المجتمع والثقافة يدخل الكتاب في تنافس مع أنواع مختلفة من أدوات المتعة الأخرى، وقد اعتاد جيل الشباب الحالي على الأخذ بطرق بديلة لاكتساب المعلومات، وقد ترتب على صناعة الجرائد أن تكيف نفسها للتنافس مع التلفزيون وشبكة الانترنيت، ففي عام 2004 صدرت جريدة «التايمز» اللندنية بورق من قطع أصغر، وقد أشار المحرر «روبرت تومسون» إلى أن شبكة الانترنيت كان لها أثر في التصميم الجديد للورق، إن الصفحة العريضة التقليدية تنطوي على ما يمكن أن نطلق عليه مهارات المسح الشامل، أما بالنسبة للعدد المتزايد من الناس وخاصة الشباب منهم الذين اعتادوا على عروض الانترنيت، فقد أصبحوا معتادين على مهارات التقليب وهذا أمر يكفي لشد انتباهنا إلى أن مهارات التقليب تؤدي عملها إذا أخذت وضع القطع الأصغر بشكل أفضل من قطع الصفحات العريضة، إن الأولوية المعطاة للطباعة أصبحت أمراً محل تأمّل، فقد أصبح مهدداً بالانهيار بسبب سلاسة الدخول إلى الانترنيت وظهور جيل جديد نشأ على عدم توقير الكتاب بالقدر الذي يوقر به الانترنيت، وبالنسبة للكثير أصبح موقع «غوغل» الميناء الذي ترسو فيه سفن بحثهم عن الحقائق، وأقاموا سطح المكتب في الحاسبة مقام رف كتب المراجع، كما يشجع المدرسون أطفال المدارس على البحث عن المعلومات الأساسية لأداء واجباتهم البيتية بدلا من استخدام الموسوعات، كما تبذل الجامعات جهداً في تعليم فضائل الإشارة إلى المصادر بشكل صحيح، لكن الطلبة لا ترى في تحوير كلمات الآخرين أو نسخها كما هي، خطأً كبيراً في مجال المشاريع الرائدة في المملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة، يتم تجهيز أطفال المدارس بالحاسبات المحمولة أو أجهزة المعلومات الإلكترونية المحمولة لاستخدامها في البيت وفي المدرسة، لتكون بديلا عن الحقائب المحمولة على الظهر التي يحملون فيها الكتب المدرسية، ثم أخذت السبورات الذكية بتغيير نمط التدريس ومنح فرص لنشاطات صفية جديدة، أما بالنسبة للكبار فإن القراءة من أجل المتعة يجب تأخذ مكانها في أنماط الحياة المليئة بالمشاغل، إن الأعذار التي يبديها غير القرّاء في المملكة المتحدة عن عدم قراءتهم تشمل تفضيل الصحف أو المجلات ليس لديهم ما يكفي من الوقت؛ يفضلون الاسترخاء أكثر؛ أنهم لا يجدون متعة في القراءة، في رواية «إيان ماك ايوان» وعنوانها "يوم السبت"، نجد أن «هنري بيرون» جراح الأعصاب المتقد الذكاء والمليء بالمشاغل يواصل قراءة الرواية التي أشارت عليه ابنته بقراءتها لكنه يبقى على حذر من العالم الآخر هذا، لم يتخيل «هنري» يوما ما أنه سينتهي به المطاف ليعيش في بيت يحوي على مكتبة، إن طموحه هو أن يقضي عطل نهاية الأسبوع كلها هناك مضطجعاً على أريكة أثرية من طراز "نول" والى جانبه فنجان القهوة ويقرأ بعضاً من الروائع العالمية أو غيرها ربما مترجمة، لكن وقت الفراغ هذا ليس مشتتاً دائماً بين سفرياته والتزاماته العائلية والرياضة فحسب، بل بالسأم الذي تأتي به فسح الحرية أسبوعياً، فهو لا يريد أن يقضي أيامه مضطجعا أو حتى جالساً، لا يسعنا بأي حال من الأحوال اللحاق بركب القراءة أبداً، يشير الكاتب المكسيكي «جابريال زيد» في بحثه عن القراءة الموسوم "كتب كثيرة جداً" إلى أن في كل 30 ثانية يصدر كتاب جديد، إن الكتب تصدر بمعدل سريع يتركنا متمادين في جهلنا، فإذا قرأ المرء كتاباً واحداً في كل يوم، فذلك يعني أنه أهمل قراءة 4 آلاف كتاب آخر تم نشرها في اليوم نفسه، وفي المملكة المتحدة يتم قضاء ما يقارب نصف أوقات الفراغ مجتمعة في مشاهدة التلفزيون، وقد تم تصنيف شخص واحد من بين كل 5 من البالغين على أنه من مشتري الكتب المكثرين، في حين أن ثلث البالغين الذين خضعوا للمسح لم يشتروا كتاباً واحداً في السنة الماضية، وإذا تحدثنا بشكل أوسع نقول "إنه كلما كان المرء أغنى مالاً وأكثر ثقافةً، كلما ازداد عدد الكتب التي يشتريها"، مع هذا نجد أنه مع النمو الذي حصل في اقتصاد المملكة المتحدة وارتفاع نسبة السكان الدارسين في مرحلة التعليم العالي، كل ذلك لم يؤدِّ إلى طفرة في مبيعات الكتب، كما أنه بين عامي 1993 و2003 انخفض عدد الكتب المستعارة من مكتبات المملكة المتحدة بنسبة 36 بالمائة وهبط خزين الإعارة النشيط بنسبة 17 بالمائة، غير أنه صاحب ذلك ازدياد استخدام الوسائل السمعية البصرية والإلكترونية في المكتبات خلال المدة نفسها. وفي الولاياتالمتحدة أحدث ظهور تقرير وكالة الوقف الوطني للفنون قلقاً ملحوظاً إذ كان عنوانه "القراءة في خطر"، فما بين عامي 1982 و2002 انخفض عدد الكبار في الولاياتالمتحدة من قراء الأدب "الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والشعر" بنسبة 10 نقاط بالمائة من 56.9 بالمائة إلى 46.7 بالمائة، أما نسبة من يقرأ أي نوع من الكتب، فقد انخفض بنسبة 7 نقاط بالمائة وفي عام 2002 لوحظ أن 55 بالمائة من النساء يقرأن الأدب، بينما كان العدد بالنسبة للرجال لا يتجاوز 37.5 بالمائة، في مقدمة التقرير كتبت «دانا كيويا» رئيس مجلس وكالة الوقف الوطني للفنون تقول: "إن هذا المسح الشامل لقراء الأدب الأمريكي يعطي تقييما تفصيلياً، لكنه محزن عن تدهور وضع القراءة في ثقافة الأمة، فللمرة الأولى في التاريخ الحديث يشكل عد قراء الأدب من الكبار أقل من نصف السكان، إن تقرير "القراءة في خطر" مهمته لا تتعدى توثيق النقلة الحضارية الضخمة وتبيانها بالأرقام، تلك النقلة التي قد شهدها معظم الأمريكيين، وهي النقلة العملاقة لمجتمعنا باتجاه الوسائل الإلكترونية في سعيه للحصول على المعلومات والتسلية"، ولمن انتابه الرعب بسبب هذه الإحصاءات، نرى أنه من المهم أن يتأمل ما جاء آنفاً، كتب «امبيرتو ايكو» يقول "لنا أن نتشكى من أن كثيراً من الناس يقضون يومهم بمشاهدة التلفزيون، ولا يقرؤون كتاباً أو صحيفة أبداً، وهذه بالتأكيد مشكلة اجتماعية وتربوية، لكننا غالباً ما ننسى أن الناس أنفسهم كانوا قبل قرون خلت كانوا يشاهدون صوراً اعتيادية لا أكثر وكانوا أميين تماماً"، وإذا ترتب على الصحف دراسة التنافس المتأتي من وسائل أخرى، فمن المرجح أيضا أن صناعة الكتاب ستبقى تشهد تآكلاً في إقبال الناس الأساسي نحو القراءة في البلدان المتقدمة، في الوقت الذي تزداد فيه مشاهدة التلفزيون وتزداد بشكل كبير عمليات البحث في الانترنيت، ويزداد استخدام الألعاب الإلكترونية، أليست هناك حتمية في تضاءل الوقت المخصص لقراءة الكتب؟ لقد علّق المحلّل الأمريكي «باري رابابورت» في عام 2004 قائلا: المشكلة أنه ليس بمقدورك تحقيق النمو دون جذب زبائن جدد، والحال أن الصناعة لا تقوم بجذب الزبائن الجدد، بل هي في الواقع تخسر الزبائن، هذا يعني أنها تعتمد بشكل متزايد على مشتري الكتب المكثرين منها؛ وكلما ازدادت وفرة الكتاب، ازداد المثقف ثقافة، لكننا نلحظ فتوراً في ذلك الجانب أيضاً، هناك الكثير من الكتب التي يستطيع الناس شراءها، هذا هو لب الحديث الدائر الآن في الصناعات الناضجة في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، كيف يتسنى لهم الوصول إلى جمهور جديد؟ ما نوع الكتب التي يريدها مشترو الكتب من المقلّين وغير المشترين؟ لقد كتب «بويد تونكن» يقول: "إن سوق الكتاب بالتأكيد بحاجة إلى التوسع، وما يحتاجه هو الإبداع الخلاّق، وليس إلى حركة مجنونة لدفع الأسعار دون مستوى السوق، على الناشرين أن يفكروا بعمق في كيفية الوصول إلى الجموع الغفيرة من المستهلكين الناقدين للأفلام والتلفزيون والثقافة التي تستهوي الناس، والذين يقرؤون الكتب بذكاء ونباهة كما يفعلون مع كل البرامج التلفزيونية والمواقع الإلكترونية والفرق الموسيقية التي يحبونها". ومن أجل تحفيز قطاع أوسع من الناس للقراءة، هل بإمكان صناعة نشر الكتاب أن تكون أقل نخبوية في نهجها وواسعة الخيال في أعمالها مع الوسائل الأخرى؟ إن صناعة نشر الكتب توظف الملاكات نفسها التي تخلق لها قرّاءها، كما أشار الناشر «جون بليك» "إن صناعة النشر يهيمن عليها الناشرون من الطبقة المتوسطة، وتنشر الكتب ليقرأها أناس من الطبقة المتوسطة"، فهل بإمكان ممثلين من قطاع أوسع من الناس أن ينتجوا كتباً يرغب أكثر عدد من الناس بقراءتها، ويكون محتواها أكثر توافقاً مع اهتماماتهم؟ إن نجاح «المانجا» وهي كتب يابانية هزلية يعد مثالا على المواد المكثرة من الصور، وهو ما يشجع القراءة في أوساط الشباب الذين تجتذبهم أقراص «الدي في دي» والألعاب أكثر مما يجذبهم الكتاب، هل المهم الآن في نهاية المطاف هو نوع الكتب التي يقرؤها الناس؟ يعكس هذا النقاش هموماً من عهد سابق، يشير إليه «ادوارد تينير» قائلا "وحتى في العصر الذهبي للثقافة المطبوعة من أعوام 1880 إلى 1930، كان المتأدبون والمتأدبات يشعرون بالامتعاض من عدم اهتمام الأمريكيين بشراء الكتاب، ومما لاحظوه من تفضيل الجماهير لقراءة ما هو مبتذل وما يعتمد إثارة الفضول لدى القارئ"، بعيداً عن ظاهرة «هاري بوتر» فقد أعطت البرامج التلفزيونية حافزاً قوياً لمبيعات الكتب، فترغيبات برنامج «أوبرا» في الولاياتالمتحدة وبرنامج «ريجارد أند جودي» في المملكة المتحدة قادت إلى زيادات كبرى في مبيعات الكتب المعنية، وهو ما يشير إلى وجود سوق للأدب النوعي وللكتب الأخرى غير الأدبية، لكن الاتكال المتزايد من قبل سلسلة من بائعي الكتب على أرقام مبيعات الكتب لتنفيذ قراراتهم بشأن تخزينهم من الكتب يعني أن الكتاب الجديد لن يأخذ إلا وقتاً قليلاً في إظهار أثره في السوق، إن التركيز على بيع الكتب قد جعل من الصعب على الناشرين المستقلين طرح كتبهم أمام من ينتظرونهم من القراء، فأصحاب المكتبات الصغيرة قد تخلّوا عن محاولاتهم في الدخول في تنافس إزاء الخصومات في الأسعار التي تعلنها سلسلة المكتبات وأصحاب الأسواق الضخمة، واتجهوا إما إلى التوقف عن التجارة في الكتب أو آثروا أن يصبحوا متخصصين في نوع التخزين الكتابي الذي يعرضونه، يبدو من المؤكد مواصلة التركيز على الإنتاج في صناعة نشر الكتب، وقد توصل تقرير لمجلس الآداب يخص صناعة النشر المستقلة في انجلترا إلى استنتاج مفاده أن هذه الصناعة آخذة في الاستقطاب بشكل متزايد بين عدد صغير من عمالقة الناشرين من الشركات، وهم بشكل رئيس أقسام من الإعلام المتعدد الجنسيات ومجموعات مهتمة بالنشر، وبين عدد كبير من المشغّلين الصغار والصغار جداً من الناشرين، إن دور النشر الأكبر حجماً تسعى إلى الحفاظ على علاماتها التجارية وإبداعها وذلك بإبقاء العلامات التجارية الأصغر حية تتنفس ضمن مؤسساتها الأضخم، ولكن تبقى تساؤلات عن نوعية النشر إذا ما هيمن لاعبون كبار في هذه الصناعة على مجالي نشر الكتب وبيعها.