إن الناس اليوم في حاجة ماسة إلى مُداراة الغير لاسيما الخصوم والحُسّاد والبُغضاء وما أكثرهم في هذا الزمان، فالكثير منا يشتكي هؤلاء ولا يدري كيف يتعامل معهم، فكثيرا ما تتأجج نار الخصومة بين الجيران والزوجان والإخوان بسبب جهل الواحد منا كيف يدفع عن نفسه الوصول إلى الشجار والمخاصمة ومن ثَمّ المقاطعة، والله عز وجل يأبى علينا التقاطع ويرضى لنا التواصل، لذلك تأتي المداراة بحلٍّ لا نظير له لإبقاء ماء الوجه محفوظا، ولإبقاء الصلة بين المتخالفين متصلة إلى أن تذهب البغضاء والعداوة التي يؤججها إبليس وأعوانه، والمُداراة من أخلاق المؤمنين الصالحين، ومن أقوى أسباب الألفة بين المسلمين، وأنجح وسيلة لدفع شر أعداء الملة والدين، فالمرء مطلوب منه مداراة الأعداء والأصدقاء على حد سواء. ولقد احتاج الرسل والأنبياء عليهم السلام إلى سلوك هذا السبيل مع أعدائهم، فها هو شعيب عليه السلام يداري ويلاطف قومه قائلاً: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (هود: 84، 86)، وإبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام عندما قال له أبوه: (لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (مريم: 46)، فقال له إبراهيم عليه السلام في هدوء ورويّة: (سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) (مريم: 47)، وقال الله عز وجل موصياً موسى و هارون عليهما السلام عندما أرسلهما إلى الطاغية فرعون: (فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه: 44) فمن باب أوْلى أن نسير على هذه الخطى نحن الضعفاء، الذين تضيق صدورهم لأتفه الكلمات. وعلى هذا المنهاج سار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام والسلف الصالح، فدفعوا بذلك كثيراً من الشرور، ونالوا مقصودهم بأقل مجهود، وفازوا برضى الله عز وجل وحازوا ثوابه، وكُفُوا مؤونة خصومهم، واتقوا مكرهم، وتخلصوا من لَجاجهم، وقد قال الله تعالى: (وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت: 34، 35). والمُدارَاةُ هي المُدَارَأَة في حسن الخُلُق والمعاشرة؛ يقال: دَارَأتُه مُدارَأةً وداريته إذا اتقيته ولايَنْتُه. وقال آخر: المداراة خفض الجناح للناس، ولِينُ الكلام، وترك الإغلاظ لهم في القول. وقال آخر: هي الدفع برفق. وقد يظن بعض الناس أن المداراةَ هي النفاق، كلا، بل هي معاملة الناس بالحسنى لدفع شرّهم وكيدهم حتى تنطفئ نار العداوة دون أن تُقطع الصلة، وقد وصى الله تعالى بذلك الأبناء إذا كان الآباء كافرين أو مشركين فقال: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان: 15). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنَّا نُكشِّر في وجوه قوم وإنَّ قلوبنا لتلعنهم) رواه البخاري، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مداراة الناس صدقة) رواه أبو داود، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) رواه الترمذي. وقد ورد على لسان الصحابة والعلماء والصالحين في فضل المداراة وحاجة الناس إليها مع الخصوم والأصدقاء الشيء الكثير، ومن ذلك ما قاله أبو الدرداء لأم الدرداء رضي الله عنهما: إذا غضبتُ فرضِّني، وإذا غضبتِ رضَّيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق. فلو سلك الأزواج هذا السلوك لما افترق زوجان، ولتماسكت الأسر، وحلَّ الوئام مكان الخصام. وقال معاوية رضي الله عنه: لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت؛ قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدوها خلّيتها، وإن خلَّوْا مددتها. وقال الحسن البصري رحمه الله: كانوا يقولون: المداراة نصف العقل، وأنا أقول: هي العقل كله. وقال محمد بن الحنفية رحمه الله: ليس بحكيم من لا يُعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً، حتى يجعل اللهُ له فرجاً. وقال الشافعي رحمه الله: لما عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ * * أرحت نفسيَ من همِّ العداواتِ إني أحيِّي عدوي عند رؤيته * * لأدفع الشر عني بالتحياتِ وأُظهِرُ البِشْرَ للإنسان أُبغضه * * كأنما قد حشا قلبي محباتِ الناس داء ، وداء الناس قربُهُمُ * * وفي اعتزالِهُمُ قطعُ الموداتِ وقال الخطابي رحمه الله: ما دمتَ حياً فدارِ الناسَ كلَّهُمُ * * فإنما أنت في دارِ المداراةِ من يَدْرِ دَارَى ومن لم يَدْرِ سوف يُرى * * عمَّا قليلٍ نديماً للنداماتِ وقال ابن حبان رحمه الله: من التمس رضا جميع الناس التمس ما لا يُدرك، ولكن يقصد العاقل رضا من لا يجد مِن معاشرته بُداً، وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها، واستقباح أشياء كان يستحسنها، ما لم يكن إثماً؛ فإن ذلك من المداراة، وما أكثر من دارى فلم يسلم، فكيف توجد السلامة لمن لا يُداري؟ وقال ابن بطال المالكي رحمه الله: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي من أقوى أسباب الألفة بينهم ، فإن قال بعضهم : إن المداراة هي المداهنة ، فهذا غلط ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها، والمداهنة محرَّمة. وقال الماوردي في دب الدنيا والدين: إن الإنسان إن كان مأموراً بتألُّف الأعداء، ومندوباً إلى مقاربتهم ، فإنه لا ينبغي له أن يكون لهم راكناً، وبهم واثقاً، بل يكون منهم على حذر، ومن مكرهم على تحرُّز، فإن العداوة إذا استحكمت في الطباع صارت طبعاً لا يستحيل، وجِبِلَّة لا تزول، وإنما يستكفي ويستدفع بها أضرارها كالنار يستدفع بالماء إحراقها، ويستفيد به إنضاجها، وإن كانت محرقة متأججة في يابس الحطب لا يقربها إلا تالف، ولا يدنو منها إلا هالك. وقال بعض العلماء: رأس المداراة ترك المماراة. وقد قيل: اتسعت دارُ من يُداري، وضاقت أسباب من يُماري. والمداراة مندوبة مع الناس سيما مع الأعداء والخصوم والحساد، ومن يُخشى شره أو ضُره، والمداهنة محرمة منهي عنها؛ فما الفرق بينهما؟ الفرق الأساس بينهما أن المداهنة تكون على حساب الدين، والمداراة تكون على أمر دنيوي، فالمداهنة مرادفة للنفاق، قال ابن القيم رحمه الله: المداراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذم، والفرق بينهما أن المداري يتلطف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق، أو يرده عن الباطل، والمُداهن يتلطف به ليُقرّه على باطله ويتركه على هواه؛ فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق. وصية للآباء تجاه إجازة الأبناء يشتكي كثير من الآباء والأمهات من أولادهم في الإجازة الصيفية وإجازة العام، ويَعُدّون هذه الإجازة عبئًا ثقيلاً عليهم، وينتظرون بفارغ الصبر الوقت الذي تُفتح فيه المدارس وتعود فيه الدراسة ليرتاحوا من أولادهم الذين ملأوا البيت ضجيجًا ومشاكل. وإن هذه النظرة القاتمة للإجازة الصيفية من الآباء والأمهات منبعها هو سوء أو عدم استغلال الإجازة من قِبل الوالدين، فلابد من تصحيح هذا المفهوم المتأثر بالنتائج السلبية للإجازة، وهي نتائج حتمية للفراغ الذي لا يُحسَن استغلاله. إن الإجازة فرصة ثمينة للوالدين لتربية أولادهم عن قرب، وأن يغرسوا فيهم بعض المفاهيم والأفكار الجميلة، وأن يُعوّدوهم على أشياء نافعة، ويُكسبوهم فوائد جمة، فالوقت نعمة عظيمة، عرف قدرها كثير من الناس، فعمروا أوقاتهم بالطاعات وبما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، فكانت السعادة لهم، وجهل آخرون قيمة هذه النعمة، فتحولت إلى نقمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ). فهذه النعمة تتحول إلى نقمة إذا ملأ الإنسان هذا الوقت بما هو ضار لنفسه أو للآخرين، بل هو نقمة إذا مُلئ بلا فائدة منه، لأن الإنسان محاسب يوم القيامة على وقته خاصة وقت الشباب، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عمره فيما أفناه، وعن شابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) ولأهمية الوقت أقسم الله به في عدة آيات من كتابه فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر) (العصر: 1، 2). وقال تعالى: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) (الضحى: 1، 2). وغيرها من الآيات التي فيها قسم من الله بجزء من الزمن، بل الوقت هو وعاء العمل، والله تعالى نبهنا إلى ذلك فقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان: 62)، فحري بالمسلم أن يملأ وقته بالنافع من العلم والعمل، ولكن الأولاد غالبًا لا يدركون أهمية الوقت فيحتاجون إلى من ينبههم إلى قيمته، ويوجههم إلى كيفية استغلاله، وهذا دور المربين من الوالدين والمعلمين وخطباء الجوامع ووسائل الإعلام، فإذا تم توجيه الأولاد إلى ما ينفعهم فإنهم يقبلون على ذلك، ولكن لابد أن يضع الوالدان في ذهنهما أن ليس كل فكرة قد يقبلها ولدُهم، فهناك ما يحبه الولد وما لا يحبه، فعلى الوالدين أن تكون الفكرة الأهم عندهم هي حسن استغلال الوقت دون ضغط نفسي على الأولاد وإنما بالإقناع، لأن الولد إذا أقبل على الشيء برغبة أبدع فيه وأجاد، وإذا سيق إليه بالإكراه فإنه غالبًا يكون نصيبه الفشل. فلا بد إذًا من التشجيع والترغيب والمُسايَسة، فإقناع بعض الأولاد صعب وتوجيههم مُتعب، ولكن يوصى بالصبر فما فاز إلا الصابر، وليتذكر الوالدان أنهما إن لم يشغلا أولادهما بما هو نافع، أشغلهما أولادهما بما هو مُزعج أو ضار، فالوقاية خير من العلاج، والطفل إن لم تشغله أشغلك. الأدب مع الله قمة الآداب الأدب مع الله عز وجل هو رأس الأمر وعموده، وهو أهم ما يقدمه العبد في دنياه، وهو أنواع ثلاثة؛ أحدها صيانةُ معاملته من أن يشوبها بنقيصةٍ، الثاني صيانة العبد قلبَه من أن يلتفت إلى غيره، الثالث صيانة إرادته أن تتعلق بما يمقتك عليه، ومن الأدب مع الله عدم رفع البصر إلى السماء في الصلاة للنهي عن ذلك، ومن الأدب مع الله أن لا يستقبل بيته ولا يستدبره عند قضاء الحاجة في الفضاء والبنيان، ومن الأدب مع الله السكون في الصلاة وعدم الالتفات فيها والاستماع للقراءة في الصلاة. والمقصود من ذلك كله أن الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهراً وباطناً، ولا يستقيم لأحدٍ قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه وما يُحب وما يكره، وأن تكون له نفسٌ مستعدة قابلة متهيئة لقبول الحق علماً وعملاً. وإذا لم يُحسن المرء الأدب مع ربه فما الذي يُرجى في الآخرة من رجلٍ أساء أدبه مع الله تبارك وتعالى؟ وهل يُرجى من مسيء الأدب مع الله أن يُحسن أدبه مع خلقه؟ أعمال تساهم في دوام المودة بين الزوجين هناك أسباب وعوامل تعين الزوج للفوز بحب زوجته وكسبها دائماً، وهذا بلا شك يساعد في تقليل العوامل السلبية المسببة في نشوء المشاكل والخلافات الزوجية، ومن هذه الأسباب أنه ينبغي على الزوج التعرف على ما تحبه زوجته، والحرص على تحقيق ذلك وإظهاره. وبالمقابل الابتعاد عما تكرهه الزوجة من تصرفات وأخلاق. فيُقابلها دائماً بكل جميل، وأجمل شيء هو الاقتداء بهدي وخلق سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم. حاول دائماً تجنب أسباب الخلاف، فكن رجل سياسة يُحسن التعامل من أجل المصالح المشتركة. اعمل بقول الإمام الليث بن سعد حيث يقول: أحب أن أعامل الناس على قدْري. فانظر ما هو قدْرُك وتعامل به، فلا تظهر المهانة أو الترفع على شريكتك بل ارفعها دائماً واجعلها تحس أنها أهم إنسانة في الوجود بالنسبة لك، فسوف تجد المعاملة نفسها بإذن الله تعالى. لا تضرب الوجه ولا تقبح الكلام كما أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كنت في منتهى غضبك، لأن هذا سوف يجرح نفسها ويؤذيها. تعوّد الاستماع منها ومشاركتها أحزانها كما تشاركها أفراحها، وخذ بمشورتها في بعض جوانب الحياة التي تخصكم كشركاء. عليك بالزينة أخي الزوج.. تزين لزوجتك كما تحب أن تتزين هي لك، أكثر من الطيب، عوّد نفسك على السواك، وأحسن من تصفيف شعرك، ولا تعتقد أن هذا الفعل شيء جديد أو أنه من اختصاص النساء، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته الأخيار يتزينون لزوجاتهم. احرص في كل يوم على أن تظهر وتتصرف مع زوجتك وكأن هذا اليوم هو أول يوم في زواجكما.