انتشرت خلال السنوات الأخيرة على الصعيد الاجتماعي ظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائري، وتتمثل في تسجيل إقبال كبير من قبل الشريحة الشبانية على الزواج عن طريق الانترنت، رغم إدراكهم أنه لا يمثل إلا نوعا من الكسر لكل التقاليد، بل إنهم يعتبرونه فرصة جديدة لاختيار شريك حياتهم بأنفسهم دون أي تدخل من قبل الأهل، والأكيد في كل الأحوال أن انبهار الكثيرين من الناس من مختلف الأجناس والأعمار بالانترنت وإصرارهم الدؤوب على اكتشاف أسرارها ومعرفة خباياها، جعلها تستحوذ على اهتماماتهم، وعبر هذه الشبكة توصلت فئة الشباب إلى نسج علاقات للتعارف مع الآخر وذلك لأغراض تتعلق بالزواج. ما تجدر الإشارة إليه هو أن الظاهرة المذكورة عرفت ظهورها لأول مرة داخل المجتمع الغربي، وقد وصلت فيما بعد إلى مجتمعنا العربي أيضا، ولأن لغة الأرقام كشفت عن تنامي هذه الظاهرة واستفحالها داخل مجتمعنا وتحولها لأمر شائع بين مختلف أوساط الشباب الذين يبحثون عن التعارف بغرض الزواج أو الصداقة، يستدعي الوقوف عندها وتقصي ما يتستر وراءها وما هو معلن في ظاهرة، والحديث عن هذه الظاهرة العصرية التي تطرح نفسها بنفسها وتخط بمفردها آلاف الاستفهامات، سنحاول الإجابة على مجموعة من الأسئلة المثارة حولها، والتي منها ما حقيقتها وما مواقعها، ماهي مواصفات وشروط زبائنها وكذا حالاتها ونسبة نجاحها، وواقعها في أرض وفضاء الجزائري، وسلبياتها وإيجابياتها، ورأي خبراء الإنترنت والرأي الشرعي فيها، وآراء المختصين في علم النفس، ولنا عبر تناولنا لهذا الموضوع أن نقف أيضا عند إستفهامات أخرى منها؛ هل يمكن ضمان نتائج هذا النوع من الزواج؟ وهل الإقبال المتزايد لنشر طلبات الزواج في مواقع على شبكة الانترنت يساهم في معالجة مشكلتي العنوسة والعزوبية؟ لكن قبل الغوص في التفاصيل لابد من الإشارة إلى إحدى طرائف التي حصلت مع إحدى المجربات التي راحت تبحث في مواقع التعارف، وعبرها تعرفت على شخص لتكتشف أنه جارها في السكن وفي العمارة التي تسكن فيها، أليس أمرا يفوق كل درجات الشعور بالإحراج، من كان يتوقع حصول ذلك؟!، فعلا بقدر طرافته بقدر سخرية القدر بمن اتبع مثله سبيلا لإتمام نصف الدين. هكذا ببساطة يتم الزواج الالكتروني «أريد الستر مع ابن الحلال..»، تحت هذا العنوان وعلى هذا النحو تبحث الفتاة الراغبة في "إتمام نصف" عبر ما يسميه البعض ب"زواج السلعة" عن طريق إحدى مواقع الزواج، وأردفته ببعض من مواصفاتها ضمن قائمة العشرات من الشابات الباحثات عن شريك الحياة قائلة: «إني بيضاء البشرة وطولي كذا، ووزني كذا، عيناي عسليتان، شعري أسود حرير، أجيد الطبخ، مرحة، أقدس الحياة الزوجية وختمت إعلانها بالقول: "أرغب بزوج عمره يكون بين20 و24عاما»، قد لا يصدق أحد أن هذه الكلمات ترفع عنك الخجل الذي تقع فيه لحظات الحديث مباشرة مع من تحب أن تفاتحها لأول مرة لتكون شريكتك أو شريكك في المستقبل، لكن مع ثورة الشبكة العنكبوتية يمكن أن تختصر مسافة آلاف الأميال إلى ميل، وتختزل كل سنوات الانتظار ومراحل الزواج التقليدية إلى خطوة واحدة فقط، المطلوب أن تعلن بالطريقة العصرية على الانترنت بمواصفاتك وعن المواصفات التي تريدها في الطرف الآخر«الزوج،الزوجة»..وهو ما يسمى اليوم بالزواج الالكتروني أو الزواج عن طريق الانترنت!!. 18.6 مليون باحث عن شريك في العالم.. لكن شهريا !! وتكشف لغة الأرقام أن عدد الباحثين عن شريك للحياة خلال السنة الفارطة عبر شبكة الانترنت في العالم حسب ما أفادت به شركة «جوبيتر ميديا متركس» الأمريكية وصل إلى 18.6مليون مستخدم شهرياً، وفي أمريكا لوحدها توصلت إلى أن كل شخص واحد من بين خمسة غير متزوجين يلجأ إلى مواقع الانترنت المتخصصة بالزواج للبحث عن "شريك العمر"، كما صرحت أيضا أن موقع «ميك» هو أكثر مواقع "الحب" شعبية، حيث وصل عدد أعضائه إلى حوالي 8 ملايين عضو ينتمون إلى 232 بلداً، ويزدادون بسرعة جنونية ليصل عدد من يدفعون اشتراكات عضويتهم بانتظام فقط إلى ضعف العدد المذكور. ورغم انتشار مثل هذه المواقع المتخصصة بالزواج الالكتروني والتي أدى تزايدها يوماً عن يوم إلى عدم معرفة الرقم الحقيقي لها، إذ أن هناك مواقع عالمية وعربية وإسلامية وأخرى تخص جنسيات محددة أو ديانات أو طوائف معينة، بعضها تمنح حق الاشتراك أي -الإعلان فيها- بصورة مجانيةً مع تقاضي رسوم مقابل إرسال واستقبال رسائل الكترونية، والبعض منها تتقاضى رسوماً شهرية ثابتة، فيما النوع الثالث منها لا يتقاضى أية رسوم مقابل الإعلان فيها عن الزواج، وأخرى مجانية أيضاً، لكنها تخصص مساحة معينة في الصفحة الرئيسية للموقع للإعلان التجاري والتسوق، أما ما تشترطه هذه المواقع للإعلان فيها، فمعظمها تطلب من المعلن أن يفيد بمعلومات أساسية عن طوله ووزنه ومهنته وديانته، وكذلك السمات التي تبحث أو يبحث عنها في الشريك المفترض، وأيضاً تطلب نبذة مختصرة عن المعلن وطلبات أخرى معينة، والبعض من المعلنات والمعلنين يرفقون صورهم مع طلبات الإعلان، وهؤلاء حسب ما تؤكده الاستطلاعات التي أجريت أنهم يحققون نجاحاً أكبر في التعارف مع الآخرين، رغم أن البعض منهم يشعرون بالخجل في بداية الأمر فلا يرسلون صورهم إلاَّ بعد أن يتم الاتصال مع الطرف الآخر عن طريق البريد الإلكتروني. الجزائريون يسجلون حضورهم عبر هذه المواقع بامتياز
تعرف بعض المنتديات والمواقع الخاصة بالزواج إقبالا كبيرا من طرف الجزائريين والجزائريات الذين يعرضون بياناتهم الشخصية وحتى صورهم للظفر بالنصف الآخر، ولا تقل مشاركاتهم بتلك المواقع عن ألف مشارك لكلّ جنس، وتؤكد الأرقام والإحصائيات المحصل عليها أن الجزائريين يشكلون نسبة مرتفعة في مواقع الزواج عبر الإنترنت وبالآلاف، ففي موقع "قران" الذي يرفع شعار الزواج الإسلامي هناك 5 آلاف جزائري و2340 جزائرية مسجلين فيه، وتحتل فيه الجزائر المرتبة الثانية في المغرب العربي بعد المغرب، ثم ليبيا وتونس ب4مشاركين، في حين أن أكبر مشاركة في الموقع ككل كانت من نصيب مصر، متبوعة بالمملكة العربية السعودية، ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية، هذا كما أحصى هذا الموقع المئات من حالات الزيجات التي تمت بين أفراد من 21 دولة عُرض البعض منها بالصور على "النت"، لكن لم يوضح فيما إذا كانت استمرت على نفس النحو الذي بدأت به أو أنها تعرضت إلى مشاكل أنهت الميثاق الغليظ الذي جمع بين الزوجين. أما موقع "مودة" فقد أحصى بدوره 12499 طلب لجزائريين، و5580 لجزائريات بغية الزواج مع عرض البيانات اللازمة، إذ تسمح لنظرائهم أن يأخذوا عنهم فكرة ويحسمون اختيارهم بخصوص تلك العروض، كما تضمّن موقع "نصيب كوم" السعودي 1523 طلب للذكور مقابل 784 طلب للإناث، وتحتل فيه الجزائر المرتبة الخامسة بعد السعودية والعراق ومصر والمغرب، وتضمّن موقع "زواجنا كوم" 2370 طلب بين الرجال والنساء حصة الأسد فيها عادت إلى الرجال.
ارتفاع نسبة العنوسة سبب مباشر في انتشار الزواج الإلكتروني ببلادنا أرجع المختصون في علم الاجتماع وفقا للإحصائيات المحصلة أن أسباب انتشار ظاهرة الزواج الالكتروني تعود في الأساس إلى ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع الجزائري بين الرجال والنساء، والتي وصلت إلى ال47 بالمائة وال53بالمائة على التوالي، ما يعني أن الزواج عبر الإنترنت كان له الوقع الإيجابي من حيث أنه يلغي بصورة كلية الفواصل المكانية إلى جانب أن تكلفته البسيطة، بحيث تمكن العديد من الشباب إلى نسج علاقات هادفة إلى الانتهاء بالزواج من خلال هذا الاتصال الافتراضي، ما يعني أن هذه التكنولوجيا تمكنت من صميم العلاقات الاجتماعية، ويؤكد المختصون دائما أن نجاح مثل هذه الزيجات مرتبط في الأساس بالتربية الأساسية التي تمنحها الأسرة للأبناء، وقد كشف بحث علمي على نجاح زواج عن طريق التعارف الإلكتروني "جزائري 100 بالمائة" بين طالبة من بسكرة وطالب من بجاية، وقد كان في الأساس مبنيا على تبادل الأفكار والآراء، هذا فضلا عن المشاكل الاجتماعية وأزمة المستوى الثقافي، وقد حذر هؤلاء من الظاهرة إذ تستخدمها فئات منحرفة كأداة للإطاحة بفتيات يرغبن في الزواج ليغرروا بهن.
الزواج عبر الأنترنات يفتقد للجدية والمصداقية فاحذروا..
قد تساعد مواقع الزواج على الانترنت في التعارف بين الطرفين وبخاصة في المجتمعات المحافظة، لكن دورها في الزواج لا يرتقي إلى دور الخاطبة المتسم بتوفر الكثير من المصداقية والجدية، زيادة على أنه يتوفر أيضا مقومات الاستقرار والاستمرار لقيامه على أسس ومواصفات معروفة للطرفين مسبقا، في حين أن المعروف لدى عامة المواطنين أن الزواج عبر الانترنت يخضع لمقاييس شكلية بعيدة كل البعد عن الأسس السليمة المطلوبة للزواج المستقبلي الناجح.
شباب اليوم يأتونه كسرا لقيود المجتمع المحافظ وهنا يمكن القول بأن ما يدفع الشاب أو الفتاة للتفكير بالزواج عبر الانترنت أحيانا هو الرغبة في الاختيار بعيداً عن ضغوط الأهل وقراراتهم التي كثيراً ما لا تتلاءم مع طموحات الشاب أو الفتاة في اختيار شريك حياة متآلف ومتفاهم، فقد يكون للأهل نظرة مختلفة عن نظرة الشاب أو الفتاة المؤهلين للزواج، وأبسط سبب لهذا الاختلاف هو الصراع الحاصل بين الأجيال والناجم عن اختلاف المؤثرات التي يتعرض لها كل جيل؛ فالدردشة عبر الشبكة تتيح تبادل الأفكار وقد تتيح شيئاً من المعرفة الشخصية إذا كان الطرفان صادقين، إضافة إلى أن مواقع الزواج على الانترنت قد تساعد في التعارف بين طرفين لا تسمح لهم العادات والتقاليد بالالتقاء المباشر كما هو الحال في المجتمعات المحافظة.
خبراء الأنترنت يحذرون من الوقوع في مصيدة مواقع الزواج يؤكد خبراء الإنترنت أن الخطر في عالم زواج الانترنت هو الوصفة الافتراضية، أي أن الخطر يكون في النقطة التي سيتم فيها التلاقي بين ما هو افتراضي وما هو حقيقي، فوقتها فقط -حسبهم- يبدأ الصراع الداخلي الذي ينتصر فيه الحقيقي على الافتراضي.. لكن بعدما يكون هذا الأخير قد حقق مجموعة من الخسائر للطرفين دون أن يدريا.. والذي يعترف به هؤلاء لا يستثنون وجود قصص وأمثلة لهذا الزواج نجحت واستمرت حياتهما، ولم يشعر أي من الزوجين المتعاطين مع هذا الزواج أنه قد تورط. مختصو "السوسيولوجيا" يرون أن خطورته تكمن في التعلق بالانترنت من جهتهم أكد مختصون في علم الاجتماع أن الزواج عن طريق الانترنت يختلف مائة بالمائة عن الزواج المتعارف عليه والمعمول به في المجتمع، أي أنه في بداية التعارف يكون الشاب افتراضي أو الفتاة افتراضية، ولا يعرفان شيئا عن بعضهما بعض مطلقا، وتبدأ عملية التواصل عبر جهاز الحاسوب وعبر الشبكة وعبر المراسلات، وتبدأ عملية الجيل الافتراضي تنتقل إلى جيل حقيقي عن طريق الصور وتبادل المعلومات ويتطور التعارف إلى تبادل اللقاءات. ويرى هؤلاء أن الخطورة من زواج الانترنت تكمن في التعلق بالانترنت، فبعد زواج الانترنت ماذا يضمن للزوجة أن يترك زوجها تعلقه بالانترنت، أو أن يبحث عن زوجة أخرى عن طريق الانترنت، بالإضافة إلى أن الجيل الافتراضي الذي عاش معه لفترة من الزمن قبل الزواج ويكون الشخص قد استمتع معه عبر الحديث وتبادل المعلومات والصور والحديث المطول أكثر من الزواج، لأنه فعليا تمت عملية الزواج وانتهت عملية الجلوس خلف الحاسوب لساعات طويلة للبحث عن حبيب، ولا يكون الزواج عن طريق الانترنت بحد ذاته هو الهدف الرئيسي بل يكون هناك أهداف أخرى وغايات أخرى بين الطرفين.