تطور مفهوم الإشراف التربوي مرّ مفهوم الإشراف التربوي بتطورات كثيرة ومتنوعة، وأول مفهوم ظهر هو مفهوم التفتيش الذي تميز بأن: - وظيفة التفتيش لم تنشأ مستقلة كجهاز مختص بشؤون التربية والتعليم بل كانت في كثير من الأحيان ضمن وظائف أخرى ذات علاقة بها. -أن وظيفة التفتيش في بعض المجتمعات اصطبغت بصبغة دينية لتأثرها بالجانب العقائدي. ظهرت البوادر الأولى للتفتيش عند العرب مع ظهور عمل المحتسب وقد كان عمله يشمل أوجه النشاط الاجتماعي والاقتصادي بالإضافة إلى النشاط التربوي والتعليمي، وقد حظي المحتسب بمكانة تضاهي مكانة القاضي في أوساط المجتمع في ذلكم الوقت، حيث كان يوكل تعيينه إلى الإمام أو إلى نائبه، ثم وضع شروط أساسية لانتقائه منها: الحرية، العمل والعفاف، القدرة على القيادة والتوجيه، وبقي التوجيه في العصر الحديث لا يخالف في مفهومه وأهدافه عما كان سائدا في الماضي متأثرا في الوقت نفسه بالعالم الغربي نتيجة الاستعمار الذي جمد هذه الوظيفة لمدة طويلة، بالرغم من محاولات الأقطار العربية لتدارك الموقف بعقد اجتماعات وندوات وملتقيات من أجل توحيد النظرة والنهوض بهذا القطاع وتطويره، إلا أن الوسائل والإمكانيات المتوفرة والمرصودة لهذه الوظيفة لم ترق إلى مستوى يمكن من تحقيق الأهداف المنشودة، أما في أوربا فيعود ظهور التفتيش إلى القرن ال12 ميلادي، حيث كان الكهنة يتولون هذه المهام، وكانوا يقومون بتفتيش المعلمين وتنصيبهم وقد يطردونهم أحيانا إذا استلزم الأمر ذلك، كما كانوا يشرفون على المناهج والبرامج الملائمة لمعتقداتهم والمسايرة لأفكار الكنيسة التي يمثلونها ويعملون على إرساء قواعدها وحمايتها، أما عن التفتيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية فتجده مر بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: بدأت في منتصف القرن 17 م في منطقة «ماساتشوسس» أين كان أعضاء مجالس المدن هم الذين يختارون المعلمين ذوي الإيمان الصحيح والأخلاق الطيبة. - المرحلة الثانية: بدأت بتعيين لجنة من المواطنين هي التي تزور المدارس وتقيم طرائق التدريس بها وتتعرف على كفاءات المعلمين وتضع الوسائل الكفيلة لتحسين مستوى التعليم. - المرحلة الثالثة: ظهرت مع مطلع القرن الحالي حركة سريعة في تطور الإشراف وتقدم الإدارة فاستحدثت وظيفة المشرف الفني، وصار امتدادا للإدارة التربوية وارتبط هذا التطور بعوامل من بينها: تغير مفهوم التربية، تقدم البحوث السيكولوجية والتربوية، انتشار المبادئ الديمقراطية والإيمان بالفلسفة التجريبية، هذه العوامل متداخلة أدت إلى تطور الإشراف من المفهوم الاستبدادي إلى المفهوم الديمقراطي وظهور الإشراف العلمي والإبداعي واعتباره قيادة تربوية فعالة وأساسية في نجاح العملية التعليمية...17 في أدبيات الإشراف، من خلال التركيز على تحسين أداءات المعلم وحثه على التفوق وبذل الجهد باستمرار في إطار علاقة ثنائية إيجابية ديناميكية، ديمقراطية موضوعية أساسها الثقة والاتصال المفتوح والتعلم داخل الفصل، وهكذا نلاحظ أن الإشراف أصبح يركز أكثر على توجيه وتكوين المعلمين المنفذين للمناهج والسياسات التربوية لتحقيق النوعية والفعالية، إلا أنه وكما يرى «ذياب» أن هذا الإشراف نظام راق لم تصل إليه بعد الكثير من المجتمعات وخاصة الأنظمة العربية وأنه لابد من الأخذ به حتى يحدث ثوره شاملة في التعليم تبني من خلالها مجتمعاتها بناءا معرفيا وثقافيا، والمفهوم نفسه أخذ به «مرسي» الذي حدد أدوار المشرف التربوي الحالي في: -الموجه والناصح والمرشد الذي يستهدف مساعدة المعلم على تطوير نفسه ومستويات أدائه وهذا يستلزم قيام علاقة توجيه تقوم على النصح والإرشاد بدل الأوامر والتعليمات. -المتبني والعامل بالأسلوب العلمي والطابع التجريبي. -الشخص المستمد لسلطته ومكانته من قوة أفكاره ومهاراته وكفاءاته المحينة باستمرار ومن خبراته النامية والمتطورة، وهذا خلاف المفتش التقليدي الذي يستمد قوته من السلطة الشرعية. - هو الذي يساعد المعلم في زيادة ثقافته العلمية والمهنية في إطار جو ديمقراطي تحاوري أساسه الاحترام والثقة. - هو الذي يستعمل أساليب متنوعة في إشرافه كالزيارات والندوات والملتقيات بحيث تسخر كلها لهدف واحد هو رفع كفاءة وفعالية المعلم وتتبع مسارات أداءاته باستمرار وبشكل موضوعي. وبالتدقيق في هذه الأدوار التي حددها «مرسي» نجد أن الحديث أصبح عن الإشراف التربوي كمفهوم متطور يتضمن مجموعة من الممارسات البيداغوجية المعقلنة التي تصب في منبع واحد هو المعلم، ركيزة أي تحسين وتطور تعليمي تربوي وبالتالي رقي اجتماعي ثقافي، وهذا ما أكده «الأفندي» حيث حدد للمشرف التربوي دورا هاما ربطه بالتركيز على النهوض بعمليتي التعليم والتعلم وذلك من خلال تنسيق وتحريك وتوجيه نمو المعلمين في اتجاه يستطيعون معه وباستخدام التلاميذ أن يحركوا نمو كل تلميذ وأن يوجهوه إلى أغنى وأذكى مساهمة في العالم الذي يعيشون فيه. تحليل مهامه بعد أن كان الإشراف التربوي في مفهومه التقليدي "التفتيش" محصورا في ترصد أخطاء المعلم وما يحدث داخل الفصل، أصبح اليوم يعنى بتطوير الموقف التعليمي بكل جوانبه وبالتالي صار المشرف التربوي مطالبا ب: - تطوير المناهج: أصبح المنهاج المدرسي يرتبط بمجموعة الخبرات التي تساعد المتعلم على التكيف والاندماج في الحياة الاجتماعية وبالتالي فالخبرات هذه تكون في ثلاثة أبعاد أساسية هي: - الأهداف والمحتوى: - الإستراتيجيات والطرائق والأساليب المتبعة في عملية التعليم والتعلم. -أسلوب التقويم. إذن فتطوير المناهج وفق هذا المفهوم يعني تطوير العملية التعليمية التعلمية بكاملها ويعني أن مهمة المشرف ستكون مساعدة المعلم، المدير والإدارة التربوية والأولياء على تحقيق ذلك، كل وفق المهام المحددة له وخاصة المعلمين من خلال الدراسة العلمية التربوية والاجتماعية لهذه المناهج وتنفيذها واستخلاص إيجابياتها لتعزيزها وسلبياتها لتشخيصها وعلاجها أو برفع التوصيات والتوجيهات المناسبة لأصحاب القرار. - تنظيم الموقف التعليمي التعلمي: -إذ يمكن للمشرف التربوي أن يوجه المعلمين إلى وضع أسس لتصنيف التلاميذ إلى مجموعات حسب العمر أو الاستعدادات العامة أو إلى البيداغوجيات المناسبة التي تشمل العمل مع الفوج الغير متجانس "البيداغوجيا الفارقة"، كما يمكنه أن يقدم المساعدة في وضع جدول توزيع الأنشطة بما يتناسب مع طبيعتها والوقت الملائم لتدريسها. كما بإمكانه إرشاد المعلمين إلى كيفيات حسن إدارة الصف والاستغلال الأفضل للوسائل التعليمية. - تحديد الاحتياجات التربوية والمادية: فالمشرف التربوي يحدد احتياجات معلميه من المراجع العلمية والتربوية التي تسهم في تكوينهم وخاصة تأهيلهم إن كانت هناك مستجدات وتغييرات أو انتقاء أهم ما فيها وتقديمه في شكل مطبوعات أو كتيبات تحسن الفعل التعليمي. - تنظيم الدورات التكوينية: معظم الدول الآن تنحو إلى أن تجعل نظام إعداد المعلم نظاما موحدا يبدأ من الاختيار فالقبول فالإعداد لتصل إلى التدريب والتنمية أثناء الخدمة في حلقات متصلة، ولاشك أن التدريب أثناء الخدمة يعالج كثيرا من ثغرات الحلقات التي تسبقه إن وجدت أو يعمل على تأهيل المعلمين لجديد المناهج وتغييرات النظام التربوي والمشرف التربوي عامل هام في هذا النمط من التكوين وهو المسؤول والمساهم في نجاح التأهيل أو فشله من خلال السياسة التكوينية الناجعة أو المتذبذبة التي يرسمها وينفذها، وعصرنا المتدفق بالمعرفة يحتم على جهاز الإشراف تنظيم دورات دائمة مستمرة. - توظيف خبرات البيئة في عملية التعلم والتعليم: فالخبرات المقرر اكتسابها لا تكون فقط داخل حجرة الدراسة بل الأحسن أن يتم اكتسابها في وسطها الحي بحيث يذهب إليها المتعلم وهذا يستلزم من المشرف التربوي أن يشجع المعلمين ويوعيهم بذلك كما يتطلب منه العلاقات الإنسانية الاجتماعية الطيبة مع المسؤولين الإداريين المحليين الذين بإمكانهم تسهيل هذا الاتصال. -تطوير العلاقات العامة الجيدة: يدعو الاتجاه التربوي الحديث إلى توثيق الروابط بين المدرسة والمجتمع ذلك أن مجال التربية هو الحياة الواقعية ذاتها ولذا فالمدرسة عليها أن تساير حركية المجتمع في جميع المجالات وأن تندمج فيها وأن تصبح المعمل الحي للتربية فتفتح مرافقها لتكون مراكز تستخدم لأنشطة المجتمع المحلي، وأكيد أن جهاز الإشراف التربوي هو الذي سيقع على عاتقه بناء هذا الجسر الذي غاياته التغيير والتطوير. - تقويم العملية التعليمية: تشكل عملية التقويم جانبا أساسيا في العملية التعليمية التعلمية ذلك أنها هي التي تحدد مدى بلوغ الأهداف التربوية لإعادة النظر في جوانب بالتعديل أو التطوير، والمشرف التربوي مسؤول على تقويم كل جوانب العملية التعليمية بحكم علاقته المباشرة بها. وكل هذه المهام التي تناولناها بالتحليل أكدها «جيبهارد» Gebhard من خلال الدراسة التي قام بها في كثير من الدول حول تحليل دور المشرفين وتوصل إلى أن مهام المشرف التربوي تتلخص في: 1- توجيه أو قيادة ممارسة المعلم للتدريس. 2- تقديم اقتراحات حول الطرق التعليمية المثلى. 3- نمذجة التدريس. 4- تقديم النصائح. 5- تقويم التدريس. ويرى «فرمان» Freeman نقلا عن «فانزلو» Fanslow 1990 أن المشرف يعمل: 1- كحكم:Arbitre مراقبة مدى سلامة الممارسة والأفكار والتنبيه للأخطاء. 2- يقوم بالتعليق. 3- يقوم بالتقويم. 4- يقدم المساعدة. 5- يقوم بالتهيئة. وبالتالي فهناك إجماع بين المربين على أن الدور الأساسي للمشرف التربوي اليوم هو المساهمة في نجاح العملية التعليمية من خلال التركيز على المعلم بتكوينه وتأهيله ومساعدته على اكتساب الممارسات التربوية الراقية.