يشك سكان «أبوت آباد» الواقعون تحت صدمة أحداث متسارعة انتهت ب «مقتل أسامة بن لادن» الذي كان موجودا في مدينتهم وهم متذمرون مما يسمونه "مسرحية أمريكية" تم تنفيذها مرة جديدة في باكستان. إنها مدينة بسيطة، كانت في منأى عن أعمال العنف التي شهدتها سائر إنحاء باكستان خلال السنوات ال10 الأخيرة، ووجدت نفسها محط أنظار العالم ويعيش فيها مجتمع مستعد على الدوام لتقبل نظريات تشير إلى المؤامرات الأمريكية وكالات أنباء اقتربت من بعض سكان هذه المدينة ونقلت لنا انطباعاتهم. إن أغلبهم يستبعد أن «بن لادن» الذي كان يعتقد بأنه في قرية نائية في المناطق القبلية شمال غرب باكستان، كان يقيم في المدينة خصوصا وأنه على بعد أقل من كيلومترين، حيث يدرب الجيش الباكستاني كل يوم آلاف المجندين في أكاديمية «كاكول» العسكرية. محلل سياسي من إسلام آباد اسمه «امتياز غول» قال: "طالما أن الأمريكيين لن يقدموا أدلة" على مقتل «بن لادن» "لن تزول الشكوك" خصوصا في باكستان. ربما لدى هذا المحلل قناعة بأن الباكستانيين هم أكثر الشعوب تشكيكا بما تقول أمريكا. لكن الحقيقة أن أغلبية الناس في هذا العالم يسعدهم أن يشككوا، فحسب كاتب اسمه «داميان تومسون» علق في صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية على مقتل أسامة بن لادن، وكانت محصلة تعليقه أن "عدم وجود جثة أو صورة أو دليل من الحمض النووي حتى الآن أمر يفتح المجال لسيل من نظريات المؤامرة. هذا الكاتب لديه قناعة أن "العالم الإسلامي متقبل بطريقة مثيرة للدهشة لما يسميه (المعلومات الزائفة)". ويذكرنا أن معظم الناس في الدول الإسلامية يشككون في أحداث الحادي عشر من سبتمبر والملايين منهم يعتقدون بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الأحداث كانت من تدبير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ويضيف: مستشهدا بعلماء الاجتماع "أن المتطرفين السياسيين والدينيين يتبادلون بسعادة نظريات المؤامرة، بصرف النظر عن مصدرها". الكاتب ذاته يشك فقهو يشير في مقاله بصحيفة «ديلي تلغراف» إلى ما قاله سفير بريطانيا السابق في واشنطن، «السير كريستوفر ماير»، ردا على ما ورد في الأخبار عن تلك النظريات بأنه لا يُعقل أن يخرج الرئيس الأمريكي على الملأ ليعلن للعالم أن بن لادن مات، دون تقديم دليل على وفاته. وأضاف «ماير» أنه سيكون هناك دليل -مصور أو للحمض النووي- لإثبات عدم وجود شبح لأسامة بن لادن يجوب جبال «تورا بورا». الكاتب لا يجد أفضل من عبارة "هذا صحيح" فمن غير المعقول أن تعلن أمريكا وفاة أعتى أعدائها بدون تقديم الدليل المقنع لأي إنسان عاقل. لكنه عبر عن دهشته لعدم تقديم هذا الدليل حتى الآن. وتساءل مضيفا لماذا سمحت بدفن جثة بن لادن في البحر؟ وهل أمريكا بهذه الحساسية حقا تجاه طقوس الدفن الإسلامية حتى أنها مستعدة لتقديم هذه الهدية لأصحاب نظريات المؤامرة؟.. وختم «تومسون» بأن وفاة «بن لادن» أمر يمكن للرئيس باراك أوباما أن يعتز به، لأنه سيفيده سياسيا. لكن اليمين الأمريكي في مزاج غريب في الوقت الحالي، كما تبين من اهتمامهم الشديد بشهادة ميلاد أوباما. وهذا التناقض بعينه استمر لسنوات، والفضل في ذلك يرجع إلى معارضة الرئيس الغريبة لنشر الوثائق ذات الصلة حتى الأسبوع الماضي. لكنه لا يحتمل مثل هذا التأخير عندما يتعلق الأمر بتقديم دليل إثبات على وفاة أسامة بن لادن يا معشر سكان البيت الأبيض ابدؤوا العمل.. الكل يشك إذن؛ سكان «أبوت آباد» يشككون، والباكستانيون جميعهم يشككون والكاتب «داميان تومسون» وسفير بريطانيا السابق في واشنطن وقد يصل الأمر إلى ظهور أصوات من الجمهوريين يشككون في مقتل «بن لادن». صحيفة «نيويورك تايمز» كشفت عن كيفية تسريب إعلان مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بأنه جاء مقتضبا بعد الساعة 9.45 مساء الأحد (بتوقيت واشنطن) من مدير الاتصالات في البيت الأبيض «دان فايفر» الذي كتب على موقع «تويتر» أن "رئيس الولاياتالمتحدة سيتحدث إلى الأمة الليلة في العاشرة والنصف" بالتوقيت الشرقي، مشاركا نفس الرسالة التي تم إرسالها إلى صحفيي البيت الأبيض. ووفقا لمذيع برنامج أخبار «أن.بي.سي» المسائية «براين وليامز»، تلقى بعض الصحفيين رسالة إلكترونية من كلمتين فقط هي "ابدؤوا العمل". ولم يعرف مذيعو التلفاز الرسمي ورؤساء تحرير الصحف في البداية أن الرئيس أوباما سيعلن مقتل «بن لادن»، ذلك التطور في الحرب التي دامت عشر سنوات ضد الإرهاب والتي شنتها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها. لكن المراسلين في واشنطن شكوا على الفور في أن الإعلان يمكن أن يكون عن بن لادن. ولم يُذع هذا التكهن على التلفاز فورا، لكنه انطلق على موقع «تويتر» ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى. وترددت أمنية وفاة بن لادن عبر الإنترنت، ثم في الساعة 10.25 مساء، بينما كان أوباما يكتب خطابه بدت رسالة «تويتر» محددة تؤكد الأمر. وكتب «كيث أوربان» رئيس أركان وزير الدفاع السابق «دونالد رمسفيلد» وقتها "لقد أبلغني شخص مرموق بأنهم قتلوا أسامة بن لادن.. وافرحتاه". وأضاف «أوربان» بسرعة "لا أعرف إذا كان الأمر حقيقيا، لكن دعونا نرجو ذلك". وقالت الصحيفة إن كثيرين أرجعوا الفضل إليه لنشر هذا الخبر على الإنترنت رغم أنه لم يتوفر لديه معلومات مؤكدة. وخلال دقائق بدأت مصادر مجهولة في وزارة الدفاع والبيت الأبيض تبلغ الصحفيين بنفس المعلومة. وقطعت محطات «إي.بي.سي» و«سي.بي.أس» و«أن.بي.سي» برامجها في كل أنحاء الدولة في نفس اللحظة تقريبا في الساعة 10.45 مساء لتبث الخبر. وقالت مراسلة محطة «أي.بي.سي نيوز»، «مارثا راداتز» "نحن نسمع ابتهاجا كاملا في كل الحكومة". وقال «برايان وليامز» إن القصة بدأت تتسرب إلى العلن عندما بدأ مسؤولون في الكونغرس بإجراء مكالمات هاتفية. وأشارت الصحيفة إلى أن خطاب أوباما الذي كان مقررا له الساعة 10.30 مساء تأخر عدة مرات، وقالت محطة «سي.أن.أن» إنه كان يكتب الخطاب بنفسه. وفي الساعة 11 مساء لم يكن قد بدأ الحديث بعد، لكن الأخبار كانت تنتشر بسرعة البرق حول العالم. وفي هذا الوقت كان هناك أكثر من ست رسائل على موقع فيسبوك بكلمة «بن لادن» كل ثانية. وأعلن موقع «نيويورك بوست» "لقد نلنا منه". وتجمع الأمريكيون في أنحاء البلد حول أجهزة التلفزيون لاستيعاب الخبر. وقال مراسل شبكة «أن.بي.سي»، «ريتشارد إنجيل» إن "هذا الحدث ينهي فصلا في الحرب العالمية على الإرهاب الذي تحدى جيلا كاملا". وقالت الصحيفة إن أوباما أكد مقتل «بن لادن» في الساعة 11.35 مساء. وكان هناك على الفور تكهنات في وسائل الإعلام بشأن ما إذا كانت إدارة أوباما ستقدم دليلا على الوفاة. وبعد منتصف الليل مباشرة عرضت قناة الجزيرة الإنجليزية صورا حية لجماهير غفيرة خارج البيت الأبيض تهلل "أمريكا.. أمريكا لا عملية عسكرية ولا هم يحزنون الكاتب «محمد هجرس» نشر مقالا شيقا في «ميدل ايست أون لاين» تناول فيه "الطريقة المثيرة التي صاحبت الإعلان" وشبهها بتلك العمليات التي تتم على يد «رامبو» أو «سوبرمان»"معتبرا أنها "تثير الكثير من الشكوك، وأضاف: "هذا السيناريو الأمريكي يعيدنا لسيناريو القبض على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.. وما قيل حوله من حقائق أو أكاذيب". ومع ذلك، فإن التساؤل حسب وجهة نظر الكاتب عن الخوف الأمريكي من أسامة بن لادن وهو ميّت، مثل رعبها منه وهو حيّ، يبقى مشروعاً، خاصة في ظل حالة الغموض التي شابت عملية التخلص من بن لادن، ولن يكون إجابة عن السبب في استعجال مراسم دفنه في البحر من على ظهر حاملة طائرات أمريكية في شمال بحر العرب، والتخلص من الجثة،.. دون حتى صورة واحدة، وأعادنا الكاتب لتلك "الصور التي بثتها القوات الأمريكية لمشاهد جثماني ابني صدام، عدي وقصي تأكيد لمصداقيتها". وفي معرض تفصيله لملابسات مقتل «بن لادن» ذكرنا «محمد هجرس» أن "العملية تمت عند الساعة 4:30 فجراً بتوقيت غرينتش، أي 7:30 من صباح الاثنين بتوقيت مكةالمكرمة، وانتهت عند 8:10 دقائق على اعتبار أنها استغرقت عدة ساعات حسب الرواية الباكستانية، و40 دقيقة حسب الرواية الأمريكية، التي اعترفت بأنها احتفظت بالجثمان، وفي رواية أخرى تقول واشنطن أنها نقلته لإجراء تحاليل ال «دي أن أي» التي عادة لا تستغرق أقل من 24 ساعة" واعتمد الكاتب على "فرضية نقل الجثمان للأراضي الأمريكية، أو الاحتفاظ بها في مكان ما في باكستان" فرأى إن "ذلك سيستغرق ما لا يقل عن 7 ساعات"، وأضاف إذا أخذنا في الاعتبار أيضاً رواية إعادة الجثمان لدفنه في بحر العرب، فإننا سنكون على الأقل أمام ما لا يقل عن 38 ساعة" وطرح سؤال الشك الكبير: "كيف لنا أن نفهم التوفيق بين أوقات الاغتيال والنقل والتحاليل والدفن في البحر في أقل من 12 ساعة، وهو ما ينسف مصداقية الرواية الأمريكية بالكامل وخلص «محمد هجرس» في تحليله لهذا العنصر أن "أمريكا أمام رواية أخرى، ربما تكون سرّية للغاية، ومبهمة، تعيدنا لنفس ما سبق من روايات عن ملابسات اعتقال صدام حسين.. وملخص هذه الرواية، حسب خبير استخباراتي أنه لا عملية عسكرية ولا يحزنون، وأن بن لادن، توفي في ظروف غامضة، ربما قبل أشهر أو أسابيع، وأن الولاياتالمتحدة ربما تكتمت على الخبر، بعد أن علمت به مؤخراً، ولكي تضفي على نفسها صفة البطولة، سار السيناريو بنفس الطريقة التي أعلن عنها.. لاستغلالها سياسياً في سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي قال مسؤولون أمريكيون أنفسهم، أن هذه العملية نفسها، والإعلان عنها بمثل هذه الطريقة، قد ضمن للرئيس أوباما 4 سنوات أخرى جديدة على مقعد الكرسي الأبيض الكل إذن يطلق شكوكه ولا مجال أمام إدارة أوباما إلا أن تخبرنا عما حدث فعلا، وإلا فإن إنجاز مقتل «بن لادن» سينقلب كالسحر على الساحر وتكون النهاية عكسية