(تابع) ما كان مني سوي أن ذهبت إلى فيرمة ميشال لأقابل سي عزوز، دخلت المزرعة والخوف يطاردني من كل ناحية ، خفت من أن يطردني العساس و لم أحقق ما جئت من أجله . أخذت أنظر في كل جهة وإعجاب كبير يستبد بي ، على النعم الكثيرة المتراكمة هنا وهناك، والناس في الدوار يتضورون جوعا ... و فجأة رأيت حصانا يأتي نحوي مسرعا ..ابتعدت عن الطريق ، ليتوقف أمامي وصهيل الحصان يخرب سكون المكان.. ليصرخ صاحب الحصان في وجهي : ماذا تفعل هنا ؟ أزحت مظلا من الحلفة كان على رأسي... أبحث عن عمل يا سيدي.. لم أكن أعلم أنني أكلم القاورى ميشال شخصيا فقد كان رجلا شديد التكبر .. رد علي معاتبا : و من قال لك أننا نريد عمالا إذهب من هنا أيها الأحمق ، و أخذ يصرخ عمار ،عمار ...أين هذا الكلب ..كيف تترك مثل هذه الأشياء تدخل مزرعتي كنت بالنسبة له شيئا مثل باقي الأشياء المترامية في مزرعته الواسعة .. بقيت في مكاني لا أتحرك و رأسي كالنعامة مغروسة في الأرض ،ومضي بحصانه لأعاود طريقي مخذولا و لكنني أصدم بصيحاته كالخنزير تناديني من بعيد : تعال ، ملوحا لي بيده ... ذهبت إليه مهرولا .. قلت أنك تبحث عن عمل (قالها ويده تقيسني في حقارة) نعم يا سيدي نظر إلي نظرة غريبة و قال : ابن من أنت قلت : ابن الشيخ مصطفي قال : آه ، ثم ردد .. إتبعني ، و توجهنا نحو الكوري -الإسطبل- نزل من على فرسه وقال : حفيظ ، يا حفيظ جاء الشيخ مسرعا ... اسمع هذا الفتي.. من اليوم فصاعدا سيعمل هنا معك ، نظر إلي قليلا ثم انصرف ... علمني الشيخ حفيظ كيف أروض أجساد الخيول ...لتمر الأيام في هذا المكان التعيس أقضم سكوتي عن عبوديتي.. لم أكن حينها قد تعلمت دروس الثورة كانت أحلامي لا تتجاوز لقمة العيش التي كنت أعود بها للأفواه التي تنتظرني كل مساء ..رضيت بالقليل مقابل سذاجتي وضعف أحلامي واجتهدت في عملي حتى صرت مروض خيول من الطراز الأول ، كان القاوري ميشال يفتخر بخيوله أمام زملائه و أصبحت مزرعته مقصد الجميع كما أصبحتُ مطمعا من أصحاب النفوذ يستشيرونني في أمور خيولهم و كل ذلك يتم على عين السيد ميشال ... قربني السيد منه إلى درجة أنني أصبحت أدخل بيته...بل أكثر من هذا.. أكلت معه في مائدة واحدة ، ليس حبا في وإنما حبا في مهارتي في ترويض الخيول التي تدر عليه أموالا كثيرة.. لا أنكر أن قربي منه ضاعف رزقي ، حتى فاضت على بيتنا النعم و أصبحت بفضل الله أعيل كل من له حاجة ..وأصبحت أمي تعطي مما أجلبه للبيت إلى الجيران وكم كانت سعادتي كبيرة حينما يناديني أهل القرية ب"سي قادر" ليست سعادة باللقب و إنما اعتزازا في أنني أساهم في رفع الغبن بما استطعت ...صرت أدخل بيت السيد ميشال كلما أردت ذلك ...لتبدأ فصول مسيرة جديدة كان اليوم مكتحلا بالسواد حين أخذني الشوق إلى الخروج ..منذ شهور لم أشاهد الناس تتحرك أمامي لحما وشحما ..ظللت مدة مكتفيا بالصور ..ما أتعس الصورة التي تفقد معها روح الإنسان الذي يسري داخلنا .. لقد قررت أن أجرَّ كرسي الإعاقة إلى مقهى السي عمار كان صديقا لي في الثورة ...لم أشاهده قبل أربعة أشهر ..حين أحضر لي تلك الأوراق لأوقعها له ...لقد أصبح أنصاف الناس يتهافتون للحصول على شهادات المشاركة في الثورة ..من أجل الحصول على تسهيلات الحياة ..أخذت طريقي إلى تلك المقهى لأجد الناس يتحركون والخوف يسكن أجسامهم الضعيفة ..ما إن رآني السي عمار حتى حضر مهرولا ترك وراءه زبائنه ...تسبقني منه كلمات الترحيب .. أهلا يا سي قادر وشراك .. أرد عليه ..بخير و أنتم كيف حالكم .. كيما راك تشوف يا سي قادر .. أجلس مستندا على إحدى الطاولات ، لأرتشف قهوتي بل خيبة خروجي ..لقد تحلق من حولي عدد من الشيوخ الذين يردونني أن أوقع لهم أوراق مشاركاتهم في الثورة ..هكذا هي الحياة حين تفقد حميميتها نصبح قلاعا شاهدة على تاريخ لم يكن يحسب لنفسه هذا الرُّخس ... فجأة بدأ رذاذ المطر يعاشر الأرض في عنف جنوني .. يتبع