لم تجد المملكة المغربية ما تردّ به على الشروط التي حدّدتها الجزائر مقابل إعادة فتح الحدود البرّية المغلقة منذ العام 1994 سوى الاعتماد على خطابها التقليدي المتحامل، حيث انتقدت وزارة الخارجية في الرباط التصريحات الأخيرة للناطق الرسمي باسم الخارجية الجزائرية، وعوض أن تبدي موقفا متعاونا اعتبرت سلطات المملكة كلام عمار بلاني "شرطا أحاديا لتطبيع العلاقات". انتظرت السلطات المغربية حوالي عشرة أيام للردّ على التصريحات التي أطلقها الناطق باسم الخارجية الجزائرية عمار بلاني الذي تحدّث فيها، الأسبوع الماضي، عن نظرة الجزائر لمسألة إعادة فتح الحدود، حيث وردت في بيان عن الخارجية المغربية أمس الأوّل انتقاد لموقف بلادنا بعد أن جاء فيه أن "المغرب لا يسعه إلا أن يندد بشدة بروح ومنطق هذه التصريحات، والتعبير عن الأسف الشديد إزاء هذه المواقف المتجاوزة في منهجيتها وغير المبررة في محتواها". ومن دون التخلي عن التعابير التي عادة ما يستعملها العاهل المغربي محمد السادس في خطاباته المتحاملة على الجزائر، ورد في البيان أن "الجزائر وضعت شروطا أحادية الجانب لتطبيع العلاقات الثنائية"، وذهبت على حدّ قراءة دعوة الجزائر لإبعاد ملف الصحراء الغربية عن العلاقات الثنائية على أنه "الشرط الأكثر خطورة، ويؤكد أن الجزائر تضع قضية الصحراء في صلب العلاقات الثنائية"، وفي هذه القراءة إدارة للظهر للواقع. وعلى ما يبدو لم يهضم بيان وزارة الخارجية المغربية الموقف الحازم للجزائر بشأن عدم توفر الظروف لإعادة فتح الحدود بين البلدين بعكس آمال المملكة، من خلال القول إن الشروط التي تضعها الجزائر من أجل تطبيع علاقتها مع المغرب "تعكس ثقافة سياسية تعود لحقبة عفا عليها الزمن"، ليخلص إلى أنه "لا يوجد هناك أي مبرر لمعاكسة تطلعات الشعبين الشقيقين، ولاسيما حقهما المعترف به في حرية التنقل". وكان الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، عمار بلاني، قد أعلن قبل عشرة أيام عن ثلاثة شروط رئيسية للجزائر من أجل إعادة فتح الحدود البرية المغلقة مع المغرب منذ عام 1994، وأوضح في بيان له أن "فتح الحدود البرية بين البلدين يستدعي- مثلما يعلمه جيراننا في المغرب – توفر شروط رئيسية، تتعلق بالوقف الفوري لحملة التشويه التي تقودها الدوائر المغربية الرسمية وغير الرسمية ضد الجزائر". واستنادا إلى بلاني فإن "الجزائر ترفض تدخل أي طرف ثالث بشأن ملف فتح الحدود بين الجزائر والمغرب"، مؤكدا أن "الجزائر ترى في التعاون الصادق والفعال والمثمر من قبل السلطات المغربية لوقف تدفق المخدرات والتهريب السري لها من المغرب الى الجزائر، أمرا ضروريا تجسيده قبل مناقشة فتح الحدود بين البلدين". كما أشار البيان إلى أن الجزائر تشترط "احترام موقف الحكومة الجزائرية فيما يتعلق بمسألة الصحراء الغربية التي نعتبرها مسألة إنهاء الاستعمار، ويجب إيجاد تسوية وفقا للقانون الدولي في الأممالمتحدة". وبدوره كان وزير الشؤون الخارجية قد تحدّث عن هذا الملف خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، حيث صرّح في حوار مع قناة "روسيا اليوم" ردّا على سؤال بخصوص العلاقات الجزائرية-المغربية، أنه "إذا ما قارنا نوعية العلاقات اليوم بتلك التي كانت قائمة منذ سنتين، لاحظنا تحسنا واضحا، إلا أن هذا لا يعني أنه لا يوجد مشاكل"، وذكر الوزير بأن هناك تبادلا للزيارات منذ سنتين بين المسؤولين المغاربة والجزائريين من مختلف القطاعات. وسجل مدلسي في هذا الصدد بأن "ما يقلق الجزائر حاليا يتمثّل في مشكل تهريب المخدرات"، وذهب مدلسي إلى حدّ اتهام المملكة ب "استهداف الجزائر بالمخدرات"، وأرجع هذا الاستنتاج إلى أن "قوات الأمن الجزائرية تقوم بحجز كميات هامة من المخدرات بشكل منتظم"، في تلميح منه إلى غض الطرف المغربي عن محاربة هذه الظاهرة، قائلا "إننا نأمل في تعاون من قبل المغرب الشقيق لمكافحة تهريب المخدرات". وفيما يتعلق بالسقف الزمني لإعادة فتح الحدود، اجاب مراد مدلسي بأن "الحدود لا يمكن أن تبقى مغلقة إلى الأبد. بالعكس، على كل طرف أن يصغي إلى الآخر لكي نتمكن من التوصل إلى إجراءات وقرارات تريح البلدين الجارين". ويشير كل هذا الحراك والسجال الدبلوماسي بين الجزائر والمملكة المغربية إلى أن قضية فتح الحدود ليست مطروحة في الوقت الراهن على الرغم من أن البلدين سجلا تقدّما نسبيا على صعيد التعاون السياسي والاقتصادي، لكن على الواقع هناك بعض العوامل التي تعيق تحقيق مزيد من التقدم في اتحاه فتح حدود مغلقة زهاء العشرين عاما.