شواطئ الطارف تتزين بزجاجات الخمر وعلب العصير رغم الاستعدادات التي أعلن عنها المسؤولون لإنجاح الموسم السياحي، إلا أن الأمر على أرض الواقع يختلف، حيث كشف تقارير أن السلطات الوصية تستغل أقل من 38 بالمائة من الشريط الساحلي للجزائر الذي يزيد طوله عن 1200 كيلومتر، في حين تبقى الكثير من الشواطئ مهملة وغيرمهيأةلاستقبالالملايينمنالمواطنينوالمهاجرينوالسياح، أما بالشواطئ المتوفرة فالأسعار الملتهبة وغياب الخدمات تُنفر السياح، وتؤكد المعاينة الميدانية أن الجزائر لا زالت تفرط في «ثروة حقيقية» يمكن أن تتحول إلى دعامة أساسية للاقتصاد الوطني، وبإمكانها استقطاب السياح الأجانب أمام الظروف الذي تمر بها عدة دول في حوض المتوسط كانت إلى وقت قريب وجهة سياحية عالمية. هيئت السلطات الوصية 62 شاطئا إضافيا خلال موسم الاصطياف الجاري، في ظل التوافد الكبير للمصطافين الجزائريين سواء المقيمين داخل الوطن أو المهاجرين العائدين من أرض الغربة، إلا أن حالة الاكتظاظ بالشواطئ والمنافذ المؤدية لها، ظلت الصورة السائدة المميزة لشواطئنا في ظل قلة عددها مقارنة بالطلب والتوافد المتزايد عليها، خاصة في ظل عزوف الكثير من العائلات الجزائرية على قضاء عطلتها في دول الجوار، حيث لم تتجاوز عدد الشواطئ المهيئة والمؤهلة لاستقبال المصطافين 209 شاطئ عبر كامل الولايات ال14 الساحلية. أشارت تقارير رسمية إلى أن الشريط الساحلي الجزائري البالغ طوله 1200 كيلومتر، والممتد من بلدية "القالة" بولاية الطارف وشواطئها العذراء ومحمياتها الطبيعية، في أقصى الحدود الجزائرية التونسية إلى غاية الغزوات وشواطئها، التي يستقطب جمالها كبار رجال السياسة والأعمال بالحدود الجزائرية المغربية، يشتمل على 551 شاطئا للاستجمام منها 193 شاطئا ممنوعا ومهملا، بينما تعاني الشواطئ المفتوحة المتبقية من عدم التهيئة، حيث تحصي 25 شاطئا 8 فقط مفتوحة أمام المصطافين، وجميعها غير مهيئة ولم يكلف أميار بلديتها نفسهم حتى عناءمنححقالامتيازللراغبينفيتهيئتهاواستغلالها ويشتمل الشريط الساحلي لعاصمة البلاد على أكبر عدد من الشواطئ ب84 شاطئا، 20 شاطئا منها تمنع السباحة به لخطورتها وكثرة الصخور الرملية، في حين رخصت السلطات المحلية بالجزائر العاصمة بالسباحة في 64 المتبقية لكثرة الإقبال والضغط على العاصمة، إلا أنها لم تهيأ إلا 4 منها لاستقبال المصطافين، في حين بقيت الستين بلدية الأخرى مهملة في صورة شبه شواطئ، كما تتوفر عنابة على27 شاطئا تعد أغلبها من أجمل شواطئ البحر الأبيض المتوسط، إلا أن المصطافين لا يرتادون إلا أربعة منها باعتبارها الوحيدة المهيئة لاستقبال المصطافين، في ظل منع السباحةب7منهالخطورةالسباحةبها،ومعاناةال16المتبقيةمنالإهمالوالفوضى. قامت "الأيام" بجولة لبعض شواطئ شرق العاصمة، شملت «ليكانديان، ديكابلاج وسيركوف»، حيث وقفت على الكثير من النقائص التي تعكر صفو المصطافين، وخاصة انتشار السلوكات العنيفة وقلة الخدمات التي تؤكد انعدام الإرادة للنهوض بقطاع السياحة، أين اشتكت الكثير من العائلات من انتشار السلوكات العنيفة على مستوى شواطئ شرق العاصمة، حيث وقفنا نهاية الأسبوع الماضي على مظاهر تعكس تدهور المنظومة القيمية بالمجتمع وانعدام ثقافة الاصطياف والاحترام. كشف هذه الوضعية الكثير من الشباب الذين يأتون جماعات جماعات لا يتوقفون عن إطلاق الكلام البذيء في كل لحظة، ولا يأبهون بوجود العائلات والنساء اللواتي غالبا ما يغادرن الشواطئ مكرهات، ويضاف إلى هذا السلوك العنيف انتشار ظاهرة اللعب بالكرة والجري العشوائي، وهو ما يسبب الكثير من الإحراج والفوضى خاصة وأن الإقبال كبير على هذه الفضاءات الشاطئية، إلى درجة أن العثور على مكان للجلوس صعب للغاية، وما يزيد من معاناة الوافدين، انعدام الخدمات بهذه الشواطئ وإن وجدت فهي رديئة وبأثمان باهظة، فبعض الشباب الذي يستثمر في كراء الشمسيات والكراسي يبتزون المصطاف من خلال تحديد أسعار تتراوح ما بين 150 و250 دينارا لبعض الساعات، مستغلين كثرة الطلب عليها خاصة في ظل الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة، واعتبر المصطافون وضعية الشواطئ بالفوضوية، ولم تتغير في أي شيء وحتى الخدمات فهي ضعيفة جدا. وتغيب محلات المأكولات بصفة شبه كلية، عدا بعض البنايات الفوضوية التي تحولت لبيع الأكل بصورة سيئة للغاية، في ظل انعدام النظافة، وأطلعنا على مشهد مريب حيث المياه القذرة تمر قرب تلك المحلات دون حسيب ولا رقيب، وتنتشر في هذه الشواطئ ظاهرة بيع المأكولات من قبل الأطفال، وهو ما يعرض حياة المصطافين للخطر في ظل تعرض المنتجات لأشعة الشمس طيلة اليوم، ويصطدم المواطن الذي يقصد شواطئ شرق العاصمة بانعدام التهيئة فالطرقات ضيقة تجعل المصطاف يقضي أكثر من ساعة للخروج من محيط البحر، في ظل الازدحام وكثرة الوافدين بالسيارات، أما حظائر السيارات فهي غير مجهزة وفي أغلب الأحيان أراض زراعية تفرز الغبار والطين، وهو ما يدفع إلى السؤال عن الإجراءات التي تحدثت عنها عديد الجهات قبل بدء موسم الاصطياف، عن توفير كل الظروف الملائمة لإنجاح الموسم، ونذكر أن الشواطئ موجودة تحت حراسة مصالح الدرك الوطني التي تنتشر بأعداد لا تتوافق وكثرة المصطافين، والحقيقة أنه مهما انتشرت قوات الدرك والشرطة فلن تستطيع الوقوف عند رأس كل مصطاف، لأن النقائص نابعة من انعدام ثقافة المواطنة والسلوك السياحي، الذي يحتاج لسنوات وعقود لترسيخه بعيدا عن الصالونات والرحلات الموجهة.
تشكو معظم شواطئ ولاية الشلف الممتدة على أكثر من 120 كيلومترا من قلة النظافة، وانتشار الفضلات والأوساخ وعدم احترام المتعاملين الاقتصاديين لدفتر الشروط، الذي يدرج النظافة كأهم بنوده الأساسية، إلا أن هذه النقطة نادرا ما تحترم لعدم وعي المتعاملين بأهميتها في الجذب السياحي، حيث تحولت معظم شواطئ الولاية في الآونة الأخيرة، إلى أماكن لتنفير المصطافين والسياح، بعد حالات الإهمال والفوضى التي أصبحت عليها هذه الشواطئ، التي كانت إلى وقت قريب القبلة المفضلة لكثير من المصطافين والسياح من خارج الوطن، وخاصة من المغتربين الجزائريين بأوروبا، الذين كانوا يتوافدون بكثرة على شواطئ "تنس"، "بني حواء" و"المرسى" على حساب الكثير من شواطئ الوطن، لما يعرف عنها من نظافة، هدوء وتوفر الأمن.
كارثة إيكولوجية في الأفق بسبب غياب تصور سياحي
هذا باستثناء شواطئ تعد على أصابع اليد الواحدة، تقع بمنطقة "المرسى" والمعروفة بشواطئ "سيدي عبد الرحمن"، "الداتي" و"المالح"، فإن بقية شواطئ البلديات الساحلية ك"بني حواء"، "تنس مركز" و"وادي قوسين" تشكو الانتشار الفظيع للأوساخ وتراكم القمامات، بالإضافة إلى نقص وغياب الخدمات اللازمة لراحة المصطافين في معظم شواطئ الولاية الممتدة على 24 شاطئا على امتداد 120 كيلومترا، بعدما تم منع
الموسم السياحي مهدد بالفشل في ظل انعدام مطاعم، مراحيض ومرشات
ورغم هذا التسيير "الاحترافي" كالذي شرعت في تطبيقه مديرية السياحة، إلا أن لاشيء يدل على ذلك بدليل غياب الكثير من المرافق الضرورية اللازمة في أي شاطئ، كخدمات الإطعام، المقاهي، المراحيض العمومية أو المرشات، ناهيك عن الغياب التام لنظافة الشواطئ، فكثرة الأوساخ وتراكمها بالقرب من هذه الشواطئ بالإضافة إلى الفوضى التي تطبع التسيير العشوائي لهذه المرافق السياحية، جعل الولاية تفقد شيئا فشيئا مكانتها السياحية بين المدن الساحلية، ويكاد الأمر يكون سيان بين مختلف شواطئ الولاية، الممتدة من "بني حواء" شرقا إلى "المرسى" غربا، فكثيرا ما يضطر المصطافون إلى الذهاب إلى مركز المدينة، من أجل جلب قارورة ماء أو شراء ما يلزمهم من ضروريات، وكان كثير من المواطنون بالولاية متفائلون خيرا بطريقة التسيير الجديدة التي انتهجتها مديرية السياحة وأملاك الدولة، وذلك من خلال منح رخص استغلال الشواطئ لمحترفين في القطاع عن طريق دفتر شروط، يتضمن الالتزام ببنود متعلقة بتوفير الخدمات الضرورية، المحافظة على البيئة السياحية والثروة الغبية، فضلا عن تحميل المستثمر ترميم المرافق الموجودة وتهيئة الشواطئ والحظائر التابعة لها.
ضعف الاستثمار السياحي زاد الأمور تعقيدا
في سياق مواز يتحجج الكثير من المتعاملين في الميدان، بغياب المرافق الضرورية بشواطئ الولاية نتيجة الإهمال الذي طبع المنطقة سنوات العشرية السوداء، فضلا عن غياب الاستثمار في الميدان بفعل تردي الأوضاع الأمنية بالمنطقة، ولم يولى هذا القطاع العناية اللازمة إلا مؤخرا من خلال إشراف مديرية السياحة ومديرية أملاك الدولة، بالإشراف على تسيير هذه المرافق باعتبار أن الشواطئ تعتبر من أملاك الدولة، لذا تعيّن على الجهات المركزية سحب التسيير من الجماعات المحلية، التي اتهمت في السابق بالتسيير العشوائي وغير المنظم، بالإضافة إلى الفوضى في كراء الشواطئ والمخيمات العائلية المشهورة بالولاية، والتي تقارب 24 مخيما عائليا تعتبر من أرقى وأشهرها على المستوى الوطني، كما سيكون لهذا القطاع السياحي الهام بالولاية شأن كبير في المستقبل القريب، بفضل الاستثمارات العديدة في الميدان من خلال المشاريع المسجلة، أهمها المركبين السياحيين الأول بمنطقة "تيغزة" ب"بني حواء" خاص بالمعالجة بمياه البحر، والآخر بمنطقة "تنس" هو عبارة عن مركب سياحي يتضمن فندق، محلات تجارية ومساكن سياحية تقارب 58 مسكنا.
تدفق المياه المستعملة على الشواطئ عكر صفو المصطافين
فضلا عن نقص الخدمات المقدمة بهذه الشواطئ على قلتها، يشكو المصطافين هذا الموسم من تدفق المياه المستعملة على الشواطئ، وعدم وجود مضخات دفع لإبعاد هذه المياه خارج الشواطئ المخصصة للمصطافين، حيث أضحت بعض الشواطئ وخاصة بلديات "تنس مركز" و"بني حواء" إلى الجهة الشرقية، تعاني من هذه المشكلة كثيرا، إلى درجة جعلت بعض من هذه الشواطئ أماكن بعيدة عن تردد المصطافين، الذين نأوا بأنفسهم عن هذه الأماكن غير الصالحة للإقامة والاستمتاع بموسم الاصطياف، حيث تنتشر الكثير من النفايات وبقايا الأخشاب على طول هذه الشواطئ، وهو ما افقد هذه الشواطئ التي كانت تعرف إلى وقت قريب بشواطئ العائلات. كما يشكو المصطافين من غياب المياه الصالحة للشرب، دورات المياه والمرشات حسب ما تقتضيه دفاتر الشروط المعدة من قبل مديرية السياحة، لأصحاب حقوق الامتياز لاستغلال الشواطئ، حيث ورغم تخصيص مصالح الولاية ومفتشية البيئة لاعتمادات مالية، لتجهيز مضخات دفع بقيمة مالية تصلى إلى 1 مليار سنتيم ل 5 مدن ساحلية، إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئا، حيث بقيت الأمور على حالها ولم تتمكن المصالح المعنية من القضاء على هذا الإشكال بصفة نهائية، بحجة غياب الاعتمادات المالية الضرورية، فضلا على ضيق الوقت لتنظيف هذه الشواطئ، وعدم قدرة مصالح البلديات على تجهيز مضخات الدفع للقيام بتصريف هذه المياه بعيدا عن أماكن اصطياف السياح وتعتبر شواطئ "السانكلو" و"سيدي سالم"، و"جوانوفيل" بولاية عنابة، مصادر للأمراض الجلدية، نظرا لتعفن مياهها واتساخها الناتج عن وديان المياه القذرة، ومصبات المؤسسات الصناعية على غرار مركب "أرسيلور ميتال"، ومركب "فرتيال" لإنتاج المواد البتروكيمياوية، إلى جانب مؤسسات خاصة، بإنتاج مواد التنظيف، وأخرى لتركيب بطاريات السيارات وغيرها، من الشركات المتواجدة بالمنطقة الصناعية ل"سيدي عمار" و"سيدي سالم"، والتي تصب مباشرة في شواطئ "سيدي سالم" و"جوانو"، أما في سكيكدة فقد حولت المنطقة الصناعية ل"حمادي كرومة"، وخاصة القاعدة البترولية لمؤسسة "سوناطراك"، شاطئ "مرسى بن مهيدي" و"سطورة" إلى كارثة إيكولوجية، بسبب مخلفات "المصانة" التي ترمى هناك، والتي هي في الأصل عبارة عن سموم حقيقية، تسببت في الكثير من المرات، في إصابة العشرات من المصطافين بأمراض جلدية خطيرة.
عندما أعلن وزير السياحة "إسماعيل ميمون" عن افتتاح الموسم الصيفي بالطارف، نهاية جوان الماضي كانت جميع شواطئ الطارف ال17 المعتمدة هذه السنة، قد تم تنظيفها عن آخرها في حملة نظمتها مؤسسة "سونلغاز" وبإشراك تلاميذ المدارس، وهو أمر استحسنه الجميع وتمنى دوامه طيلة موسمك الصيف، غير أنه وبمجرد مرور بضعة أيام عادت الأمور إلى ما كانت عليه، وتزينت الشواطئ بزجاجات من الخمر من كل الألوان، وعلب العصير والسردين، وكأنها لم تخضع للتنظيف يوما، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على روادها يناهز تقريبا خطر الغرق. تلقي جميع الأطراف سواء الرسمية أو من جانب المصطافين اللوم، فيما يتعلق بتنظيف الشواطئ على كامل البلديات التي تقع الشواطئ ضمن أقاليمها الجغرافية، بسبب تقاعسها في جمع القمامة وتنظيم عمليات دورية لتنظيف الشواطئ، واكتفائها بمتابعة حركية الشارع بعد إعلان قوائم السكن الاجتماعي، تخوفا من اندلاع حركات احتجاجية بالرغم من وجود أوامر مشددة من قبل الوالي لمصالح النظافة بالبلديات، بالتركيز على الشواطئ طيلة موسم الصيف. وتفاقمت مشكلة نظافة الشواطئ بعد تزايد عددها هذه السنة، حيث قفز من 11 إلى 17 وهو ما صعب من مهمة البلديات التي تفتقر معظمها للإمكانيات، وعلى نفس المنوال تسير مديرية السياحة بالطارف التي تكتفي فقط بإيفاد مبعوثين عنها لمراقبة الشواطئ إداريا ليس إلا مع تدوين تقارير فقط، وتعد الجهة الشرقية للولاية أين تتواجد شواطئ الملاح والجبل "مسيدا" و"القالة" القديمة، أكثر المناطق تلوثا بسبب الكمية الهائلة من النفايات الملقاة بالشواطئ، وعلى الطرقات المؤدية إليها خصوصا زجاجات الخمر التي أصبحت ديكورا قارا بهذه المناطق، وتساءل الكثيرون عن الجدوى من تنظيم عملية تنظيف الشواطئ قبل بداية الموسم، ثم التوقف نهائيا عن تنظيفها طيلة الموسم بالرغم من أنها تستقبل يوميا حسب مصالح الحماية المدنية، ما يفوق 20 ألف مصطاف ما يعني أطنانا من الفضلات والأوساخ التي يتركها هؤلاء وراءهم. وحاول العديد من مسؤولي البلديات الذين حاورتهم "الأيام"، حول الموضوع التملص من مسؤولياتهم من خلال التركيز على عامل الإمكانيات، وإلقاء اللوم على المصطافين الذين يتفادون حسب هؤلاء جمع قماماتهم، والإلقاء بها في الأماكن المخصصة لذلك بالشواطئ ليسهل على المصالح المعنية جمعها، وطرح هؤلاء فكرة تنظيم حملات تحسيسية بالشواطئ لفائدة المصطافين، أو تخصيص أعوان موسميين بالشواطئ للوقوف على العملية بعين المكان، كما طالب هؤلاء بتنظيم عمليات تطوعية للمصطافين أنفسهم لتنظيف الشواطئ دوريا، على أن تتكفل البلديات بالتخلص من هذه النفايات والأوساخ بأعوانها وجراراتها.
تحقيق: مختار نجاعي/ المراسلون
بقلم:علي مغازي أفراد في وزارة السياحة يشجعوننا على ارتياد الشواطيء لإنجاح موسم الاستجمام، وبمواجهتهم أفراد آخرون من وزارة الشؤون الدينية يحذروننا من ارتياد الشواطيء لتجنب الفتنة.. لكن وزارة الصحة تقول على سبيل المثال: احذروا أن تشربوا ماء البحر فتصيروا أمة مالحة لا يؤكل لحمها، تطل أرضها على حفرة كبيرة، كان اسمها قبل أيام قليلة البحر الذي كان يمكن أن يظل متوسطا.. والواقع أننا لا نهتم بما تقوله تلك الوزارات، إننا فقط نتمشى في الشاطئ وكلنا حذر من أن تنغرس أقدامنا في قطعة زجاج مزروعة كلغم تحت الرمال الذهبية. ويكون من الممكن ساعتها أن تتكسر تلك القطعة المحتمل أنها صغيرة إلى قطع أصغر، وهكذا تتسبب أقدامنا في إتلاف سلعة كان من الممكن استعادتها.. وكان من الممكن أيضا أن نتوقف عن عادة الشعور بأن الحرارة من غير الممكن احتمالها وأن شركة سونلغاز تعمل ما بوسعها لتدفعنا نحو اتخاذ قرار المضي قدما إلى الشاطئ. إنها تقطع الكهرباء عمدا خدمة للسياحة. وهذا ما يسمى ب (تعاون المؤسسات لإنجاح المشروع الاجتماعي)، أي تحقيق منسوب أعلى من الحداثة، أقول هذا بلغة الأفراد الفاقدين للأملاح المعدنية والمصابين بالجفاف الذهني. حسنا.. دعوني أخبركم أنني زرت الشاطئ آخر مرة عندما شاهدت سمكة في حوض زجاجي تكتب رسائل لصديقاتها السمكات المقيمات في بحر بلادنا، اللواتي كن يشتكين دائما من تدفق أنهار من المياه القذرة إلى الشواطيء وفضلات المصانع، ويقلن : إننا نختنق.. كفوا عن رمي أوساخكم في حياتنا. السمكة كتبت لصديقاتها السمكات: "ما أجمل الحياة في حوض زجاجي".. وبعد أيام كتبت الصحف أن السمكات انتحرن وانتهى كل شيء. يومها قررت أن أعيش في حوض شفاف من الأفكار المائية، لأستعيد ذكريات الاسترخاء في رحم الأم؛ حيث الأمان والدف وقلة الضجيج الصادر من مصدر مجهول..