وضع الموقف الأخير للخارجية الجزائرية سلطات المملكة مغربية أمام الأمر الواقع بعد أن جاء فيه اتهام صريح للرباط ب "خرق" التعهدات التي وقّعها البلدان شهر فبراير الماضي، وهو ما بدا واضحا من خلال بيان جديد للخارجية المغربية يطلب فيه "المساعدة" في مجال مكافحة تهريب المخدرات التي لمّحت مصالح سعد الدين العثماني إلى أنها "قضية ثنائية". تواصلت حرب البيانات والبيانات المضادة بين الجزائر والمملكة المغربية، وقد جاء الدور مساء السبت على خارجية الرباط التي أصدرت بيانا " ثانيا في ظرف يومين تردّ فيه على وثيقة مماثلة حملت توقيع الناطق باسم الخارجية الجزائرية عمار بلاني، الجمعة، التي جدّد فيها موقف وشروط بلادنا بخصوص ملف إعادة فتح الحدود، واللافت أن بيان المملكة كان أقلّ حدة من ذلك الذي أصدرته الخميس الماضي. ونقلت وسائل إعلام مغربية أمس مضمون بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون جاء فيه أن "المغرب يسجل أن رد الفعل الصادر عن الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية تجاهل الإشارة إلى السبب الرئيسي الذي كان وراء التوضيح المغربي الأخير، والمتمثل في رفض مبدأ وضع شروط أحادية الجانب لفتح الحدود البرية بين البلدين"، مشيرا إلى التزام المملكة بأن "قواعد حسن الجوار وضرورة التعاون وحقّ المواطنين في التنقل تعدّ قيما دولية لا يمكن تقييدها بشروط، والأكثر من ذلك بادعاءات سياسية غير مبرّرة". والغريب في الأمر أن البيان ذاته دافع عن حملات التشويه التي تقودها أطراف رسمية وغير رسمية في المغرب، وزعم أن "الأمر يتعلق هنا، في الواقع، بالحق المكفول للجميع في حرية التعبير والرأي، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الجوهرية للبلاد". وفيما يتعلق بشرط الجزائر بوقف استهدافها من بأطنان المخدرات التي تُهرّب سنويا عبر الحدود الغربية رفضت خارجية المملكة الاعتراف بالمسؤولية، بل ذهبت إلى حدّ اعتبار هذه المسألة "ينبغي أن تكون مجالا لتعاون مثمر بين سلطات البلدين، بدلا من تحويله إلى شرط مسبق". وفي هذا الموقف الجديد طلب مباشر ل "مساعدة" الجزائر في محاربة شبكات التهريب، لكنها دعوة تتناقض مع الواقع لأن شبكات تهريب هذه السموم تستفيد في الواقع من سياسة غضّ الطرف التي تعتمدها السلطات الرسمية المغربية، وهو أمر أشار إليه آخر تقرير لمنظمة الأممالمتحدة الذي وضع المغرب في صدارة بلدان العالم المنتجة والمصدّرة للمخدرات. ومع ذلك أصرّت خارجية هذا البلد الجار على سياسة إدارة الظهر من خلال ما ورد في بيانها الأخير من مغالطات بأنه "إذا كان هناك من شعور بالاستياء بخصوص هاتين النقطتين (التشويه والمخدرات) فإنه شعور مشترك، على اعتبار أنهما يهمان ظواهر تتم أيضا انطلاق من التراب الجزائري". كما رفضت الخارجية المغربية الاعتراف بأنها تريد إقحام ملف الصحراء الغربية في علاقاتها مع الجزائر، حيث ادّعت بأن "المصطلحات المستعملة والمنطق المعتمد إزاء النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية تحمل دلالات أكبر، على اعتبار أن القبول بفصل العلاقات الثنائية عن تطور ملف الصحراء المغربية لم يكن يعني قط بالنسبة للمغرب موافقة على الموقف الجزائري"، وأكثر من هذا تابع البيان في سياق المغالطة أنه "بالنسبة لمجموع الشعب المغربي، وكافة مكوناته الحية، فإن الجزائر تعدّ، بكل تأكيد، طرفا في هذا النزاع المفتعل". وبالمقابل حاول إيهام الرأي العام الدولي بأن الصحراء الغربية "مغربية" وأنها ليست مسألة تصفية استعمار "قضية الصحراء المغربية هي قضية وطنية جوهرية، يتشبث بها بشكل تام الشعب المغربي قاطبة، بكل حساسياته وفئاته، وذلك خلافا للشعب الجزائري الذي يعبر، من جهته، عن انتظارات وطموحات وانشغالات بشأن قضايا أخرى وطنية ومغاربية". ويبدو أن السلطات المغربية أدركت أنها لا تبدي أيّ تعاون إيجابي مع الجزائر في سبيل تطبيع العلاقات الثنائية، كما كشف بيان خارجيتها الأخير أن نظام المخزن مصرّ على إعادة فتح الحدود كشرط مسبق في حين أن الجزائر حدّدت شروطا واضحة تبدأ من خطوات حسن نية لتتوّج في نهاية المطاف بإنهاء إشكال الحدود، وهو ما تتعمّد المملكة تجاهله بكل الوسائل، بينما تحاول إلصاق تهم مجانية أثبتت التجربة أن الزمن تجاوزها.