لجنة الدفاع الوطني بالبرلمان تناقش مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر    الملتقى السابع للجامعات الحدودية الجزائرية والتونسية: تعزيز الابتكار والتكامل الأكاديمي في المناطق الحدودية    وهران : استلام الشطر الأول للطريق الإزدواجي بسيدي البشير نهاية الشهر    وزيرة البترول والمناجم التشادية في زيارة عمل إلى الجزائر لبحث تعزيز التعاون في قطاعي المحروقات والمناجم    بنك الجزائر يحدد كيفيات جديدة لتسديد مقابل حق الصرف بالدينار الجزائري للسفر إلى الخارج    103 وفيات بسبب التسمم بأحادي أكسيد الكربون منذ مطلع 2025 وحصيلة ثقيلة لحوادث المرور في الجزائر    الجزائر تفوز بمنصب مدير المركز العربي لتبادل الأخبار والبرامج لاتحاد إذاعات الدول العربية    اتفاقية شراكة بين قناة "AL24News" واتحاد إذاعات الدول العربية لتعزيز التعاون الإعلامي    ضرورة تعزيز حضور خطاب ديني وطني معتدل و ملتزم    الجزائر وضعت مكافحة الفساد ضمن أولويات سياساتها الوطنية    3كتّاب جزائريين ضمن القائمة الطويلة    توقيع اتفاقية تعاون مع وزارة الشباب    تبّون يستقبل عدّة شخصيات    بوغالي يُجدّد إدانة همجية الصهاينة    نساء المغرب في مواجهة آلة القمع المخزني    القدس في خطر مستمر..    اتحاد العاصمة يتأهّل    حفل ذا بيست .. اليوم    ناصري يستقبل سفير بلجيكا لدى الجزائر    سعيود يعرض مشروع قانون المرور    ضبط أكثر من قنطار من الكيف مصدره المغرب    أمن المسيلة يوقف 51 شخصا    الجزائر تؤكد التزامها بتعزيز جهود مكافحة الارهاب    عدل 3 .. هذه أسعار السكنات    نحو رفع سرعة الأنترنت بالجزائر    بن طالب يتألق    عفو رئاسي عن باقي العقوبة للدكتور بلغيث    التلفزيون الجزائري سينقل 17 مبارة لنهائيات للكان    خنشلة : الشرطة تنظم عملية مداهمة بششار    هل هناك جريدة كبيرة عندنا..؟!    قرار استراتيجي لدعم الاستقرار الاجتماعي    تأطير التجارة الإلكترونية حماية للبيانات والمستهلك    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    حين تتكلّم الذاكرة..    "المحاربون" يشرعون في التحضير ل"كان 2025"    غرس شجرتي "الأرقان" و"السيكويا" بجبل الوحش    نحو إنهاء كل مظاهر التشوه العمراني بالعاصمة    القبض على محترفي سرقة الهواتف    الجزائر تؤكد الريادة قاريا    لسعد الدريدي يخلف روسمير سفيكو المستقيل    منصة رقمية للمشاريع الاستثمارية قيد الإنجاز    حقّ تقرير مصير الصحراويين يتطلّب دعما دوليا عاجلا    بدء عمليات البحث عن جثامين الشهداء المفقودين    تتويج صرخة صمت    الجزائر بذلت جهودا جبارة لترقية قيم العيش معا في سلام    وفاة الفنان الموسيقار والملحن نوبلي فاضل    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    مغامرة انسانية عمادها البساطة والإبداع    هل إقالة المدير هي الحل؟    فتاوى : سجل في موقع مراهنات وأعطوه هدية    من أسماء الله الحسنى .. الحليم    اللعبان بركان وبولبينة ضمن قائمة"الخضر"في ال"كان"    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقليد والتحديث والثقافة التنموية - الجزء الأخير
محمود سريع


مشتقات الميادين الأربعة في دراسة الانسجام الداخلي
التنمية بمعنى الانسجام الداخلي: إن حركة المجتمع من الحالة الموجودة إلى الحالة الأفضل هي عملية جماعية وليست مجموعة من الأعمال الفردية، ففي المجتمع الذي يسعى للتنمية، يكون الاتجاه العام نحو القضايا علمياً لا مزاجياً ومن جملة هذه القضايا، إيجاد نظام قانوني وثقافة اقتصادية قوية، فكيف يوجد المجتمع نظاماً قانونياً قوياً؟ الجواب: عن طريق التربية والتعليم وبتجربة نفوس وشخصية الأفراد، فالمجتمع بحاجة إلى برنامج وتربية، ولأجل الحصول على الانسجام الداخلي يجب أن يصرف جهداً كبيراً على تربية الأشخاص ويجب أن يتحول الإنسان إلى قيمة بحد ذاته وتكون تربيته أساساً للتنمية، فليس اعتباطا أن تكون تربية الإنسان من أهم المسائل في دول مثل اليابان وأن الأشخاص الذين يعملون في السلك التربوي والتعليمي يقابلون باحترام وتقدير فائق ومكانة اجتماعية عالية، فهؤلاء المعلمون في الحقيقة هم الذين يهيئون أساس وأرضية التنمية في المجتمع، فرأس مال المجتمع لا ينحصر بموارده الطبيعية والتكنولوجية والمصادر المالية وإنما أثمن رأس مال للمجتمع هو أشخاصه المتحضرين والمتعلمين وأصحاب الهوية القومية، وعلى مرّ التاريخ أين ما وجدت حضارة مادية روحية تجد أن الدولة تبني برامجها ومؤسساتها على أساس تنشئة الأفراد وخلق الإنسان وفي جميع المجالات العسكرية والاجتماعية والثقافية والتربوية، وبهذا توجد نظاماً اجتماعياً، وبشكل عام فإن مجتمعات الدول المتخلفة تجدها متعددة الثقافات ومفككة من الداخل، وأن إيجاد وتكوّن ثقافة مشتركة يحتاج إلى سنين من العمل التربوي والتعليمي المنظم والمبرمج، صحيح أن الاستعمار خلال القرون الأخيرة استثمر خيرات البلدان النامية بالقوة، لكن إذا كانت هذه الدول تمتلك الانسجام الداخلي والوحدة الثقافية لم تستعمر وتستثمر بهذا الشكل وإلى هذا المستوى ولم يستطع الأجانب النفوذ إلى ثقافتها وسياستها واقتصادها.
الإنسان الذي أخذ شكلاً معيناً من الثقافة ويمتلك ثباتاً روحياً وفكرياً لا تؤثر عليه الأشكال الأخرى وحتى أنه في الحالات العادية يزيد من قدرة تشكيلية، والميدان الرابع في دراسة التنمية والانسجام الداخلي هو الأساليب والوسائل، بمعنى أنه بعد أن تحل مسألة الشرعية وتوضح قضية فلسفة الحياة وتقدس النظام التربوي التعليمي، فإننا بحاجة إلى أساليب وطرق لكي نحصل على التنمية المادية، وواحدة من مشتقات هذا البحث هو أن نمتلك نظرة دولية، فالمجتمع الذي يسعى للتنمية يجب أن يمتلك نظرة دولية وذلك بسبب الارتباطات الواسعة والمعقدة في النظام الدولي، بدليل الحاجة المتقابلة للدول، بالإضافة إلى أن الحدود في الوقت الحاضر فقدت الكثير من مميزاتها، وموجات التأثير أصبحت تعبر الحدود بسهولة، فالمجتمع يجب أن يتحرك باتجاه المؤسسات الاجتماعية الثابتة والأساسية وأن يبتعد عن حالات التذبذب، فحالة عدم الاستقرار في إدارة المجتمع، تعتبر حالة مضادة للتنمية، والاستقرار في المؤسسات الاجتماعية يهيئ الأرضية لتراكم ثمار التنمية، وإذا ما أديرت الدولة على أساس المذاقات الفردية وفقدت الأسس العينية والقيمية والعلمية، عند ذاك يجب أن نفقد الأمل في الوصول إلى التنمية أيضاً.
كيف يمكن الوقوف بوجه الأعمال الفردية؟
الجواب هو، بطرح الأفكار في إطار المؤسسات، فإن المجتمع الذي يسعى للتنمية بحاجة ماسة إلى مؤسسات ثابتة ومستقرة حتى تتحول القضايا الفردية والتصورات الشخصية إلى حالة وفكرة عامة وبهذا تحقق النظرة المستقبلية والحضارة المادية والروحية، ومن المشتقات الأخرى لميدان الأساليب والوسائل هو أبعاد السياسة من ميكانيكية اتخاذ القرار ففي كثير من الدول النامية وحتى الدول الأقل صناعية مثل إيطاليا وإسبانيا فإن برنامج اتخاذ القرار يقع بشكل كبير تحت تأثير السياسة، ولا يتعامل مع القضايا بشكل عقلي ومنطقي وإنما الجو الذي يصنع فيه القرار يكون سياسياً جداً، في بلداننا الإسلامية نحن يتم اتخاذ القرار في اللحظات الحرجة وهذا الأمر من القواعد الثابتة في تاريخنا، في حين أن الانسجام الداخلي والتنمية توجب أن يتم البحث دائماً عن المشاكل وتعيين البدائل اللازمة بعد دراسة وتدقيق يتم اختيار أفضل الطرق. الكثيرون منا لا يراجعون الطبيب حتى يشتد به الألم وأن إجراء الفحوصات والكشف الطبي بشكل منظم يعد أمراً غير منطقي حتى للذين لا يعانون من المشاكل المالية فعملية "البحث عن المشاكل" لأجل حلّها لم يأخذ مكانه في ثقافتنا ولا يعتبر من أجزاء صناعة القرار سواء على المستوى الفردي أو العائلي أو الاجتماعي ولا يزال مجتمعنا لا يعير أهمية للعمل على الوقاية من المشاكل والكوارث بالبرمجة الصحيحة قبل الابتلاء بها، والموضوع الآخر هو التكتل والمؤسسات؛ يجب أن يهيأ المجتمع الأرضية لظهور المؤسسات الفكرية والسياسية حتى يتم انتقال السلطة بالشكل الصحيح ويتم تنقية الجو السياسي بهذه الطريقة السليمة، هذا الموضوع لا يعد موضوعاً سياسياً صرفاً وإنما يعد خطوة على طريق إيجاد ثقافة متينة، لأن المجتمع سوف ينمو ويعالج مشاكله الداخلية بطرق سلمية وصحيحة وهكذا يعرف طريق تكامله وتركيز هويته ويؤمن بضرورة تقوية ثقافته القومية، فالمجتمع الذي لا يملك مؤسسات سياسية واجتماعية وثقافية سالمة وثابتة بمعنى أنه لا يمتلك الثبات والقدرة الحقيقية وإنه لا يسير نحو التكامل الثقافي والفكري، التكتل والتحزب بموجب ثقافة سياسية متينة يهيئ الأرضية إلى الانسجام والاتحاد داخل المجتمع، إذن فالتحزب يعتبر من طرق وأساليب تقوية الانسجام الداخلي في المجتمع.
باعتقادي إذا قام المجتمع بالتخطيط والعمل ضمن إطار هذه الميادين الأربعة فإنه وعلى أساس القواعد المجربة والثابتة تاريخياً يسير نحو إيجاد حضارة وانسجام ووحدة داخلية، هنا نستطيع أن نطرح سؤالنا، إذا أراد الإنسان أن يصبح ذا شخصية فماذا عليه أن يعمل؟ أي المراحل التربوية والتعليمية يجتاز؟ وأي أفكار يجب أن يقوم بصقلها؟ الجواب هو يجب أن يتجه نحو الذات فإذا لم يبنى ويستحكم الداخل فإن الخارج والظاهر لا يكون مظهراً لشخصية الإنسان ويمكن بحث موضوع التقليد والتحديث من هذا الباب أيضاً، على مدى البحث، كان أساس المعرفة أسلوب التحقيق هو القواعد الثابتة للتاريخ إذ يجب اختيار العقل بين التقليد والتحديث والتوجيه نحو العلم لاستخراج الهوية و الشخصية القومية، فنظرية الانسجام الداخلي تمتلك هذه العوامل ويعتبر هذا قانوناً عاماً في تاريخ الحضارات، لهذا فمكان وزمان التقليد والتحديث ليس مهماً وإنما المهم هو تهيئة إطار توجد وتؤسس ضمنه العلاقة بين القضايا "لعينية" و"العملية" بين الدين والعلم والهوية القوية والشخصية الداخلية وإن تصلح وتصحح بمرور الأيام، وإلى أن تتغير فيه القضايا الذهنية إلى مصاديق عملية فيما يخص هذه العوامل الأساسية في إيجاد الحضارات، سيبقى المجتمع متعرضاً للهزات والنكسات، وفي هذا الوقت الذي تعاني فيه الحضارة الغربية وغيرها من الثقافات من أزمات أخلاقية وروحية فإننا نمتلك فرصة ثمينة لكي نعطي للعالم مثالاً عن حضارة تمتلك البعدين الأساسيين للتكامل البشري يعني البعد المادي والبعد الروحي والمعنوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.