اتهم زعماء عراقيون سنة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي يوم الجمعة بشن حملة قمعية بعد أن داهمت قوات مكتب وزير المالية السني ومنزله مما فجر احتجاجات في إحدى المحافظات ويهدد بنشوب أزمة سياسية بعد مرور عام على انسحاب القوات الامريكية من البلاد. وجاءت المداهمات واحتجاز أفراد من العاملين مع وزير المالية العراقي السني رافع العيساوي بعد ساعات فقط من نقل الرئيس العراقي جلال الطالباني وهو كردي إلى ألمانيا للعلاج من جلطة دماغية قد تبعده عن دوره السياسي كوسيط بين الكتل السنية والشيعية والكردية. ويشكل غياب الطالباني وتجدد التوتر السياسي ضغطا على الحكومة العراقية المقسمة على أساس طائفي وعرقي والتي تخرج من أزمة لتدخل في أخرى منذ انسحاب القوات الامريكية في ديسمبر كانون الأول عام 2011 . ويزيد التوتر السياسي المتصاعد في بغداد من حدة الخلاف المتنامي بشأن النفط والأرض بين حكومة بغداد المركزية وإقليم كردستان شبه المستقل في شمال البلاد. وبعد صلاة الجمعة نزل بضعة آلاف من المتظاهرين إلى شوارع محافظة الأنبار وهي معقل للسنة وسدوا طريقا سريعا في الفلوجة مطالبين باستقالة المالكي ورفعوا رايات كتبوا عليها “المقاومة في دمائنا.” وكان الاحتجاج سلميا. وهدد زعماء سنة غاضبون بالانسحاب من الحكومة إذا لم يشاركوا في التحقيقات المتعلقة بعمليات الاحتجاز الأخيرة وطالبوا بسحب الثقة من المالكي الذي اتهموه باستغلال سلطاته لتهميش منافسين له في الانتخابات. وقال العيساوي وهو عضو في كتلة العراقية بالبرلمان المدعومة من السنة أمس الخميس إن أكثر من مئة من أفراد حرسه والعاملين معه خطفوا واتهم المالكي باستهداف معارضيه. وقال العيساوي في مؤتمر صحفي “رسالتي إلى رئيس الوزراء أنه رجل لا يؤمن بالشراكة ولا يحترم القانون ولا الدستور.” وأضاف “يريدني المالكي أن أصدق بأنه لا يعلم بما حصل؟ إنه عمل مقصود وقد نفذ مع سبق الاصرار.” وقدم السياسيون والسلطات روايات متضاربة عن الواقعة لكنها أعادت إلى الاذهان ما حدث قبل عام عندما سعت السلطات العراقية إلى القبض على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي – وهو سني – وحراسه لاتهامهم بإدارة فرق اغتيال في خطوة أشعلت أزمة قبل رحيل آخر القوات الأمريكية. وحث المالكي على التحلي بالهدوء داعيا المعارضين إلى عدم الخلط بين حكم قضائي والشئون السياسية. وقال “ليعلم السنة والشيعة وأبناء الشعب جميعا أن تنفيذ أوامر قضائية ضد متهمين لا يعني استهدافا لطائفة معينة.” وأضاف قائلا “ندعو الجميع إلى الكف عن كل نداء أو صوت يؤدي إلى التفريط بوحدة هذا البلد العظيم.” وتهدد قضية الهاشمي بانهيار اتفاق تقاسم السلطة بين السنة والشيعة والاكراد حيث قاطع ساسة من السنة البرلمان. وهرب الهاشمي في وقت لاحق من البلاد وحكم عليه بالإعدام غيابيا. وقال زعماء كتلة العراقية في بيان في إشارة إلى قضية العيساوي إن هذا يؤكد أن هناك استهدافا ممنهجا للرموز والزعماء السنة المشاركين في العملية السياسية. ودعوا مؤيديهم إلى التظاهر سلميا بعد صلاة الجمعة. وقال العيساوي إن نواب البرلمان سيسعون إلى سحب الثقة من المالكي. ودعا العيساوي في المؤتمر الصحفي – الذي حضره ساسة بارزون آخرون من السنة – إلى تصويت في البرلمان على حجب الثقة عن المالكي. وقال متحدث باسم السفارة الأمريكية في العراق “أي أعمال من أي جانب تنتهك سيادة القانون أو تذكي التوترات الطائفية والعرقية تهدد بتقويض التقدم الملحوظ الذي حققه العراق على طريق السلام والاستقرار.” وتوسط الطالباني (79 عاما) – وهو زعيم ميليشيا كردية سابق ونقل إلى المستشفى يوم الاثنين – كثيرا بين الشيعة والسنة والأكراد وأيضا في النزاع المتصاعد على النفط بين حكومة بغداد المركزية ومنطقة كرستان العراق. وأثار مرضه مخاوف من أزمة بشأن من يخلفه ومن تحول التوتر بين العرب والأكراد إلى أعمال عنف. ويخوض المالكي وهو حليف لإيران قضى سنوات وهو يحارب حكم صدام صراعا مع السنة والأكراد وأيضا مع منافسين شيعة حول اتفاق اقتسام السلطة الذي كان الغرض منه إحداث توازن في المناصب التي يشغلها الشيعة والسنة والأكراد. وحاول منافسو المالكي من السنة والأكراد وبعض الشيعة في وقت سابق هذا العام إجراء تصويت على حجب الثقة عنه لكن الخطوة باءت بالفشل لعدم تأييد الطالباني لها وبسبب انقسامات بين خصوم المالكي. وقبل المداهمات الأخيرة عبر غالبية الزعماء السياسيين علانية عن أملهم في شفاء سريع للطالباني لكن من وراء الستار لمح بعض كبار الزعماء السنة إلى أنهم قد يتقدمون بمرشح يمثلهم ليخلف الطالباني في الرئاسة في تحد للأكراد. وبموجب الدستور ينتخب البرلمان العراقي رئيسا جديدا ويتولى نائب للرئيس السلطة خلال هذه الفترة الانتقالية. وينص اتفاق اقتسام السلطة على أن يكون رئيس العراق كرديا وأن يكون له نائب سني وآخر شيعي. ونظرا لهروب نائب الرئيس السني الهاشمي لم يبق إلا النائب الثاني خضير الخزاعي الذي يعتبره البعض شيعيا متشددا من تحالف المالكي. وبالنسبة للأكراد فهم يفضلون رئيس وزراء كردستان السابق برهم صالح كزعيم له علاقات تتخطى التقسيمات العرقية في العراق. لكن قد يحدث صراع داخل كردستان العراق أيضا حيث يتقاسم السلطة هناك الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني.