يعدّ شباب أي أمة بمثابة أحد المداخلات الرئيسية في دراسة مركز ثقلها الحضاري وهو من زاوية أخرى أحد الدعائم في بنية الرصيد الاستراتيجي لحركة التنمية فيها، ومن ثم فإن حسابات معدل الانطلاقة الحقيقية لأي مجتمع من المجتمعات تبنى على أساس الزيادة في هذا الرصيد وحسن توظيفه على المستوى المأمول، وقد تزايدت في الآونة الأخيرة الاهتمامات القومية لجودة التعليم الجامعي استنادا إلى أنه على هذا الصعيد يجري إنتاج المادة والأفكار العلمية التي تساهم في تغيير المستقبل، هذا إلى جانب إعداد الكفاءات المتخصصة التي تضطلع بمهام التنمية ودعم اتجاهاتها لأن مخرجات التعليم الجامعي هي في الوقت نفسه مدخلات لسوق العمل. دور الجامعة في تنمية قيم المواطنة والتفوق العلمي لدى طلابها تهدف التنمية الوطنية الشاملة للشباب الجامعي إلى تنمية وعي الشباب بمتطلبات المشاركة الإيجابية في بناء "المشروع الوطني"، والتربية من أجل المواطنة والتفوق العلمي تقوم على أساس إعداد الناشئين والشباب للدخول في الحياة العملية للمجتمع بإكسابهم المعارف والمفاهيم والاتجاهات والمهارات السلوكية اللازمة لتنمية مشاركتهم في البيئة التعليمية بما يمكنهم من دعم الاتجاه الوطني للتنمية ومساندته، إنها العملية التي تستهدف إعداد الشباب الجامعي لمواجهة المشكلات واتخاذ القرارات كمواطنين بمساعدة كل منهم على تنمية قدراته على التطور والتفوق العلمي وعلى التعبير عن اتجاهاتهم والوصول إلى حلول للمشكلات الاجتماعية والتحديات المعاصرة التي تعوق مسيرة التنمية والتقدم، بمعنى استيعاب الواقع والتفاعل مع إشكالياته بطريقة موضوعية وبما يتيح لهم اتجاهاً ايجابياً نحو المشاركة إضافة إلى حسن رعاية النخبة منهم وإعدادهم لتحمل مسؤوليات القيادة والعمل الوطني، وقيم المواطنة والتفوق العلمي لدى الشباب الجامعي تعد بمثابة "قوة المناعة في الجسم الاجتماعي" من حيث انتمائه وجهده وعمله ووعيه بإمكانات الحاضر والمستقبل، وعلى ضوء ذلك فإن الجامعة المعاصرة تعلو فوق جزئيات مناهجها وأنشطتها اليومية لتدرك المنظور الكلي لرسالتها، أي البعد الوطني والقيمي في رسالة الجامعة فضلاً عن دور الجامعة في خدمة التقدم العلمي والتكنولوجي، ومن أهم الفضائل المدنية التي ينبغي أن تحرص مؤسسات التربية والتعليم العالي على تنميتها "الانضباط"، "الكياسة" و"المرونة"، و"التسامح" و"التقدير الكامل لشرف العطاء" في خدمة المجتمع والمصلحة الوطنية. تعد المنظومة التعليمية والجامعة تحديداً بمثابة البيئة الملائمة والحاضن النشط لتنمية قيم الانتماء الوطني والتفوق العلمي، من خلال ما توفره للطلاب من مستلزمات علمية وتقنية حديثة وثقافة واعية وصحيحة حول مفاهيم الديمقراطية والعدالة والمساواة والتحديث، والإطلاع على تجارب الأمم التي قطعت شوطاً في التقدم العلمي والاجتماعي والاقتصادي، وفضلاً عن ذلك فإن الشباب الجامعي باعتبارهم ينتمون إلى نظام تعليمي معين ويتهيئون لشغل مكانة اجتماعية معينة تفرض عليهم إدراكاً أكبر لمختلف ما يحدث في المجتمع المحيط بهم، ومن ثم فإن البيئة الثقافية للطالب الجامعي إضافة إلى الشعور بالذات من خلال مكانة يتطلع إليها تشكل عاملاً مهماً في تحديد مسؤوليات التعليم العالي في تنمية قيم المواطنة والتفوق العلمي، مما يعني اعتبار كفاءة الفهم عنصراً رئيسياً في تكوين المواطنة، وهناك بعد آخر في كفاءة المواطنة هو القيم الإجرائية المرتبطة بالثقافة السياسية، تلك القيم التي تربط بين مفاهيم السياسة والتفكير حول الهوية، وهذا ما يشير بوضوح إلى أن استراتيجيات تنمية قيم المواطنة لابد وأن تستند إلى مرجعية الهوية المميزة للمجتمع، حيث إن قيم المواطنة هي أساس الانتماء للهوية. نظراً لأهمية كفاءة الفهم في تكوين المواطنة النشطة وتنمية القيم يمكن تحديد 3 مداخل أساسية لتنمية قيم المواطنة والتفوق العلمي لدى الشباب الجامعي، تقوم على كفاءة التفكير المبني على توليد البدائل وكفاءة الأداء والرغبة الحقيقية في التفوق العلمي ومسؤولية النتائج المتحققة وفعالية الحياة المجتمعية والجامعية على وجه الخصوص تمايز المكانة، وتتضح مسؤوليات الجامعة من خلال القدرة على تحويل قيم المخزون الحضاري إلى أطر حاكمة لتقديرات العقل حول غايات العمل الوطني ليأتي الفعل الجديد في تواصل مع عوامل القوة في تاريخه، مع مراعاة واقع التغيرات العلمية والإنسانية المعاصرة وشروط التفاعل معها، ومن ثم تتجه الإرادة المجتمعية في كليتها لبناء المجتمع والمحافظة على قيمه الأساسية السياسية والأمنية ودعم مكانته في عالم الغد، فالجامعة بكل ما فيها من طلاب وهيئة تدريس ومناهج دراسية وأنشطة طلابية تشكل وضعاً مميزاً لمناخ تعمل كل موجهاته لتنمية الخصائص العلمية والإنسانية للحياة في عالم شامل، ومن المهم لمجتمع التعليم العالي أن يكون هناك مجالٌ للتفكير لتنمية مهارات الأجيال الجديدة وإعدادها كنماذج للمواطنين القادة، لذا فمن مهام منظومة التعليم العالي إيجاد أفضل السبل لتنمية الدافعية لضمان المرونة في "كيفية العمل على توجيه الطلاب في مجال الحقوق المدنية والمواطنة"، من خلال بناء منافسة علمية ومنافسة مدنية، وأن يتم التأكيد على أدوارهم وتعليمهم إياها كمواطنين لهم قيمتهم، كما أن الجامعة تستطيع أن تنمي لدى الطلاب المهارات العلمية والمهارات المدنية وأن تنظم في برامجها ما يمكن الطلاب من معايشة الحياة العلمية والمدنية، هذا فضلاً عن أن المناخ الجامعي أو مجتمع الجامعة وما يشتمل عليه يمكن أن يشكل منظومة "روح وعمل" يتضح من خلالها معنى المواطنة والمجتمع المدني، الأمر الذي يفضي إلى تحقيق التجانس والانسجام داخل بيئة المنظومة التعليمية وغرس الشعور بالتفوق وبالولاء والانتماء للمجتمع وإيجاد إحساس مشترك بالتضامن والهوية الوطنية، إنه المعنى الذي يشير إلى توحد الإرادة الفردية مع الإرادة المجتمعية تجاه قضايا المجتمع؛ واقعه وتقدمه ومستقبله ومصيره وتعزيز قدرات الأمن الوطني، ويمكن أن يسهم الحرم الجامعي في تنمية روح جماعية ورؤية موحدة في التفاعل وتقييم الخبرات التي يمتلكها الطلاب وأن يخلق في نفوسهم معان وطنية جامعة لإرادتهم واتجاهاتهم وأن ينمي لديهم الرؤية التي من خلالها تتضح علاقات الاتصال والانفصال مع طبيعة الحياة العامة، وتقديم المداخل المعرفية لتوضيح القنوات الشرعية التي تحدد سمات المواطنة والتفوق العلمي ومسؤولياتها في المجتمع. خلاصة القول هي أن الجامعة المعاصرة لم تعد مجرد مجتمع أكاديمي تعوّل عليه المجتمعات أهمية تعليمية وبحثية فحسب، على الرغم من الأهمية المحورية التي ينطوي عليها ذلك، بل هناك أدوار أخرى للجامعة اليوم يمكن إدراكها في ضوء الحقائق التالية؛ 1- إن الجامعات كانت وستظل إحدى الأدوات الرئيسية للنظم السياسية في انتقاء الصفوة المستقبلية وتدريبها وإعدادها. 2- إن الجامعة باعتبارها أحدى المؤسسات رائدة التحديث في المجتمع، تمتلك من الإمكانات ما يجعلها تحتل المكانة المحورية بين أهم وسائل تقديم المعرفة العلمية وتغيير الثقافة السياسية للمجتمع وتنميتها وتجديدها. 3- إن الجامعة تضطلع بإعداد أكثر فئات المجتمع فاعلية وقدرة على الحركة، وهم الشباب المتعلم بما يملكونه من مهارات وقدرات وبما لديهم من قيم واتجاهات، ومن ثم تعاظم الدور الذي يمكن أن يلعبوه في المجتمع. على هذا فإن تنمية قيم المواطنة والتفوق العلمي لدى الشباب الجامعي تستند إلى مسؤوليات الجامعة في تكوين قناعات عقلية ووجدانية بالأهداف الوطنية والمصالح الأساسية للدولة، فذلك هو المدخل الرئيسي لتحقيق أمنها الوطني وأمن التنمية فيها، وهنا يشعر الطالب الجامعي بواجباته تجاه البيئة التعليمية وتجاه وطنه ومسؤولياته تجاه قضاياه ومشكلاته، حيث يتنامى لديه الشعور بأمن وجوده بما يشتمل عليه من الكفاءة وتحقيق الذات تحت مظلة الوطن وهذا الشعور هو الدافع لإرادة العمل الوطني والمعزز لبنية الأمن الوطني.