أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بجملة من التدابير التي ندب كل مسلم أن يفعلها قبل نومه، حماية له من التعرض لأخطار محتملة، وذلك لأن النائم في غفلة كاملة عما يحيط به، وروى «أبو موسى الأشعري» رضي الله عنه قال: احترق بيت في المدينة على أهله من الليل، فحدث بشأنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "إن هذه النار عدو لكم، فإذ ا نمتم فأطفئوها عنكم"، رواه «البخاري»، وروى «جابر» رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال "أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وغلقوا الأبواب وأوكوا الأسقية وخمروا الطعام والشراب"، ورواه «البخاري» "أوكوا الأسقية: شدوا فم القرب، وخمروا الطعام -أي غطوه-". لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم أمرا من أمور الدنيا والآخرة إلا أمر أمته به، كما حذرهم من شر ما يعلمه، وكان الناس يستضيئون بفتيلة يغمسونها في الزيت أو الدهن، فإذا نام أهل البيت وتركوا المصابيح أو الفتيلة مشتعلة فقد تجرها فأرة فتحرق البيت، وآنية الطعام إذا بقيت مكشوفة فقد تقع فيها الهوام والغبار والحشرات وهذا كله ضار، لذا فقد دعت السنة النبوية إلى تغطية آنية الطعام والشراب وشد فم القرب، وإلى غلق الأبواب ليلا على المنازل لحماية أهلها من شياطين الإنس والجن ومن اللصوص، وإن الإنسان المنصف ليعجب من دقة التوجيه النبوي وحرصه على حفظ مصالح الناس وجعل ذلك من صميم تعاليم الشريعة المطهرة. الحذر على الأطفال من الجن إذا جنح الليل عن «جابر بن عبد الله» رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا"، رواه «البخاري». اهتم الإسلام بصحة أتباعه والتنشئة السليمة لأطفالهم وحمايتهم من التشرد والضياع، فمتى أقبل الليل فعلى الصبيان ألا يبقوا خارج منازلهم، وإلا تولتهم شياطين الإنس والجن فأغوتهم وقد يصبحون لصوصا أو مجرمين، وقد يرغمون على ارتكاب الفواحش، لذا أهاب النبي الكريم بالمسلمين أن يكفوا أطفالهم بالليل ليحفظوهم من الانحراف، وروى «جابر» رضي الله عنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينام الرجل على سطح غير محجور عليه"، أي غير محاط بحاجز أو جدار، رواه «الترمذي»، وهذا أيضا من الهدي النبوي الرائع في المحافظة على سلامة المسلمين والاهتمام بشؤونهم، وروى «أبو هريرة» رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه"، متفق عليه، وهذا أيضا هدي نبوي كريم يمنع من الإصابة من أذى محقق لو كان الفراش قد خبأ حشرة أو عقربا، فكأن هذا الإجراء الذي أمر به الشرع إجراء سلامة ضروري لكل من يريد النوم وخاصة في البيوت القديمة والريفية وفي خيام المعسكرات. الوضوء للنوم تؤكد أبحاث علم الصحة إن على المرء إن أراد النوم الهادئ أن يغتسل قبل أن ينام أو أن يغسل وجهه ويديه وأن ينظف أسنانه بالمعجون والفرشاة، وهذه أمور تتوافق مع الهدي النبوي، فعن «البراء بن عازب» رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة"، رواه «البخاري»، وعن «عائشة» رضي الله عنها قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه ثم توضأ وضوءه للصلاة "، رواه البخاري، كما حضّ النبي الكريم في أحاديث كثيرة على استعمال السّواك. الدعاء عند النوم تفويض أمر ضعيفٍ لله يقول «ابن القيم» "لما كان النائم بمنزلة الميت وكان محتاجا لأن يحرس نفسه ويحفظها مما يعرض لها من طوارق الآفات، وكان فاطره تعالى هو المتولي لذلك وحده، علّم النبي صلى الله عليه وسلم النائم أن يقول كلمات التفويض والالتجاء والرغبة والرهبة ليستدعي به كمال حفظ الله له وحراسته لنفسه وبدنه، وأرشده إلى أن يستذكر الإيمان وينام عليه فإنه ربما توفاه الله في المنام، فإذا كان الإيمان آخر كلامه دخل الجنة، فتضمن هذا الهدي مصالح القلب والبدن والروح في النوم واليقظة والدنيا والآخرة"، وعن «أنس» رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي"، رواه «مسلم»، وعن «أبي هريرة» رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل: سبحانك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"، رواه الشيخان، وعن «البراء بن عازب» رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت، واجعلهن آخر كلامك فإن متّ متّ على الفطرة"، رواه الشيخان. النَوْمة الجهنمية.. يمكن أن يكون الاضطجاع على الفراش، على البطن أو على الظهر أو على أحد الشقين؛ الأيمن أو الأيسر، فما هي الوضعية الأمثل لعمل الأعضاء؟ حين ينام الشخص على بطنه يشعر بعد مدة بضيق في التنفس لأن ثقل كتلة الظهر العظمية تمنع الصدر من التمدد والتقلص عند الشهيق والزفير، كما أن هذه الوضعية تؤدي إلى انثناء اضطراري في الفقرات الرقبية، ومن المعجز حقا توافق هذه الدراسات الحديثة مع ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه «أبو هريرة» رضي الله عنه حين قال "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مضطجعا على بطنه فقال إن هذه ضجعة يبغضها الله ورسوله"، رواه «الترمذي»، وروى «أ بو أمامة» رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل نائم في المسجد، منبطح على وجهه، فضربه برجله وقال: قم واقعد فإنها نومة جهنمية"، رواه «ابن ماجه»، أما النوم على الظهر فإنه يسبب التنفس الفموي، لأن الفم ينفتح عند الاستلقاء على الظهر لاسترخاء الفك السفلي، لكن الأنف هو المهيأ للتنفس، لما فيه من أشعار ومخاط لتنقية الهواء الداخل، ولغزارة أوعيته الدموية المهيأة لتسخين الهواء، وهكذا فالتنفس من الفم يعرض صاحبه لكثرة الإصابة بنزلات البرد والزكام في الشتاء، كما يسبب جفاف اللثة ومن ثم إلى التهابها، إضافة إلى أنه يثير حالات كامنة من فرط التصنع أو الضخامة اللثوية، وفي هذه الوضعية أيضا فإن شراع الحنك واللهاة يعارضان فرجان الخيشوم ويعيقان مجرى التنفس فيكثر الغطيط والشخير، كما يستيقظ المتنفس من فمه ولسانه مغطى بطبقة بيضاء غير اعتيادية، إلى جانب رائحة فم كريهة، كما أنها تضغط على ما دونها عند الإناث، فتكون مزعجة كذلك، وهذه الوضعية غير مناسبة للعمود الفقري لأنه ليس مستقيما. أما النوم على الشق الأيسر فهو غير مقبول أيضا لأن القلب حينئذ يقع تحت ضغط الرئة اليمنى، والتي هي أكبر من اليسرى، مما يؤثر في وظيفته ويقلل نشاطه، خاصة عند المسنين، كما تضغط المعدة الممتلئة عليه فتزيد الضغط على القلب، والكبد لا يكون ثابتا، بل معلقا بأربطة وهو موجود على القلب وعلى المعدة مما يؤخر إفراغها، وهنا يكون النوم على الشق الأيمن هو الوضع الصحيح، لأن الرئة اليسرى أصغر من اليمنى فيكون القلب أخف حملا وتكون الكبد مستقرة لا معلقة والمعدة جاثمة فوقها بكل راحتها، ويعتبر النوم على الجانب الأيمن من أروع الإجراءات الطبية التي تسهل وظيفة القصبات الرئوية اليسرى في سرعة طرحها لإفرازاتها المخاطية. من هنا يتبين أن النوم على الجانب الأيمن هو الصحيح من الناحية الطبية والذي تتمتع فيه كافة الأجهزة بعملها الأمثل أثناء النوم، وهو أيضا القدوة الحسنة لنبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم حين قال "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن"، رواه «مسلم». إن تعليمات النبي الأعظم وهديه في النوم تمثل قمة الإعجاز الطبي، حين تنهى عن الوضعية الأكثر سوءا، وهي النوم على البطن وتندب للنوم على الجهة الأصح وهي اليمنى، وتسكت عن جهتين أخريين أقل سوءا، رحمة بنا وحتى تفسح لنا حرية التقلب في النوم دون حرج أو مشقة. التبكير للنوم والاستيقاظ خُلُق نبوي عن «صخر الغامدي» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللهم بارك لأمتي في بكورها"، رواه أصحاب السنن وحسنه «الترمذي»، وعن «عبد الله بن مسعود» رضي الله عنه "ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل قيل ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة فقال: بال الشيطان في أذنه"، رواه «البخاري»، وعن «أبي برزة» رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعده"، رواه الشيخان، وعن «جابر» رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إياك والسمر بعد هدأة الرجل، فإنكم لا تدرون ما يأتي الله في خلقه"، صححه «الحاكم»، ويقول «ابن حجر» "المراد بالسمر ما كان في أمر مباح، لأن الحرام حرام في كل الأوقات، ويكره السمر بعد العشاء لأنه قد يؤدي إلى النوم عن صلاة الصبح أو قيام الليل"، لكن العلماء استحبوا السهر أو السمر في أمور ضرورية كمؤانسة ضيف أو مداعبة زوجة أو مذاكرة علم أو للتشاور في أمر من أمور المسلمين، فعن «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يسمر هو وأبو بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معهما"، رواه «الترمذي». ريح الصبا يمد الجسد برياحين الشباب يحمل الحديث النبوي "بورك لأمتي في بكورها" معجزة علمية، إذ يؤكد المتخصصون تأثير ريح الصبا في الفجر على تحسين إنتاج الإنسان العقلي والعضلي، خاصة وقد أمر بالقيام لصلاة الفجر في الغلس ليستنشق الهواء المشبع بالأوزون الذي يبعث في أجهزة البدن كلها وخاصة العصبي الطاقة والفعالية والصحة الوفيرة، والعلماء اليوم يدعون الراغبين في دوام شبابهم وحيويتهم فينصحونهم بالنهوض المبكر، مؤكدين أن المعمرين الذين يتمتعون بقوة الشباب وصلوا إلى هذا العمر المديد بسبب استيقاظهم المبكر واستمتاعهم بريح الصبا كل يوم.