أسواق الجملة: اعادة بعث شركة "ماقرو" وتطوير نشاطاتها خلال السنة الجارية    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    التقلبات الجوية: تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة خلال 24 ساعة الأخيرة    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    هطول أمطار رعدية غزيرة في 25 ولاية    دخول مركب "كتامة أغريفود" مرحلة الإنتاج قريبا    الجيش الصحراوي يستهدف مقرا لقيادة جيش الاحتلال المغربي بقطاع المحبس    تجارة: انطلاق ورشات العمل تحضيرا للقاء الوطني لإطارات القطاع    المغرب: لوبيات الفساد تحكم قبضتها على مفاصل الدولة    مجلس الأمن الدولي: الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    التنفيذ الشامل لاتفاق السلام لتحقيق المصالحة الوطنية في جنوب السودان    الجزائر تدعو روسيا وأوكرانيا إلى وضع حدٍ للحرب    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية.. سايحي يستقبل ببرايا من قبل رئيس جمهورية الرأس الأخضر    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    بشعار "لا استسلام للخضر" في مباراة الحظ الأخير    مسابقة لاختيار أحسن لباس تقليدي    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    توقيف 3 أشخاص بحوزتهم 692 قرص مهلوس    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    مولودية الجزائر تحتاج للتعادل وشباب بلوزداد لحفظ ماء الوجه    السيدة منصوري تشارك بجوبا في أشغال اجتماع اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الإفريقي حول جنوب السودان    نشرية جوية خاصة: قيادة الدرك الوطني تدعو المواطنين إلى الحذر واحترام قواعد السلامة المرورية    رابطة أبطال إفريقيا: مولودية الجزائر على بعد نقطة من ربع النهائي و شباب بلوزداد من أجل الخروج المشرف    أولاد جلال : المجاهد عمر ترفاس المدعو عامر في ذمة الله    أمطار غزيرة متوقعة عبر عدة ولايات بوسط وشرق البلاد بداية من مساء اليوم الجمعة    قافلة تكوينية للفرص الاستثمارية والمقاولاتية لفائدة شباب ولايات جنوب الوطن    قانون المالية 2025 يخصص تدابير جبائية لفائدة الصناعة السينماتوغرافية    الأمم المتحدة: حشد الإمدادات الإنسانية لتوسيع نطاق المساعدات في غزة    تنصيب لجنة محلية لإحصاء المنتوج الوطني في ولاية إن قزام    الطارف… انطلاق أشغال اليوم الدراسي حول منصة "تكوين" الرقمية (فيدو)    سفير بريطانيا: سنلبي رغبة الجزائريين في تعزيز استخدام الإنجليزية في التعليم    قطر… سعادة السفير صالح عطية يشارك رمزيًا في ماراثون الدوحة 2025 العالمي    الأرصاد الجوية: أمطار وثلوج وبرد شديد في المناطق الشمالية اليوم الجمعة    بلعريبي… وزارة السكن تطلق حملة لمكافحة التغييرات العشوائية في السكنات    وزير العدل يشرف على تخرج الدفعة ال27 من الطلبة القضاة في القليعة    طاقة: ربط أكثر من 70 ألف محيط فلاحي بالشبكة الكهربائية عبر التراب الوطني    الجزائر والسنغال تعملان على تعزيز العلاقات الثنائية    كرة اليد/مونديال-2025/ المجموعة 2 -الجولة 2 : انهزام المنتخب الجزائري أمام إيطاليا (23-32)    الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين يدين خرق الشرعية الدولية ويدعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره"    تجريم الاستعمار الفرنسي محور ندوة تاريخية    المجلس الشعبي الوطني يطلق مسابقة لأحسن الاعمال المدرسية حول موضوع "الجزائر والقضايا العادلة"    معرض ومؤتمر الحج الرابع بالسعودية: الجزائر تتوج بالمرتبة الأولى لجائزة تكريم الجهود الإعلامية    فرنسا تتخبط في وضع اقتصادي ومالي خطير    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    بلمهدي يزور بالبقاع المقدسة المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء الذين أكرمهم رئيس الجمهورية برحلة لأداء مناسك العمرة    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    وزير الثقافة يُعاينُ ترميم القصور التاريخية    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حب في الحرب
قصة - كوثر أبو هاني/ غزة

الجندي الذي أحببته مرتين: مرة في الحرب ومرة دائما؛ زارني الليلة في غرفة رقم"5" للاجئين بمدرسة الزيتون الابتدائية "ب"..غزة!
اطمأن على قلبي.. ومضى نحو الدبابات.
قال لي "سأعود في سلام.."
كان رجلا روحه متجددة، علمني نسج الأحذية الصوفية ونسجنا معا أحذية كثيرة للأطفال اللاجئين، وزعناها بينهم قبل بدء الشتاء.. وتمنيتُ لو علمني كيف أنسج الخبز لأوزعه على الجائعين في الحرب الآن..
في مدرسة اللاجئين صرنا نصف طابورا صباحيا لنستلم رغيف الفطور.. الصغار الذين كانوا يتعلمون في هذه المدرسة يتضاحكون لأن طابورهم المدرسي تحول إلى نوع آخر يبعث السخرية في أنفسهم!.
الحرب عرّفتني على حبيبي..
كان حبيبي مقاوما في الجبهة الشمالية، المنطقة المركزية للحرب..
منذ أن عرفني قرر الانضمام إلى المقاومة ومحاربة الاحتلال !
كان قبل كل شيء لاجئا معنا في المدرسة، نزح من المنطقة الشمالية..
كنتُ أجلس مع نفسي تحت شجرة الأكاسيا المزروعة في ساحة المدرسة، أكتب مذكراتي الحربية وأردد بصوت عال مقاطع شعرية أحفظها لمحمود درويش وإبراهيم طوقان ولوركا.. فجأة شعرت بيد تدق كتفي من الخلف وأسمع صوتا هادئا كالحزن ينشد: "دعوني وحيداً مع النهار.. أرجوكم دعوني أولد*."، شهقت واستدرتُ لأرى من؟.. فوجئت برجل غريب يقترب مني ويستأذنني أن يشاركني وحدتي!. صمت لبرهة ثم قلتُ "تفضل".. سألني عن علاقتي بالشعر، فقلتُ "من بعد الحرب فقدت علاقتي بأي شيء"، فقال "لكنني سمعتك تنشدين الشعر".. قلتُ له أن ذلك مجرد تسلية لا أكثر.. فتنهد وهو يقول "الموت أهون من هالحياة".. استدركته: "لكنك قبل قليل كنت تطلب بأن يدعوك وحيدا مع النهار لتلد!".. ضحك والتزم الصمت حتى همّ بالقيام، شكرني على رحابتي وتركني مع نفسي..
الحياة في المدرسة تعيسة واليوم طويل جدا.. كنتُ أعد الساعات ساعة بساعة وأنا أنتظر حلول الليل لأنام وأتخلص من ثقل النهار الجاثم فوق صدري.. أبعثر الوقت في مراقبة الأطفال اللاجئين وهم يلعبون كرة القدم بعلب السردين الفارغة ويصفقون للفريق الفائز كما لو أنهم يلعبون في مبارات حقيقية.. أتحلّف للخبز والملح اللذين يهربان منا في مثل وقت مدقع كهذا..
كان مكاني المفضل هو الجلوس تحت شجرة الأكاسيا.. من هناك أدع عيني تركض مع الأطفال وتنشر الغسيل مع النساء وأطير مع العصافير بعيدا.. أبعد من الطائرات.. بقيت في ذلك اليوم جالسة في مكاني حتى وقت متأخر من الليل، حذرتني أم كنعان من البقاء وحدي خارج الغرفة في الليل، وأم كنعان لاجئة طيبة تمكث معنا في نفس الغرفة، قالت لي موجهة خطابها لجميع النساء في الغرفة "في أي وقت وفي كل مكان لا بد وأن يوجد أولاد حرام!." لم أبال بتحذيرها وبقيت هناك..
من بين العتمة، لمحت كائنا صغيرا يدب على أطراف أصابع قدميه.. ولم أكد أقف لأستكشف خيالا ذلك أم حقيقة، حتى فوجئت بولد يشد من يدي دفتر المذكرات ويهرب.. ركضت خلف الولد وأنا ألهث والعرق يتصبب مني.. وحين وصلت خزانات المياه البعيدة عن غرف النوم توقّفتُ وفقدتُ أثر الولد تهدل كتفاي خيبة وانزلق رأسي إلى صدري.. حركتُ قدمي ببطئ لأعود إلى الغرفة إلا أن يدا ما دقت كتفي وصوتها ينشد "وبقدر ما عشت أريد أن أعيش، هذه بغيتي".. استدرتُ ليفاجأني الرجل ذاته الذي جلس معي تحت الشجرة!. مدّ إليّ دفتر مذكراتي وهو يعتذر بخجل عن فعلته المدبرة ليلتقي بي خفاء في الظلام، فهو الذي دفع الولد ليسرق مني الدفتر ويهرب خلف خزانات المياه لألحق به ويلتقيني الرجل.. أبديتُ غضبي لأجل ذلك، فظل الرجل يعتذر ويتأسف لي على فعلته، شعرت بأن الرجل يحمل نوايا طيبة فابتسمت مولية ظهري له، لكنه منعني من ذلك وفجعتُ إذ شدني من يدي واحتواني بصدره.. أحسست بحرارة طفيفة تنبعث من صدره وتتسلل إلى جسدي.. وضع أصابعه تحت ذقني ورفع رأسي نحو رأسه.. شاهدته يبكي بحرقة، آنذاك استسلمتُ لجنونه وأغمضت عيني..
يرعبني النوم وحيدة وقت الحرب..
تبرعت أختي الصغيرة لأن تنام عندي مؤقتا لحين عودة أمي من المشفى وتنام هي عندي.. المسكينة أمي لم تتعود بعد على أكل المعلبات في الحرب!. لكنني هذه الليلة سحبت فرشتي من عند أختي ونمت وحدي. الرجل بثّ فيّ الدفء والأمان.. إحساس غامض اجتاحني.. رجفة لذيذة تهز مكانا ما في صدري.. مكانا غير قلبي.. رجفة تغيّبني كلما تذكرت الرجل أو التقت عيوننا في طابور الخبز..
منذ تلك الليلة امتلأت أيامي بالورد والبرتقال ورائحة الياسمين.. لم يعد نهاري طويل، هناك من يملؤه وهناك من يزرع الريحان في صدري ويمطر الوديان في أوردتي وشراييني..
صارحني الرجل بحبه لي، كذلك أنا.. وصرنا نتبادل الحب تحت شجرة الأكاسيا في النهار ونتعاطاه وراء خزانات المياه ليلا.. أقسم أن الشجرة كانت تتلصص على قبلاتنا وضبطتُ جدران المدرسة وهي تختلس نظراتها نحونا أثناء إنشاد الشعر..
في منتصف الليل، وبينما الجميع نائم.. حتى العجوز التي تخاف من القصف ودوي الانفجارات كانت نائمة، سمعت صوت حبيبي يناديني من الشباك!. خامرني ظن أنني أتوهم.. إلا أن صوته ظل يناديني ويصدح في أذني بإلحاح غريب، نهضت وتلقفت معطفي ووثبتُ إلى الخارج.. تلفّتُ حولي فلم أجد حبيبي!. فركتُ عيني لأتأكد فلم أرَ سوى العتمة.. عدتُ إلى فراشي كأنني منومة مغناطيسيا.. اندسست تحت الغطاء..لامست ساقي لحما طريا ذي رائحة مألوفة ليست غريبة علي!..ارتبكتُ وخيل إليّ أنني أهلوس!.. إلا أنني فوجئت بحبيبي ينام إلى جانبي!.. كدت أصرخ من شدة الهلع لولا أنه وضع يده على فمي و تأكدتُ من أن ذلك ليس من ضرب الخيال والهلوسات.. وشوشته "كيف.. لماذا.. ألم تخف أن يراك أحد؟؟!".. فوشوشني "كنت أناديك ولما طلعتِ دخلت بسرعة من دون أن تنتبهي".. قلت "يا ملعون"، فقال "كيف المفاجأة".. ضربته على صدره وأنا أقول "خوفتني كتير".. تشابكت أصابع قدميه بأصابع قدمي كذلك أصابع يدينا، وقبل أن يخرج قال لي بحزن وهو يحاول أن يتصنع الحزم "أنا رايح ع الشمال"، فتحت فمي مندهشة بشهقة ذات نفس مختنق وقلتُ" بدك تروح للموت برجليك..لا لا..".. أمسك بيدي وسار معي بصمت حتى توقف عند شجرة الأكاسيا.. نظر إلى غصن مرتفع يغرق في ضوء القمر وقال "سأذهب وأحارب بدل أن أهرب من الحرب وألجأ معكم هنا كالجبان.. في الشمال لن أكون وحدي حتى إذا استشهدت.. أهلنا هناك يقتلون والعدو يسترخص دمنا.. لقد قررت ولن أتراجع عن ذلك.. أرجوك سامحيني وانتبهي على نفسكِ جيدا.. لا أريد لأبنائي في المستقبل أن يتساءلوا لماذا لم يشارك أبوهم في الحرب ولم يدافع عن الأرض.."، وقبل أن تبتلعه الظلمة خلف بوابة المدرسة، قبلني وهو يقول "حين أعود سيكون لنا أكثر من طفل وسنبلة.."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.