالوكيل المعتمد للتحري عن سيارة تحمل رقم "002" ، وتوصلت إلى أن هذه السيارة لم تدخل من فرنسا إلى الجزائر عبر الوكيل المعتمد ل "بيجو" بالجزائر، مما أثار شكوك عناصر الأمن، ومن هنا بدأت التحريات حول مصدر الوثائق المزورة التي تتنقل بها سيارة بيجو "307" ذات الترقيم الفرنسي، وتم التوصل إلى أن الذي زور الوثائق لصالح صاحب السيارة هو المدعو "ب.م" البالغ من العمر 32 سنة، متحصل على شهادة ليسانس، ويسكن بدالي إبراهيم بالعاصمة، وتبين بعد مراجعة سجله أنه محل ثلاثة أوامر بالقبض صادرة ضده، كما اكتشفت مصالح الأمن أنه كان يتنقل بوثائق مزورة، وبسيارة مسروقة من نوع ميتسوبيشي "4-4" مؤرخة سنة 2006، كما تبين بعد الاتصال بالأنتربول "الشرطة الدولية" أن سيارة "307" مسروقة بفرنسا، وأنها دخلت الجزائر عن طريق جزائري مغترب، ومن ثم شرعت مصالح الشرطة القضائية في تتبع آثار "ب.م" ابتداء من شهر سبتمبر الفارط. ورشة مجهزة لتزوير كل أنواع الوثائق بدالي ابراهيم وتزامن ذلك مع شهر رمضان الذي كان مناسبا جدا لتتبع جميع عناصر العصابة، لكونهم يدخلون جميعا إلى منازلهم قبل لحظات من موعد الآذان للإفطار مع عائلاتهم، على غرار كل الجزائريين، رغم أن ذلك كان صعبا على عناصر الشرطة القضائية الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للتضحية بوجبة الإفطار مع عائلاتهم وقت الآذان من أجل التمكن من تتبع آثار عناصر العصابة والتعرف على منازلهم جميعا، وكانت البداية مع "ب.م" الذي اكتشف عناصر الشرطة القضائية أنه يقطن بدالي ابراهيم، رغم أنه كان بالإمكان توقيفه فورا، إلا أن عناصر الشرطة فضّلوا تتبعه من أجل التوصل إلى شركائه وكذا التوصل إلى الأدلة الملموسة التي تدينه، وتدين شركاءه ومن أجل ذلك قامت مصالح الشرطة بالإجراءات القضائية اللازمة، وأحضرت أمرا بتفتيش منزل "ب.م"، وفتشوا منزله بدالي ابراهيم، حيث كانت المفاجأة الكبرى عندما عثروا على ورشة كاملة مجهزة بأحدث التقنيات لتزوير كل أنواع الوثائق، من بينها جهاز إعلام آلي وسكانير، كما عثرت بمنزله على عدة وثائق مزورة وأختام، من بينها ختم بلدية "ليون" الفرنسية، كان يستخدمه لإصدار شهادات ميلاد فرنسية، على أساس أنها صادرة عن بلدية "ليون"، تم توقيفه وحجز كل الوسائل التي كان يستخدمها في التزوير والوثائق المزورة والأختام التي كانت لديه، وبعد التحقيق معه اعترف بشريكه "ن.س" البالغ من عمر 42 سنة، وهو شخص أمي لا يعرف لا القراءة ولا الكتابة، كانت مهمته إحضار الوثائق ل "ب.م" من أجل تزويرها، وإحضار الزبائن له، وبعد التحري في سجله تبين أنه محل أربعة أوامر بالقبض، وأنه يتنقل ببطاقة تعريف مزورة. اكتشاف الرأس المدبر للعصابة في فيلا سرية باسطاوالي شرعت عناصر الشرطة القضائية بتتبع آثار "ن.س" الذي كان يتنقل بسيارة من نوع "رونو كليو" مؤرخة سنة 2006، مسروقة من ولاية وهران، لتكتشف بأنه يسكن بعين النعجة، غير أنه يتردد كثيرا إلى اسطاوالي، مما آثار شكوك عناصر الشرطة الذين واصلوا تتبع آثاره باسطاوالي، ليكتشفوا بأن "ن.س" يملك إقامة أخرى هناك، لكنها سرية، وهي عبارة عن فيلا فاخرة، لا يعرفها أحد حتى أمه وأبيه لم يكونا يعلمان بأن ابنهما يملك فيلا في اسطاوالي، وقام عناصر الشرطة القضائية بتفتيش الفيلا بعد حصولهم على أمر بالتفتيش من وكيل الجمهورية، ليعثروا في مستودع الفيلا على سيارة فخمة من نوع نيسان مؤرخة سنة 2005، كانت قد سرقت بولاية تيزي وزو، كما عثروا لديه على عدة وثائق مزورة، ووثائق أخرى مسروقة، وأختام، والأخطر أنهم عثروا لديه كذلك على أختام جافة حقيقية وهي أختام تستخدم في ختم أربع وثائق هامة بالنسبة لأي مواطن جزائري تتمثل في رخصة السياقة، بطاقة التعريف، جواز السفر والبطاقة الرمادية، وهي أختام لا يستعمل فيها الحبر، وإنما يتم الختم بها بدون حبر، ولذلك تسمى أختاما جافة، ولا تملكها إلا الدوائر والولايات والبلديات، كان يستعملها عناصر العصابة لكي تبدو الوثائق حقيقية تماما، وعثرت بمنزله كذلك على أختام لوزارة الدفاع الوطني ، والأمن الوطني، وأختام الجمارك الجزائرية، وأختام لوزارة التعليم العالي وبعض الجامعات الجزائرية لتزوير شهادات الليسانس، وأختام لوزارة التربية الوطنية لتزوير شهادة البكالوريا، وأختام للثانويات والإكماليات لتزوير كل أنواع الشهادات المدرسية، إضافة إلى كمية من جوازات السفر الفارغة، وهي جوازات تبين بعد فحصها بأنها حقيقية، وغير مزورة، مسروقة من الدوائر، لأن الوسائل التي يملكونها لم تكن ترقى إلى درجة صنع جوازات بنفس مقاييس الجوازات الحقيقية، وهو ما اضطرهم إلى الاعتماد على جوازات سفر حقيقية فارغة يتم سرقها من الدوائر، يعتمدون عليها لإصدار جوازات السفر لزبائنهم، ويختمونها بالأختام التي يملكونها، بما في ذلك الأختام الجافة التي لديهم، وهي أختام حقيقية مسروقة كذلك من الدوائر والبلديات والولايات، وهو ما دفع عناصر الشرطة القضائية إلى مواصلة التحقيق والتحري لمعرفة الأشخاص الذين يسرقون جوازات السفر الحقيقية ويموّلونهم بها، والذين مولوهم بالأختام الجافة التي يصعب الحصول عليها، لأنها لا توجد إلا عند الهيئات النظامية ومؤسسات الدولة، كما عثر على أكثر من 30 صورة لأشخاص بما فيهم هؤلاء الذين طلبوا إعداد وثائق مزورة لهم، ويجري حاليا البحث عن كل الأشخاص الذين عثرت مصالح الشرطة القضائية على صورهم أو أسمائهم لدى العصابة، وعددهم كبير، وتبين منة خلال ما حجز في الفيلا باسطاوالي أن صاحب الفيلا "ن.س" هو "الرأس المدبر" للعصابة، بالرغم من أنه لا يعرف لا الكتابة ولا القراءة، حسب ما أوضحه الضابط دمور عبد الله رئيس فرقة البحث والتدخل التابعة للشرطة القضائية لأمن ولاية الجزائر الذي سرد تفاصيل الإطاحة بهذه العصابة الخطيرة خلال ندوة صحفية عقدها أمس، بمقر أمن ولاية الجزائر. العصابة تملك ختم بلدية ليون الفرنسية أكد الضابط دمور عبد الله أن "هذه العصابة تملك كل أختام الهيئات النظامية التابعة للدولة، مما جعلها بمثابة دولة أخرى داخل الدولة الجزائرية، فهي تزور بطاقات التعريف، وجوازات السفر، والبطاقات الرمادية ورخص السياقة التي تصدرها الدوائر، كما تزور بطاقة الخدمة الوطنية التي لا تصدرها إلا وزارة الدفاع الوطني، وبطاقة التعريف العسكرية، لأنهم يملكون أختام وزارة الدفاع الوطني، وكل أنواع الوثائق الفردية والعائلية كشهادات الميلاد وعقود الزواج، وشهادات الحالة العائلية والفردية، وشهادات الإقامة، وغيرها من الوثائق التي تصدرها البلديات، إضافة إلى الشهادات المدرسية، كالبكالوريا والتعليم المتوسط وشهادة السنة السادسة، لكونهم يملكون أختام العديد من الثانويات والإكماليات، وكذا تزوير شهادة الليسانس، أختام البنوك وشركات التأمين، والبريد والمواصلات، والسجون وأجهزة العدالة، وأختام الجمارك والأمن الوطني، وختم بلدية ليون الفرنسية". وبذلك ألقي القبض على المتهم الثاني "ن.س" متلبسا في منزله باسطاوالي، ثم على شريكه "ل.أ" البالغ من العمر 35 سنة، الذي يقطن ببراقي، وتبين بعد التحري في سجله أنه محل أمر بالقبض، وقد تم إلقاء القبض عليه وسط الجزائر العاصمة، أثناء تنقله بوثائق مزورة وسيارة من نوع "بيجو 206" مؤرخة سنة 2005، مسروقة من ولاية خنشلة، وكانت مهمته تسويق السيارات التي يتم تزوير وثائقها، وهو ما شهد به ضحاياه الذين تعرفوا عليه فورا عندما شاهدوه، وأكدوا بأنه هو الذي باع لهم السيارات بوثائق مزورة. كل الأختام جاهزة وتتضمن قائمة الوثائق التي كانت العصابة تزورها 27 وثيقة هي رخص السياقة، البطاقات الرمادية، بطاقات التعريف الوطنية، قسيمة السيارات سندات الصندوق، بطاقات التأمين، عقود الوكالة، وثيقة تأمين السيارات، بطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية، البطاقة الصفراء الخاصة بالتصريح بالاستعمال المؤقت للسيارة، الوثائق البنكية بما فيها الصكوك، الصكوك البريدية، السجلات التجارية، الطوابع البريدية، شهادة تسديد المستحقات وعقد رفع اليد التابعين للصندوق الوطني للتوفير والاحتياط، وثائق خاصة بمكتب تنقل السيارات، وصل إيداع ملف تسجيل السيارة، شهادات الإقامة، شهادات الميلاد، الفاتورة الشكلية لقيمة السيارة، الصفائح المعدنية للسيارات، التصريح بضياع، بطاقة الخروج من مؤسسة إعادة التربية "السجون" لصالح الفارين من السجون، بطاقات التعريف العسكرية الخاصة بالعسكريين وعناصر الجيش الشعبي الوطني، تكليف بالوضع في الحضيرة، الأوامر القضائية، محاضر إثبات تبليغ رفع الحجز عن مركبة، بطاقات السوابق العدلية، البطاقات السياحية للمركبات، بطاقات الإعفاء من الخدمة الوطنية. وبذلك تمكنت مصالح الأمن من إلقاء القبض على المتهمين الرئيسيين، الثلاثة، وهم كل من""ن.س" ،"ل.أ" و"ب.م"، بعدها تم إلقاء القبض على إمرأة تبلغ من العمر 30 سنة تملك دفترا عائليا مزورا على أنها زوجة "ن.س"، وكانت تعيش مع "ن.س"، وتتنقل معه في سيارته حيثما يذهب بهدف التمويه، وإيهام مصالح الأمن عبر الحواجز الأمنية في الطرقات بأن عائلته معه، حتى لا يتعرض للتفتيش، وكانت تقيم معه في كل الفنادق التي يتنقل إليها، حيث عثرت مصالح الأمن على اسمه واسمها في قائمة المقيمين بفندق في تيقزيرت بولاية تيزي وزو، كما عثرت على اسميهما معا بفندق آخر في ولاية تبسة. وفي هذا الصدد أكد رئيس فرقة البحث والتدخل بأن نشاط عناصر العصابة كان يمتد على المستوى الوطني، رغم أنها متموقعة بالعاصمة، كما أنهم لم يكونوا يعرفون بعضهم البعض، ومع ذلك يتقاسمون الأدوار. وقد تم توقيف العناصر الثلاثة يوم 2 نوفمبر الجاري، باعتبارهم المتهمين الرئيسيين وأخطر عناصر الشبكة، وبعد التحقيق معهم اعترفوا بشركائهم وهم خمسة آخرين، كانوا يعملون كوسطاء من بينهم الوسيط الذي أوصل صاحب "سيارة 307" التي أكد الأنتربول بأنها مسروقة بفرنسا إلى "ب.م" بدالي ابراهيم، والمرأة التي كانت تعيش مع "ن.س"، إضافة إلى وسيطين آخرين، ليصل مجموع عناصر العصابة إلى ثمانية أشخاص، من بينهم سبعة رجال وامرأة، بينما وضع الخمسة الآخرون تحت الرقابة القضائية، بما فيهم المرأة، باعتبارهم وسطاء، وقدم المتهمون الثمانية للعدالة أمام النيابة العامة لمحكمة سيدي امحمد لمحاكمتهم. وقد تم حجز ثماني سيارات مسروقة لديهم، منهم سيارتين من نوع ميتسوبيشي، مؤرختين سنة 2006، وسيارة من نوع نيسان مؤرخة سنة 2005، وسيارتين أخريين من نوع "أكست"، واحدة مؤرخة سنة 2006 والأخرى سنة 2005، وسيارتين من نوع بيجو، واحدة "بيجو 307 سي سي" مؤرخة سنة 2005 والثانية بيجو 206 مؤرخة سنة 2005، وسيارة من نوع رونو كليو مؤرخة سنة 2006. وأكد الضابط دمور عبد الله بأن الشرطة القضائية مضطرة حاليا، لإحالة المتهمين الموقوفين على العدالة، لكن التحقيق سيتواصل، لأن الشرطة مقيدة بحجز المتهمين الموقوفين لمدة 48 ساعة تحت النظر ولا يمكنها تجاوز هذه المدة، مما يضطرها إلى إحالتهم للعدالة ومواصلة التحقيق في نفس الوقت. جميلة بلقاسم: [email protected]