في سنة تبدأ بيوم النصارى ويطويها شعب "مايا" في يوم العروبة بعد انتهاء السنة الجارية بيوم إسبات اليهود، واستقبال سنة جديدة تبدأ بيوم النصارى، استظهرت لنا مواقع الشبكة ووسائط الإعلام الشعبي الغربي أسطورة قديمة لشعب مايا تدعي نهاية العالم يوم جمعة المسلمين في 21 - 12 - 2012 لكي يصرف العامة أنظارهم عن حقيقة نهاية عالم متآكل هيمن عليه الغرب بدجله أكثر من علومه. * قبل أن ننتهي من توديع سنة 2011 والتوافق حول ما إذا كان الربيع العربي قد أنهى العالم العربي كما عرفناه، أم أن نهاية السنة قد أنهت الربيع العربي قبل إنهاء عالم الطغمة المستبدة، انتقل الاهتمام في مواقع الشبكة العنكبوتية والإعلام الشعبي إلى الحديث عن نهاية العالم، التي تحمل هذه المرة تاريخا محددا، يقال أنه سيكون في 21 - 12 - 2012 أي بعد أقل من سنة من الآن.
أسطورة شعب مايا لترويع أمم الفيس بوك خلاصة قصة نهاية العالم التي سوف تشغل الناس سنة 2012 لها أكثر من مصدر شعبي، ديني وعلمي، كما هو الحال في جميع النبوءات السابقة بقرب نهاية العالم. فعلى المستوى الشعبي العامي، لا يكاد الحديث ينقطع عن قرب نهاية العالم، خاصة في العالم المسيحي الغربي الخاضع لروايات المشعوذين من أمثال الدجال الفرنسي نوسترادموس، الذي لا يغيب عن أية نبوءة لها صلة بالكوارث أو بنهاية العالم التي يخوف بها العامة، كما هي حاضرة المعتقدات الدينية عند المسيحيين واليهود والبوذيين، وشعوب مايا القديمة، التي تعتمد النبوءة الجديدة على ما يبشر به التأريخ عندهم، حيث يعتقدون أن العالم يكمل دورته كل 5126 عاما، وأن الدورة سوف تنتهي في 21 ديسمبر 2012 حسب العلماء الذين درسوا التقويم عند شعب مايا، كما يعتقد اليهود، بالاعتماد على ما جاء في سفر دانيال، أن خلق الإنسان وفناءه يستغرقان خمسة آلاف سنة تنتهي السنة القادمة. الأسطورة الجديدة استقت بعض المصداقية من المضاربات التي يشتغل عليها طائفة من علماء الفلك والفيزياء حول تعرض الأرض في مستهل سنة 2013 إلى موجة مغناطيسية هائلة غير مسبوقة، قد تعطل المنظومات الكهربائية والإليكترونية في العالم، وتنتهي بانهيار كامل للحضارة، مع تعطل المواصلات وكافة التجهيزيات التي تعتمد على الكهرباء، ومنها منظومة الاتصالات بالأقمار الصناعية.
كوكب بحجم الشمس يقلب قطبية الأرض ومع أن الحديث عن نبوءة نهاية العالم، بناء على ما جاء في التقويم عند شعب مايا، قد بدأت مطلع السبعينيات من القرن الماضي فإنها لم تتحول إلى حدث شعبي، يشتغل عليه المشعوذون والدجالون في الإعلام الغربي، إلا بعد أن سربت وكالة نازا دراسة تزعم: أن الوكالة رصدت كوكبا مخفيا بحجم الشمس يقترب من الأرض، أطلق عليه اسم nibiru...، قبل أن يسارع موقع نازا الرسمي إلى التكذيب، والقول بأن ما نشر كان محض خطأ. غير أن الإعلام الغربي الشعبي، الذي يعيش ويتقوت على خوف الناس لم يلتفت إلى تراجع وكالة نازا، فقام بنشر سيل من المعلومات حول الكوكب المزعوم، الذي تقول الدراسة إنه ذو قوة مغناطيسية هائلة سوف تعمل على عكس قطبية كوكب الأرض. وزعموا أن كوكب nibiru يدور حول الشمس في نفس مسار الكواكب الأخرى، ويستغرق في دورانه 4100 سنة. قد يكون من الظلم التحامل على المشعوذين والدجالين في كل عصر، وهم يقتاتون على ترويع الناس، لأن النظم الحديثة اتخذت من التخويف والترويع أداة للحكم، ولعل القارئ يذكر كيف أن منظمات دولية ومؤسسات علمية عريقة اشتركت في حملات ترويع الناس بعدد لا يحصى من الجائحات، والكوارث، والحروب، والمجاعات، والشح في الأغذية والمياه، واضطراب المناخ، لتحصل في نهاية المطاف على تحفيز الحاجة عند الناس إلى من يحميهم، وهي سياسة قديمة قدم الاجتماع البشري.
والعلماء يتبعهم الغاوون من أهل الدجل إطلالة سريعة على الفرضيات التي اشتغل عليها العلماء في القرنين الماضيين، تفيد أن العلوم الحديثة ساهمت في صناعة الخوف من الفناء أكثر مما صنعه الدجالون والمشعوذون. وقد تصور العلماء مسارين للفناء: مسار يبحث في مقومات فناء الجنس البشري بسبب طبيعة نشاطه الذي يغير من حالة المناخ، ويهدر الموارد الأساسية للحياة، ومسار يتحدث عن الأخطار التي تهدد الأرض أو المجموعة الشمسية. وفي السياق نفسه، تصور العلماء اصطداما مع كويكب ينتج عنه انقلاب في قطبية مغناطيس الأرض، تتعرض خلاله الأرض لموجة من الإشعاعات الكونية التي تأتي على الكائنات الحية بالمعمورة. ومن فرضياتهم أن تتعرض نواة كوكب الأرض إلى انخفاض في درجات الحرارة حد تعطل الدرع المغناطيسي للأرض، مما يعرضها لرياح شمسية تقضي على الكائنات الحية فيها، وتقول دراسات أخرى: إن الأرض تفقد في كل ثانية 3 كلغ من الهيدروجين و50 كلغ من الهيليوم وأن الغلاف الجوي للأرض سوف يفقد مع مرور الزمن النسبة الضرورية للحياة من هذين الغازين.
كذبة "نهاية العالم" لإخفاء حقيقة "نهاية عالم" لم يكن مفيدا أن استعرض جميع النظريات والدراسات العلمية الجادة، التي ينفق عليها ملايين الدولارات، تنتهي عادة إلى صيغ مشوهة ومنتجة للخوف والرعب، سواء في الإعلام أو في الإنتاج السينمائي، ولا أستبعد أن نشهد في السنة الجديدة انقسام المجموعة العلمية إلى فسطاطين، كما عودتنا على ذلك في تعاملها مع الأساطير، التي تنتجها الحكومات والمنظمات الدولية من أجل تخويف البشر، خاصة وأن العالم قد دخل في ما يشبه "نهاية عالم" كان قد امتد لأكثر من خمسة قرون. فالعالم الغربي الذي دخل حقبة خطيرة من الإفلاس السياسي والاقتصادي والأخلاقي، وتعطل عنده الاجتهاد القادر على صياغة بدائل للنظام الرأسمالي اللبرالي المتهاوي، سوف ينظر بعين الرضا لما سوف يروج حول فناء العالم نهاية السنة القادمة كما يدعون، وإن لم تشارك الحكومات مباشرة في الترويج للأسطورة الجديدة، فإنها لن تجتهد كثيرا لتكذيبها بوسائل العلم ومنطقه. فمن مصلحة طغمة الأوليكارك، وهي تستعد لإخضاع الحكومات المنتخبة لمنطق وسلطان السوق، أن تنشغل الشعوب بهذا التهديد الوهمي بقرب قيام الساعة، بدل البحث في مفردات قيام ساعة "العقب الحديدي" كما يصف الروائي جاك لندن حقبة تسلط أرباب المال على رقاب العباد.
التحضير لمليونية جمعة الرحيل من الأرض لقد ترددت كثيرا قبل الخوض في هذا الموضوع لأكثر من سبب، أولها أني مسلم يخاطب قراء مسلمين، يؤمنون أن الساعة هي من الأمور التي استأثر بها الله في حكم الغيب عنده جل جلاله، وأن المسلم قد حصن بما يكفي من هذه الأساطير بما جاء في المحكم من التنزيل، وفي السنة النبوية الشريفة، لكن الوقوف عند عشرات المواقع الإسلامية وهي تخوض مع الخائضين في الترويج للنبوءة الجديدة، حفزني على تخصيص آخر موازنة لسنة 2011 للحدث، الذي سوف يتعاظم كلما اقتربنا من التاريخ المذكور. وقد كان أمامي خياران: الأول أن أتعاطى مع الحدث بمقاربة ساخرة، لها صلة بما حصل في السنة التي نودعها بعد ساعات ونهاية فعلية للعالم العربي كما عهدناه، والثاني أن أغتنم الحدث لأذكر بما هو راسخ في ثقافة المسلم بشأن أشراط قيام الساعة، تهيئه أكثر من غيره من الأمم للتعامل بكل ثقة مع أساطير ما أنزل الله بها من سلطان. المسار الساخر كان سيقودني إلى المرافعة بقدر من "الخبث" عن الثورات العربية وحقوق الشعوب المنتفضة، والادعاء بأن من يروج لقيام الساعة ونهاية العالم بعد أقل من عام، إنما هي أطراف "معادية" للعرب "كارهة" للمسلمين، تريد أن تفسد عليهم عرس الديمقراطية الوافد عليهم.
"تربص" شعب "مايا" بحكومة إخوان مصر وكيف لا نقرأ في الترويج لهذه الأسطورة "تدبيرا كيديا" للإسلاميين، وقد فتح لهم الربيع العربي باب السماء، حتى أن أحد المشايخ زعم: أن ساعة قيام الخلافة الثانية الراشدة قد دقت، فإذا بالآخر يدعي أنها لن تعمر أكثر من شهور إذا كتب للساعة أن تقوم، ويفترض بنا أن نشاطر رئيسي الحكومة في المغرب وتونس وهما يبشران مثلنا بسقوط مبكر لحكومتيهما بفعل رزنامة شعب مايا، وليس برزنامة الديمقراطية الناشئة والتداول على السلطة، أو كيف لا نتفهم من الآن فصاعدا قتال إخواننا من "إخوان" وسلفية مصر، من أجل التسريع بإنهاء بناء مجلسي الشعب والشورى قبل نهاية العالم، وأن الأمر بلا ريب فيه "مؤامرة" دبّرت بليل لتثبيط عزائم شباب ثورتي اليمن وسورية، وصرف أنظار بقية شباب العرب عن الدخول في مسار قد لا يكتمل قبل 21 ديسمبر من سنة 2012، وهل من الصدفة أن تنتهي سنة الربيع العربي يوم إسابت اليهود، وتبدأ سنة "الساعة الأخيرة" غدا الأحد: يوم النصارى، ويكون يوم القيامة في 21 ديسمبر الذي يصادف الجمعة، يوم العروبة وعيد المسلمين، لتقوم فيه الساعة؟؟. غير أني أفضل الخوض في المسار الثاني، الذي يدعونا إلى تدبير ذلك العدد الكبير من الأحاديث النبوية حول أشراط قيام الساعة، دعتنا إلى النظر في ما يطرأ من تغير في أحوال الناس، قبل النظر إلى أشراطها الكبرى في ما يطرأ من تغيير على الأجرام السماوية. فقد أخبرنا: أن أول أشراط الساعة كان مبعث الرسول صلوات الله عليه وسلم، بنص الحديث: "بعثت أنا والساعة كهاتين، قال: وضم السبابة والوسطى". وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا. القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. فكسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة".
رصد دجل الناس قبل ظهور دجال النسناس وقبل أن نتطلع إلى ظهور الأشراط الكبرى مثل الدخان، وخروج الدجال والدابة، وطلوع الشمس من المغرب، ونزول عيسى بن مريم، وتدفق يأجوج ومأجوج، وخسوف الشمس ثلاثا، وخروج نار من اليمن تسوق الناس إلى محشرهم، دعتنا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التدبير في أخلاق وسير الناس. فقد رويت عشرات الأحاديث حول الأشراط الصغرى، تبدأ بهذا الحديث الذي يعد بظهور "رجال ظلمة يضربون الناس بالسياط" في إشارة إلى الاستبداد، وكثرة الهرج والمرج (القتل) وضياع الأمانة ورفعها من القلوب، وظهور العاريات الكاسيات، وتطاول الحفاة العراة بالبنيان، وانتشار التجارة، وسيطرة قلة من التجار على الأسواق، وتقارب الأسواق، وتخوين الأمين وائتمان الخائن، واتخاذ الفيء دولا حتى تكون الأمانة مغنما. ومن علاماتها تقول الأحاديث النبوية: "رفع الأصوات في المساجد، وزخرفتها والتباهي بها، وسيادة الفاسق على القبائل، وإمارة السفهاء، حتى يكون زعيم القوم أرذلهم، ويكرم الرجل اتقاء لشره، وتكثر الكتابة وتنتشر، ويكثر القراء ويقل الفقهاء والعلماء، ويكون التماس العلم عند الأصاغر، واكتساب المال باللسان والتباهي بالكلام، وأخذ الأجرة على قراءة القرآن، وظهور الفاحشة والمجاهرة بها، ولعن آخر الأمة أولها".... وتلكم أمثلة موجزة لعشرات الأحاديث، الواردة في متون السنة النبوية الشريفة، تحيل المسلم إلى رصد أشراط قيام الساعة في ما هو عليه من سلوك ومعاملات لا يحتاج معها، لا إلى رزنامة شعب مايا، ولا إلى أقمار النازا، وتخاريف ذلك الدجال الفرنسي نوستراداموس، ليتدبر أولا قيامته الصغرى، قبل أن ينشغل بالقيامة الكبرى التي لا تقوم، بنص الحديث الشريف، إلا على الأشرار من القوم.