أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يتخيّروا من الألفاظ أحسنها ومن الكلمات أجملها عند الحديث، إشاعة لروح الألفة والمودة بينهم، وهنا تكون هذه الخصال فرصة لدفع أسباب الهجر والقطيعة والعداوة، فقال تعالى "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِينا"، ويقول بعض أهل العلم إن هذا من لطفه سبحانه وتعالى بعباده، حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يؤمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما، والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح، فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره، وقوله تعالى "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُم"، أي يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم، فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه، فإنه يدعوهم "ليكونوا من أصحاب السعير"، وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة فإن الحزم كل الحزم، السعي ضد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها، فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم. رقابة الله وَسِعت كل شيء الحقيقة التي قررها القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات هي أن الكلام مسطور ومحفوظ، وهذا كي يكون الإنسان حسيبا على نفسه مراقبا للسانه، يقول الله عز وجل "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد"، ولما حكى الله عز وجل عن اليهود وبشاعة أقوالهم عقب فقال "لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق"، وقد أخبر الله عز وجل أن الملائكة تحصي على الناس أقوالهم وتكتبها، فقال "أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُون"، والآيات في هذا كثيرة جدا والمقصود تنبيه العباد إلى أن ما يصدر عنهم من أقوال يكتب، فإما لهم وإما عليهم فإذا التزم الإنسان القول الحسن في جميع أحواله لم يكتب في صحيفته إلا الخير الذي يسره يوم القيامة. عدم التحقير شرط جواز سوء الوصف حثّ الإسلام الناس على انتقاء الألفاظ الطيبة التي تدخل السرور على الناس فقال الله عز وجل "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا"، ولم يبح الله عز وجل لعباده الجهر بالسوء إلا في أحوال محددة كحالة التظلم فقال "لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً"، وقال «يحيى بن معاذ» "ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين، إحداها إن لم تنفعه فلا تضره، والثانية إن لم تسره فلا تغمه، والثالثة إن لم تمدحه فلا تذمه"، وقد كان الصالحون يتعهدون ألسنتهم فيحرصون على اختيار الألفاظ والكلمات التي لا يندمون عليها، فهذا «الأحنف بن قيس» يخاصمه رجل فيقول ل«لأحنف» "لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا"، فقال «الأحنف» "لكنك والله لو قلتَ عشرا ما سمعتَ واحدة"، ورأى «عيسى» عليه السلام خنزيرا فقال "مر بسلام"، فقيل له "تقول هذا لخنزير؟"، قال "أعود لساني الخير"، أما العلامة «تقي الدين السبكي» فسمع ولده العلامة «تاج الدين» يقول لكلب "يا كلب بن كلب"، فنهاه عن ذلك فقال "أليس كلب بن كلب؟"، فقال "شرط الجواز عدم التحقير"، فقال «تاج الدين» "هذه فائدة".