بعد 48 ساعة من تصريحات الأمين العام لجبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم عن الحاجة إلى تعديل جذري للدستور خرج شريكه في التحالف الرئاسي رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني ليتبنى المطلب ويذهب أبعد من ذلك في التفاصيل حول شكل النظام الذي يجب أن تأخذ به الجزائر في المرحلة القادمة. سلطاني قال في كلمة ألقاها أمس لدى افتتاح أشغال الندوة الوطنية للاستشراف التي نظمتها حركة مجتمع السلم أنه «في ظل التحولات المتسارعة في الوطن العربي كله صار»، مؤكدا أنه «من المصلحة الوطنية المبادرة بمراجعة شاملة للدستور تشمل على وجه الخصوص أربعة مطالب ملحة»، وقد لخص المطالب في «الانتقال بشكل واضح إلى النظام البرلماني والفصل الواضح بين السلطات بالإضافة إلى الاكتفاء بعهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة مع إطلاق الحريات وفي مقدمتها الحريات السياسية والإعلامية والنقابية». وفي حديث لوكالة الأنباء الجزائرية نشر أمس عاد رئيس حمس إلى انتقاد شريكيه في التحالف الرئاسي، ودعا مجددا إلى ترقية هذا التحالف إلى شراكة سياسية، لكن من الواضح أن حركة مجتمع السلم تشعر بأن تعديل الدستور يتكرس كخيار سياسي في المرحلة المقبلة وهو ما يكون قد استنتجه من حديث «بلخادم» رغم أنه لم يترك أي انطباع بأن الأمر يتعلق بخطة متفق عليها بين أحزاب التحالف الرئاسي والتي تكون قد حصلت على موافقة الرئيس سلفا. قبل «سلطاني» كان بلخادم قد قال «إنه ينبغي أن نفكر جديا في تعديل جذري للدستور خاصة وأن هناك أحزاب وشخصيات تطالب بهذا التعديل»، مبررا هذا المطلب بأن «دستور 1996 وضع في ظروف معينة لم تعد الجزائر تعيشها»، غير أنه اعتبر أن عملية تعديل الدستور «لابد وأن يحصل بشأنها توافق سياسي بين كل القوى السياسية بناء على مبادرة من رئيس الجمهورية الوحيد الذي له صلاحيات القيام بتعديل الدستور»، وفي مقابل هذا أسهب «سلطاني» في الحديث عن إشراك الجميع في هذه العملية دون تركيز على الجانب الإجرائي الذي يحدده الدستور الذي يعطي صلاحية اقتراح التعديل للرئيس، غير أن هذا لا يخفي توافقا أساسيا بين الأفلان وحمس حول مسألة أساسية وهي أن الإصلاح يجب أن يكون دستوريا وهادئا وسلسا، وقد عبّر عن هذا الأمر سلطاني بقوله «إن الحركة لا تدعو إلى رحيل النظام وإنما تطالب بإصلاح الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي». هذه هي الأرضية التي يبدو أنها أصبحت منطلقا للمسعى الجديد الذي بدأ يتبلور، ومن الواضح أن الأمر يجري تقديمه على أنه مبادرات حزبية تعبر عن رأي الجهة التي صدرت عنها، وهو ما يخلق الانطباع بأن مطلب تعديل الدستور يجد مزيدا من الأنصار على الساحة السياسية وهو الأمر الذي ركز عليه بلخادم، ثم هناك تجنب طرح الفكرة باسم أحزاب التحالف الرئاسي لأن ذلك سيولد الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بمبادرة للسلطة. وإذا كان التوافق ظاهرا حول المبدأ في حد ذاته فإن التفاصيل ستثير مزيدا من الجدل لأن تصريحات سلطاني تنقلنا إلى طرح السؤال التالي وهو أي دستور نريد، فرئيس حمس لم يتردد في تقديم البديل المفصل من خلال الحديث عن الانتقال إلى نظام برلماني وتحديد عدد الفترات الرئاسية والفصل بين السلطات وإطلاق الحريات، وهذه المسائل قد تكون عناوين لنقاش وطني يبدو أن هناك إرادة لإطلاقه، لكن المؤكد أيضا هو أن مشروع الرئيس لتعديل الدستور، وهو المشروع الذي يدعمه الأفلان بوضوح وقدم رؤية بخصوصه، يتناقض من حيث الجوهر مع ما يذهب إليه رئيس حمس، فبوتفليقة أبدى عدم اقتناعه بالدستور الحالي وكانت النقطة الأساسية التي اعترض عليها هي أن الدستور الحالي قبل تعديل نوفمبر 2008 يجعل السلطة التنفيذية برأسين هما رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وهو ما يعني أن النظام السياسي هجين لأنه برلماني ورئاسي في الوقت نفسه، والخيار الذي يميل إليه «بوتفليقة» هو نظام رئاسي محكم قريب من النموذج الأمريكي أكثر من قربه من النموذج الفرنسي، وقد جاء تعديل نوفمبر 2008 ليؤكد هذا التوجه، فقد تم إلغاء منصب رئيس الحكومة الذي عوضه منصب وزير أول الذي تكون وظيفته هي تنفيذ سياسات الرئيس، ومن الناحية العملية عمد «بوتفليقة» إلى تعيين رئيس حكومة أو وزير أول من غير حزب الأغلبية إمعانا في استعمال صلاحياته الدستورية التي تجعله في حل من مراعاة نتائج الانتخابات التشريعية لدى اختيار الوزير الأول. هذا التناقض بين مطلب سلطاني ومذهب بوتفليقة هو الذي يفتح باب النقاش، ومن الواضح أن الرهان في العملية سيكون حول كيفية صياغة التعديلات، وهل سيتم ذلك عبر لجنة تقنية تأخذ في الاعتبار تصورات الرئيس وحده، أم يكون من خلال فتح نقاش سياسي تشارك فيه النخب السياسية والإعلامية والمثقفة ويكون بمثابة حوار حول الوجهة التي يجب أن تأخذها الجزائر في المرحلة القادمة، وإذا كان خيار النظام البرلماني هو الطاغي في المنطقة والأكثر استجابة لمطالب المرحلة الحالية فإن تفاصيل كثيرة سيتعين بحثها خلال الأشهر المقبلة خاصة وأن المحيط الإقليمي يتغير بسرعة كبيرة وبشكل يؤثر على ما يجري في الداخل.