بذلت الإدارة الأمريكية الحالية مؤخرا جهود مضنية من أجل إطلاق عربة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، حيث لم تترك فرصة إلا واستغلتها لمطالبة الدول العربية بخطوات تطبيعية في اتجاه الصهاينة، وذلك تحت مزاعم إرساء السلام في المنطقة، ومن دون الحديث عن المقابل الحقيقي لفتح العرب أبواب دولهم على مصاريعها لقاء التطبيع، وقد كان من اللافت النشاط الواضح للرئيس الأمريكي «باراك أوباما» ووزيرة خارجيته «هيلاري كلينتون»، إلى جانب رئيس الوزراء الصهيوني «بنيامين نتنياهو» على هامش الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سعوا بجد لترتيب عقد لقاءات ثنائية مع مسؤولين عرب لإقامة وتعزيز علاقات مشتركة يكون مدخلها الاصطفاف في مواجهة الخطر الإيراني. كما بات واضحا فإن الصهاينة نجحوا إلى حد ما في إعادة ترتيب الأخطار التي تهدد الأمة العربية في المنطقة، حيث تراجعت الأخطار التي يشكلها المشروع الصهيوني في المنطقة في قائمة أولويات الأمن القومي العربي على حساب ملفات أخرى، وبدلا من أن يصبح الصهاينة العدو الأول والأخطر أصبحوا ضمن مجموعة من الأخطار ومن ثم تحولوا إلى شركاء مع العرب ضد أخطار خارجية، هذا هو المخطط الذي أعدته حكومة «نتنياهو» ويروّج له «أوباما» في المنطقة والعالم، لذلك فإن القمة الثلاثية التي عقدت في نيويورك بين «أوباما» و«نتنياهو» و«أبو مازن» كانت فاشلة بحق لأنها ليست لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وإنما لالتقاط صورة يروّج بها «أوباما» لنفسه كداعية للسلام، قد يستفيد منها لاحقاً إذا ما فكّر في إعادة ترشيح نفسه، وفي الوقت ذاته الإيحاء كما لو أن هناك مفاوضات سلام بين السلطة الفلسطينية وحكومة «نتنياهو»، يتم استخدامها لحث الدول العربية على الهرولة نحو فتح أبواب التطبيع مع تلك الحكومة والدخول في شراكة معها ضد أخطار أخرى، حتى لو لم يتم وقف بناء المستوطنات ومواصلة اغتصاب المزيد من أرض فلسطين وتشريد العائلات المقدسية كما يحدث حاليا، وهذا ما يفسر تصريح «أوباما» في خطابه في الأممالمتحدة الذي قال فيه إن الوقت حان لإعادة إطلاق المفاوضات دون شروط مسبقة، وكان من الواضح أن الجانب العربي هو المقصود من هذا التصريح، أي أن على السلطة الشروع في المفاوضات مصطحبة معها التنازلات ومن دون شروط مسبقة تفرضها على «نتنياهو»، وهنا تبدو بعض ملامح ما يسمى "مشروع أوباما للسلام" الذي يعد مشروعاً صهيونياً بامتياز ليكشف عن أحد وجوه «أوباما» الحقيقية، الذي انتعشت حركة الاستيطان في عهده ونزل سقف المطالب العربية إلى مستوى التجميد بدلاً من الإزالة.