أصبح مؤكد أن الإقدام على أي تطوير وتحسين في العملية التربوية يكون منطلقه إعداد وتأهيل المعلم، ذلك أنه المسؤول عن تجسيد التطوير وأجرأته إلى مواقف تعليمية على درجة كبيرة من الفاعلية، ولهذا تعنى معظم دول العالم حاليا بسياسة تكوين المعلم وتحرص على أن تجعلها فعّالة، بدءا من اختياره وإعداده على مستوى مراكز جامعية بنظام تكاملي أو نظام تتابعي، إلى وضع الخطط والسياسات التي تجعله في حالة تجدد ونشاط دائبين وهو يمارس المهنة، ربطا بمتغيرات العصر الزاخر بالمعارف العلمية والتكنولوجية والتي لا بد من تضمينها المناهج حتى يكون المتعلم وفق هذا الجديد. يعد المشرف التربوي طرفا أساسيا في تنمية المعلم أثناء الخدمة، خاصة وأنها صارت تقوم اليوم على فكرة تعلم مدى الحياة التي تبقي المعلم مع مستجدات العلوم والأبحاث وكل المتغيرات التي تغني عناصر عملية التعليم والتعلم والتي تستلزم جملة مهارات وكفاءات يكسبها أولا المشرف التربوي من خلال تخطيطه لمواقف تربوية صحيحة، تعطي البيئة التعليمية لونها الحقيقي وباستخدام أساليب تقويمية واستراتيجيات تدريبية كفئة وفعّالة تساعد المعلم على إدراك المناخ المدرسي بإمكاناته الضخمة ومجالاته الواسعة للإبداع والتطوير في جوّ ملؤه الثقة والاحترام والتقدير والصراحة، قولا وعملا، وحتى يتسنى للمشرف التربوي تحقيق ذلك عليه أن يعمد إلى تحديد مؤشرات مساعدة تتمثل في: - تحديد الاحتياجات التدريبية للمعلمين والمساعدين الإداريين والعمل على إشباعها مع ترسيخ معايير متميزة في أداءها حتى يضمن النوعية. -تنمية مهارات الاستفسار والملاحظة والتحليل وتمحيص الأفكار لدى المعلم والمدير والتلميذ وزيادة قدرته على التحليل والوعي بمختلف الأبعاد لمعالجة الموضوعات التربوية وتصور بدائل مختلفة للتعامل معها. -تنمية قدرة المعلم على البحث والتجريب وحل المشكلات. - التعرف على الخصائص الفردية -قدرات، ميول، حاجات- التي تميز كل معلم. - الاهتمام بالبعد الإنساني والاجتماعي في العملية الإشرافية وذلك بتشجيع روح العمل الجماعي والمشاركة في التخطيط والتنفيذ والتقويم لكل العاملين في المؤسسة التربوية. وهذه الرؤيا تفرض على المشرف التربوي أن يعمل بأحد الأساليب الإشرافية التالية: الإشراف المشترك لا شك أن العمل الناجح مقوماته هو الناجم عن التفاعل والتعاون والتواصل بين جميع أطراف العملية التعليمية، والإشراف المشترك منطلقه مفهوم منحنى النظم، أي أن سلوك المشرف الإشرافي وسلوك المعلم التعليمي وسلوك المتعلم التعليمي هي أنظمة فرعية من نظام الإشراف التربوي الذي هو بدوره نظام فرعي من النظام العام الذي هو النظام التربوي، ومميزات هذا الأسلوب هو التعاون المستمر بين المشرف والمعلم وقدرة المشرف على التنسيق وإثارة الدافعية للعمل مع دعم قيم الاحترام والتقدير، مما يجعل الجو ثقة بين الجميع. الإشراف بالأهداف يرتكز هذا الأسلوب على مجموعة من العمليات، ويشترك فيها المشرف والمعلم وتتضمن تحديد أهداف واضحة قابلة للقياس وتحديد مجالات المسؤولية الرئيسية بين الطرفين في ضوء النتائج المتوقعة واستعمال المقاييس المحددة لقياس مدى تحقيق الأهداف المسطرة. الإشراف التطويري ينطلق هذا الأسلوب من قدرة المشرف على استشراف المستقبل ومواكبة المستجدات التربوية في مجال النمو المهني وقدرته على التنبؤ بالحاجات المستقبلية لعمليات تنظيم التعلم والتعليم والقيادة الإدارية التربوية، ومن ثم تقديم التجديدات التربوية وإدخالها على مناهج التعليم -محتوى، طرائق، وسائل- وعلى ممارسة الفئة المستهدفة بهدف التهيئة والإعداد المسبق للأدوار الجديدة والمهام المنتظرة، واقترح الدكتور «كارل جلكمان» نموذجا مفيدا للقيادة والإشراف التربوي في هذا التوجه يقوم على عاملين أساسيين هما: - نظرة المشرف لعملية الإشراف وقناعته بها. - صفات المعلم. والهدف دائما هو تحسين عملية التعلم، يقول «جلكمان» k Glickman إنه يستوجب على المشرف عند اختياره للأسلوب الإشرافي (التقويم) أن يطرح السؤالين التاليين: - ما الأسلوب الذي سينجح مع هذا المعلم؟ - كيف يمكن إثارة المعلم لمزيد من الإشراف والتطور الذاتي؟ التقنيات الإشرافية ترتبط التقنيات الإشرافية بكفاءة ومؤهلات المشرف التربوي ومدى احتكامه وتطلعه للجديد ورغبته في تحسين ورفع مردودية الفعل التربوي بتوظيف مخترعات العصر لخلق وإثارة دافعية المعلم، ومن بين هذه التقنيات: - تقنية التعليم المصغر Micro-Teaching وهي عبارة عن تدريب مهني مستحدث للمعلم، يعتمد على الاستخدام المنطقي الهادف لموقف تعليمي فعلي، أي تحديد مهارة تعليمية معينة للحصول على تغذية راجعة فورية تساعد على تقويم أداء المعلم وتطويره. -استخدام الفيديو: ويعد وسيلة وتقنية حديثة في العملية التعليمية بهدف تحسين الممارسات والسلوكات التي تؤدي إلى تعليم أكثر فاعلية من جانب المعلم والمتعلم. -الكمبيوتر: يستخدم كتقنية حديثة في تنمية العناصر الإبداعية في العملية التعليمية وخاصة الإشراف منها من خلال تقليص الأعمال الكتابية والورقية المفروضة على المشرف وزيادة السرعة في الإنتاج والأداء والموضوعية فيما يتعلق بالمعلومات والبيانات التي يتم جمعها، إلى جانب البحوث والأعمال العلمية التربوية التي يطلع عليها من خلال شبكة الأنترنيت والتي تجعله يحسن ممارساته دائما. هذه الأساليب الإشرافية الحديثة توافق مفهوم التكوين أثناء الخدمة المعتمد اليوم والذي قوامه كما يبين «عبد القادر يوسف» من خلال كتابه "مشكلات إعداد المعلم وتدريبه أثناء الخدمة" نقلا عن أحد المربين العرب بأنه كل برنامج منظم ومخطط يمكن المعلمين من النمو في المهنة بالحصول على مزيد من الخبرات الثقافية والمسلكية وكل ما من شأنه أن يرفع من مستوى عملية التعليم والتعلم ويزيد من طاقات المعلمين الإنتاجية، ولابد لهذا التدريب من خطة مسبقة وأن يتم في إطار جماعي تعاوني وبموجب فلسفة واضحة واستراتيجية مستنيرة وأهداف محددة، كما أن هذه الأساليب الإشرافية أصبحت تعتمد تقنيات ووسائل أخرى غير تلك التقنيات والوسائل التعليمية المعروفة -ندوات، أيام دراسية، ورشات- كالتكوين عن بُعد الذي أخذت به الكثير من الدول ومنها الجرائر وكذلك التكوين الذاتي. التكوين الذاتي يقوم التكوين الذاتي على مجهود فردي دائم ويعتمد على القدرات الذهنية للمعلم من أجل تحديث معلوماته بالرجوع إلى مصادر ووسائل متنوعة، وهو توجه جديد فرضته التحوّلات الكبرى التي يشهدها عالم الاتصالات عبر العالم في خضم التدفق العلمي والتكنولوجي وخاصة المسجل منه في ميدان الوسائل السمعية البصرية والإعلام الآلي وشبكة الأنترنيت، فكل هذه الوسائل أصبحت تقدم للمعلم تسهيلات في الحصول على المعلومات في أسرع وقت ممكن وأحسن صورة تمكنه من التكيف مع متطلبات العصر، ويهدف هذا التكوين إلى: - جعل المعلم يعتمد على نفسه في تكوين وتطوير ذاته. -تحسيس المعلم بضرورة البحث وتجديد المعلومات باستمرار. - نبذ روح الاتكالية في الحصول على الوثائق المدعمة لعمله. - التطلع الدائم لمستجدات عالم التربية والتدريس باستغلال الوسائل التكنولوجية. أساليب التكوين الذاتي - التكوين الذاتي المستقل: يتخذ أشكالا متعددة كالقراءة الذاتية، الكميوتر، الوسائل السمعية البصرية من تلفزيون،فيديو، شرائح، أشرطة والخبرة الذاتية في الميدان. -التكوين الذاتي الموجه: يستعين المعلم بطرف آخر هو مراكز مختصة أو المشرف التربوي الذي يوجه المعلم إلى مصادر محددة ترتبط بعلاج ثغراته بعد الزيارة التكوينية التقويمية أو ترتبط بمعرفة الجديد البيداغوجي الذي سيطبق أو هو بصدد التطبيق، وكلما كانت علاقة المشرف قائمة على القدرة العلمية وعلى الثقة والاحترام المتبادلين كلما زادت دافعية المعلم للإقبال على هذا النوع من التكوين. من خلال ما سبق نتوصل إلى أن الإشراف التربوي يعد نظاما فرعيا أساسيا من النظام الكلي الذي هو النظام التربوي وأن مفهومه تغيّر، حيث أصبح يرتبط بالخدمات والمساعدات التي تقدم للمعلمين بهدف النمو المهني حتى تأتي أداءاتهم ناجعة وبنوعية متميزة في بناء المجتمع، ذلك أن نوع الأمة يتوقف على المواطنين الذين تتكون منهم وأن نوع المواطنين يتوقف إلى حد كبير على نوع التربية التي يتلقونها وأن أهم العوامل في تقرير نوع التربية هو نوع المعلمين وهذه من مسؤولية المشرف التربوي، حيث عليه أن يهتم بتوعية المعلمين بما حولهم من مكونات وفعاليات النظام التعليمي وأن يفتح مجال الحوار والنقاش معهم وأن يخطط لمواقف تربوية صحيحة تعطي البيئة التعليمية لونها الحقيقي باستخدام وسائل وأساليب تقويمية واستراتيجيات تدريبية كفئة فعالة تجعلهم يدركون الإمكانات الضخمة ومجالات الإبداع والتطوير داخل المناخ المدرسي، فيسهم بذلك في تحقيق النقلة النوعية المستهدفة ويقضي على المفهوم التقليدي الذي ارتبط بالتجسس والترصد لأخطاء المعلمين وتطبيق الأساليب الجزائية العقابية وتقييدهم في ممارسات نمطية بعثت فيهم الملل والركود وقتلت عندهم روح المبادرة والابتكار، ولاشك أن المشرف التربوي الجزائري مع الإصلاحات المتبناة مؤخرا مطالب بأن يحرك طاقات معلميه حتى يقبلوا على أجرأة مناهج الإصلاح بذهنيات معرفية جديدة وممارسات أدائية مبتكرة تساير هذا العصر بخضمه المعرفي والتكنولوجي.