"كل من ارتدى قميصا وأطلق لحية صار مفتيا" "حان الوقت ليكون للجزائريين دار للإفتاء بإشراف مفتي الجمهورية" فضّل ضيوف "البلاد" معالجة مسألة غياب منصب مفتي الجمهورية بالجزائر، بنظرة أخرى، حيث دعا الدكتور عبد الرزق ڤسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إلى استحداث دار إفتاء كاملة بدل الاقتصار على شخص مفتي الجمهورية، باعتبار أنّ الفتوى لها مجالات عدة وتتطلب دراية في عدة مجالات وتخصصات. وطالب ڤسوم بإنشاء مؤسسة كاملة للإفتاء، يلجأ إليها في وقت البحث عن مسائل تهم المجتمع والدولة. وقال ڤسوم إنه حان الوقت ليكون للجزائر دار ومؤسسة للإفتاء لا تضم فقط مشايخ وعلماء في الدين وإنما تضم أطباء ومحامين وأخصائيين وفيزيائيين ومختلف التخصصات العلمية الأخرى، باعتبار أنّ القضايا تشعبت وبات واجبا الأخذ بمشورة الجميع شرط أن يكون للفتوى مرجعية دينية، فمثلا لا يمكن إعطاء فتوى في موضوع شائك مثل التبرع بالأعضاء البشرية دون وجود طبيب أخصائي يضع العملية ويشرحها بين أيدي العلماء والدعاة. وأضاف ڤسوم أن الجزائر في حاجة ماسة لإيجاد مرجعية وطنية للإفتاء ويتولى المهمة علماء وطنيون يعرفون فقه الواقع والمرجعية المحلية، إذ من غير المعقول شرعاً، أن يطلب مواطن فتوى من شيخ على قناة تلفزيون خارجي لا علاقة له بواقعنا ولا بالواقع الذي يتحدث عنه طالب الفتوى. من جانبه، أكّد الشيخ يوسف نواسة أنّ الجزائر اليوم أمام واقع يحتم عليها التوجه صوبا نحو تأسيس هيئة رسمية للفتوى، حيث يستند إليها جزء مهم من المجتمع الجزائري عند طلبه لفتوى في أحد أموره الدينية أو الدنيوية. واعتبر نواسة أن طريقة طرح مسألة مفتي الجمهورية في حد ذاتها مشكلة، فالقضية ليست قضية شخص مفتي الجمهورية، وإنما هي قضية مؤسسة، مشيرا إلى أنّ دول مثل مصر والمغرب كانت لها جامعات عريقة لم يقض عليها الاستعمار مثلما حصل في الجزائر، حيث قضى على المؤسسات الدينية، وبعد الاستقلال لم تبنى هذه المؤسسات، بل مورس التضييق على المؤسسة الوحيدة التي يقيت متماسكة وتمّ رفض جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وأكّد نواسة أن المشكلة في الكفاءة الغائبة لدى الأئمة، حيث رأى وجوب إعادة النظر كليا في طريقة إعداد وتكوين أئمة المساجد، وقال "هل يكفي مجرد حفظ القرآن دون الرسوخ في العلم للإمام حتى يقوم بدوره؟ " و"هل الإفتاء حفظ آيات وقميص ولحية؟"، قبل أن يجيب على تساؤله قائلا "الإمام الخطيب حتى يقوم بدوره على أكمل وجه يحتاج الى تكوين خاص، يحتاج إلى علم راسخ وتعليم عميق، ويجب على الإمام أن يساير ارتفاع المستوى التعليمي في المجتمع". وخلص الشيخ نواسة إلى القول إنّ "منصب المفتي يقلل من المشاكل ولا يقضي على الاختلاف"، لأنّه وحسب الشيخ يوسف نواسة فإنّه لابد من "إيجاد إمام له ثقل وحضور بين الناس ثم يصعد إلى القمة ليصير مفتيا يستمع الناس لكلامه ويثقون فيه". واتفق ضيفا "البلاد" على أنّ حل قضية مفتي الجمهورية أو دار إفتاء رسمية متعلق بشكل وثيق بتوفر "الإرادة السياسية"، وأكدا أنه ما دامت الارادة السياسية غائبة فإنّ جميع المشاكل التي تعاني منها المؤسسة الدينية ستبقى قائمة ويبقى المواطن الجزائري يستفتي مفتين من الخارج ومن خلال الفضائيات. نسيم. ع ضيفا "البلاد" شددا على أهمية الإعلام في نشر المرجعية الوطنية لو فتحت قنوات دينية جزائرية لشاهدنا دعاة كبار من الشباب الارتباط الكبير بين تكريس المرجعية الدينية الوطنية، وعصر العولمة الذي يشهد انتشارا كبيرا لوسائل الإعلام المختلفة المتمثلة في مواقع الأنترنت والقنوات الفضائية التي تعمد عليها الكثير من التيارات الدينية كمنابر لها لبث ما يتماشى مع توجهاتها والدعوة إلى عقائدها وتوجهاتها، صنع هاجسا لدى ضيفي "البلاد" اللذين أبديا استياءهما من غياب كبير للجزائر على الساحة الفضائية والرقمية التي باتت تشكل قوة التأثير الأكبر في التنافس المحتدم بين المذاهب والمدارس والاتجاهات الدينية المختلفة. فقد اعتبر الدكتور عبد الرزاق ڤسوم أن النقص في الاهتمام بجانب الإعلام الديني في بلادنا يدخل ضمن الاتجاه العام الذي يهمش المرجعية الوطنية، وهذا ما انتهجته السلطة منذ الاستقلال، حيث لم يفتح باب وسائل الإعلام الثقيلة أمام شيوخ كبار وعلماء أجلاء جزائريين أمثال الشيخين آيت علجت وحماني الذي منحت له في الماضي فقرة وجيزة لم تتجاوز الربع ساعة في فترة أسبوعين. ودعا الدكتور ڤسوم السلطات إلى تصحيح خطئها وتقديم الدعم الإعلامي لعلماء ومشايخ الجزائر، عبر فتح قنوات دينية تتبنى الفقه المالكي، مؤكدا أن المجتمع الجزائري سيكتشف دعاة كبار من فئة الشباب، الذين سيوصلون أفكارهم ومواعظهم الدينية إلى الناس بلغة سهلة وبسيطة وقريبة من فهمهم وواقعهم. أما الدكتور نواسة، فقد أكد على سيطرة الإعلام الديني التابع لدول المشرق العربي والخليجي منه خاصة، نظرا إلى توفر التمويل الكافي لتغطية مثل هذه القنوات التي تتبنى فكر وعقيدة من يمولها وتظهر الأهمية البالغة لهذه المنابر في أنها تصنع بريقا ونجومية للشيوخ والدعاة الذين يطلون عليها كل يوم على الملايين من الناس، حيث شكلت ما يعرف العالم الرمز الذي يتم صنعه إعلاميا. لكن الدكتور نواسة أكد أن من أكثر العقبات التي تواجه الجزائر في هذا المجال هو إحساس الجزائريين بالعقدة من كل ما هو جزائري، حيث لا يثق فيه ويستصغره بأحكام مسبقة، بينما العكس أمام الداعية الأجنبي الذي يلقى انتشارا في الشارع الجزائري. علي العقون اتهما السلطة بعدم تشجيعه.. معظم كتب الفقه المالكي نستوردها من دول المشرق عند تناول منتدى "البلاد" قضية الفتوى في الجزائر على ضوء مشروع السلطات استحداث منصب مفتي الجمهورية، كان لابد أن يشمل النقاش قضية المذهب المالكي، الذي يتبعه أغلبية الجزائريين، ويعتبر المرجعية الفقهية الأساسية في بلادنا، حيث أبدا ضيفا "البلاد" عدم رضاهما على واقع المذهب الرسمي الذي لم توفر له الدولة الأرضية اللازمة التي تليق به. وفي هذا الخصوص، يعتقد الدكتور يوسف نواسة، أن من أهم مظاهر عدم الاهتمام بالمذهب المالكي، والاجتهاد فيه وتطوير البحث والاجتهاد فيه، هو أن الجزائر تستورد معظم الكتب المتعلقة بهذا المذهب من دول المشرق العربي، التي لا توجد فيه أغلبية تتبعه كما هو الحال في الجزائر، وهو ما يحيلنا على الواقع الذي يبرز فيه كيف أننا لا نهتم بالفقه المالكي المنتشر على نطاق واسع، على عكس ما قام به حكام المملكة العربية السعودية غداة تأسيسها برعاية وتشجيع المذهب الحنبلي الذي لم يكن مذهبا كبيرا ومنتشرا. واعتبر الدكتور نواسة أن رياح السلفية في الجزائر قد خفت مقارنة بما كانت عليه في التسعينات، مؤكدا أن الشباب الذين ينتمون إلى ما يسمى بالتيار السلفي لا يطلعون بالشكل الكافي على الفقه المالكي، وهو لو حصل فعلا فإنه سيدفعهم نحو الاعتدال والابتعاد عن التطرف، أضاف نواسة أن هناك الكثير ممن توظفهم وزارة الشؤون الدينية، وتدفع أجورهم يسيرون خارج الأطر التي تحددها. أما الدكتور ڤسوم، فأكد أن المذهب المالكي إلى جانب المذهب الإباضي، يشكلان المرجعية المحلية التي يلتف حولها معظم الجزائريين، أما فيما يخص ما يسمى بالمد السلفي على حساب المذهب المالكي، فقد اعتبر رئيس جمعية العلماء المسلمين أنه إذا اعتمدنا على السلفية بالمفهوم العلمي فإننا جميعا سلفيون، لكن بالمفهوم العقائدي يختلف الأمر فهي تأخذ مفهوما خاصا، داعيا إلى ضرورة إقامة مؤسسات للفتوى في الجزائر تكون راعية للمرجعية الوطنية التي يمثل المذهب المالكي أحد ركائزها الأساسية. علي العقون القوانين عاجزة عن حماية "المرجعية الدينية" في زمن السماوات المفتوحة استشكل مفهوم المرجعية الدينية التي تدعو إليها وزارة الشؤون الدينية على منشطي ندوة "البلاد"، فإذا كان يمثل الالتزام بالمذهب المالكي فالوزارة أول من يخرق هذا المفهوم بتبنيها لفتاوى خارج هذا المذهب في العديد من المسائل، وإذا كان يعني أخذ الفتوى عن العلماء المحليين، فإن العديد منهم ليس محسوبا بالضرورة على المذهب المالكي ومع ذلك نشاطه مرخص في المساجد. ويعتقد عبد الرزاق ڤسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين، أن "المؤسسات التي أثارت موضوع الفتوى وهي وزارة الشؤون الدينية ونقابة الأئمة نواياها طيبة لحماية المجتمع عقائديا"، لكن السؤال الذي يطرح في هذه الحالة: هل يمكن حماية المجتمع بالقوانين؟ ويتابع في تحليل ذلك "حتى لو قبلنا مبدئيا أن القوانين ستحمي المرجعية، هل يمكن أن ننجح ذلك في عصر السماوات المفتوحة، حيث أصبحنا نتنفس الفضائيات كما نتفس الهواء. قبل أن يستطرد "الأكيد أن لا أحد يمكنه أن يحجب الفضائيات المتنوعة"، إذن كيف يمكن أن نحصن المواطن الجزائري حتى لا يصاب بالهشاشة وفقدان المناعة العقائدية والثقافية؟ يتساءل ڤسوم، ويحاول البحث عن إجابات فيقول "يبدأ ذلك من البحث عن الكفاءة في الفتوى، ثم تحصين الذات عندما يبدأ المستفتي يبحث في نوعية المفتي". ويضيف "المفتي يجب أن يتوفر على الكفاءة العلمية، والأئمة في عصر السلف يقفون ليلة كاملة حتى يصدروا فتوى واحدة، على عكس اليوم الفتاوى تصدر على "الهوى". أما عن الفتاوى الأجنبية، فيقول "لا تصح تسمية فتوى أجنبية لأننا أمة واحدة، وإنما الصحيح أن هناك خصوصيات للفتوى من منطقة إلى أخرى، اللهجات والعادات والتقاليد". ويوضح ڤسوم أن المفتي في دول أخرى يجب أن يعرف مذهب من استفتاه حتى لا يحصل تشويش على أصحاب المذهب، أما المحلية الوطنية في الفتوى يلتقي حولها الجميع، لذا الاستفتاء المحلي تكون نتائجه أفضل. أما الدكتور في العلوم الشرعية يوسف نواسة فينظر من منظار آخر إلى المسألة، حيث يعتقد أن تحذير وزارة الشؤون الدينية من الفتوى الخارجية يعتبر هذا شعورا بالعجز، لأن الحل لا يكون بالتحذير وإنما بالمعالجة. ويلفت نواسة إلى أننا نعيش زمن عولمة وسهولة التواصل لذلك دعوة الناس لعدم التأثر بالخارج غير ممكنة. ويعتقد أن الحل يكمن في "صناعة مرجعية، وليس بمحاولة تكميم أفواه العلماء في الخارج وصم آذان الناس في الداخل". محمد سيدمو نواسة: "أليست مهرجانات مصالح خليدة تومي أفكارا دخيلة و غريبة؟" وزارة الثقافة تفسد ما تقدمه وزارة الشؤون الدينية استغرب ضيفا "البلاد" من طريقة تعامل السلطات مع مسألة "الأفكار الأجنبية عن المجتمع الجزائري"، فمن جهة تعتبر وزارة الشؤون الدينية بعض الفتاوى والأفكار "دخيلة على مجتمعاتنا" وتحذّر منها، وفي نفس الوقت، تعمل وزارة الثقافة على تنظيم مهرجانات رقص وغناء بالاستعانة بطقوس وأفكار "دخيلة على أصولنا و تقاليدنا وأعرافنا". وأكّد الدكتور عبد الرزاق قسوم، أنّ وزارة الثقافة تفسد ما تقدمه وزارة الشؤون الدينية، وقال "ما تكتبه الأقلام تفسده الأفلام"، وتعجب "كيف لوزارة الشؤون الدينية أن تحارب أفكارا دخيلة وتأتي بعد ذلك وزارة الثقافة بأفكار غريبة عن مجتمعنا". ونفس الفكرة طرحها الشيخ يوسف نواسة، حيث أكّد أن وزارة الثقافة تستورد للجزائريين طبوع غناء ومهرجانات غريبة كليا عن "قيمنا وتقاليدينا"، وتساءل "أليست هذه المهرجانات التي تنظمها وزارة الثقافة جزء من هذا النسيج الغريب والدخيل على المجتمع الجزائري؟". ويعتقد ضيفا "البلاد" أنّه لا يوجد فرق بين الأفكار التي تنشرها وزارة الثقافة، من خلال ما تنظمه من مهرجانات وفعاليات غنائية وفنية وأمسيات، وما تعتبره وزارة الشؤون الدينية والأوقاف "أفكارا دخيلة واجتياحا فكريا أجنبيا"، واعتبرا أنّ ما تقوم به وزارة الثقافة في أغلب تظاهراتها الفنية والغنائية يندرج أيضا تحت إطار "الأفكار الدخيلة على مجتمعنا". ن.ع قال إنه يرفض منطق التعيين في المجلس الإسلامي.. قسوم: حمروش كان الوحيد الذي منحنا حق اختيار الأعضاء رافع عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين من أجل أن يتولى العلماء في الجزائر شؤون تنظيم أنفسهم بأنفسهم، واعتبر أن التعيينات المفروضة لأشخاص بأعينهم في الهيئات الإسلامية في الجزائر لا يخدم قضية المرجعية التي تصر الوزارة على الحفاظ عليها، وتتطلب توفر المصداقية في العلماء الذين يمثلونها. وذكر قسّوم أن الدولة في الجزائر بأجهزتها وإداراتها، مهيمنة على النشاط الديني في الجزائر خاصة في مسألة التعيينات في المجلس الإسلامي الأعلى وغيره من الهيئات المنظمة للنشاط الديني منذ الاستقلال، إلا ما ندر في استثناءات قليلة حدثت مع بداية الانفتاح السياسي في البلاد لكن هذه الهيمنة عادت لتشتد مع ظهور الأزمة الأمنية. واعتبر قسّوم أن فترة رئيس الحكومة السابق مولود حمروش كانت الأزهى في تاريخ المجلس الإسلامي الأعلى، ذلك أنه أعطى الحرية التامة للعلماء في اختيار أعضائه ولم يتدخل في رفع هذا أو إقصاء ذاك، وفسح المجال تماما لاختيار العلماء لمن يمثلهم ممن يثقون في علمه وورعه وتقواه وحفاظه على التراث المالكي الأصيل في الجزائر. وسرد قسّوم القصة التي جمعت حمروش مع نخبة من العلماء كان بينهم، فقال : "في بداية التسعينيات كنا في المجلس الإسلامي الأعلى في لقاء مع رئيس الحكومة آنذاك مولود حمروش للتشاور حول تجديد المجلس الإسلامي الأعلى، فأجبناه هل من يُكون هذا المجلس هو المجلس نفسه أم الأمن؟". وتابع قسوم "كنا مصرين على أن يكون المجلس العلماء وحاولنا جهدنا ألا يتدخل طرف آخر في ذلك، فلما رأى حمروش إصرارنا طلب منا الأسماء المقترحة، فكتبنا له الأسماء في ورقة بيضاء ووقع عليها مباشرة". ورغم أن ذلك الموقف من حمروش كان صائبا حسب قسوم، إلا أنه كان موقفا رجوليا من مسؤول تفهم حرص العلماء على استقلالية قرارهم، سرعان ما تغير وفق أمزجة المسؤولين الذين خلفوه، لذلك يعتبر الدكتور يوسف نواسة أن إيجاد آليات واضحة لاختيار العلماء في المجلس الإسلامي الأعلى أو في هيئة فتوى مستقبلية ضروري لتكريس هذا المبدأ وترسيخه كقاعدة لا تتغير بتغير المسؤولين. ويفصل نواسة في هذه النقطة، فيقول: قد يكون الانتخاب وسيلة ولكنه ليس شرطا، وقد تكون وسائل أخرى مناسبة أيضا للاختيار، ما يهم أن يتوافق العلماء على تخريج من يمثلهم ويثقون فيه لتبؤ هذه المناصب الحساسة، بما يضمن مصداقيتهم لدى الرأي العام ويبعد عنهم شبهة الانقياد التام للجهاز البيروقراطي للدولة وفقدان الإرادة أمامه، لأن ذلك لا يصب في مصلحة العالم. محمد سيدمو اتهمه بتهميش جمعية العلماء المسلمين بعد الاستقلال.. قسوم: بن بلة قتل المرجعية الدينية الجزائرية في المهد يتحدث عبد الرزاق قسوم بكثير من الحسرة عن تفريط الجزائر في المرجعية الدينية مباشرة بعد الاستقلال، بتهميشها لدور جمعية العلماء المسلمين التي كانت تمثل منارة الوعي الديني للجزائريين في فترة الاستعمار، فوجدت نفسها محاربة في جزائر الاستقلال، وهي مفارقة يتحمل جزءا كبيرا منها الرئيس الراحل أحمد بن بلة حسب رأيه. ويؤكد قسوم أن المسؤولين الذين استلموا الحكم مباشرة بعد الاستقلال فوتوا على الجزائر فرصة بناء مرجعية دينية واضحة المعالم يلتف حولها السواد الأعظم من الجزائريين، بأن قاموا بضرب جمعية العلماء المسلمين وتشتيت نخبها ومحاولة القضاء على رصيدها التاريخي المستنير، في مقابل إحلال إيديولوجيات معادية للدين ومحاولة التمكين لها لتكون البديل، لكن حساباتهم ارتدت عليهم بدليل لفظ الجزائريين لكل ما يمس هويتهم وعقيدتهم. ويعود قسوم إلى فترة الرئيس بن بلة الذي ازدهرت في فترة حكمه الأفكار الشيوعية، ووجدت لها الدعم الكافي من الدولة للانتشار، وذلك على حساب على جمعية العلماء المسلمين، التي استبشرت بقدوم الاستقلال لتقوم بدورها المنوط بها في تشكيل المرجعية الدينية التي تمثل العاصم لهم من أي اختراق يهدد وحدتهم وتاريخهم. ويروي قسوم أن بلة أقسم ألا تقوم لجمعية العلماء المسلمين قائمة في عهده، والتاريخ في ذلك معروف حسبه. ويذهب قسوم إلى حد القول إن جمعية العلماء المسلمين كان يمكن أن تقوم بنفس الدور الذي يلعبه الأزهر حاليا في مصر، بأن يكون المرجعية التي لا يتنازع فيها سلفي مع علماني، أي أنها تجمع أضداد المجمع في نقطة التقاء، بفضل فكره المستنير البعيد عن أي غلو في الدين أو جفاء عنه عند الطرف المضاد. ويلفت قسوم إلى أن الجزائر دفعت ثمن ذلك التهميش والإهمال لدور الجمعية غاليا، بعد أن برزت في فترة التسعينات تيارات متشددة بعيدة كل البعد عن فكر الجمعية الوسطي المستنير، فأضحى تراث بن باديس يحارب حتى من المحسوبين على الفكر الديني، بعدما حورب لسنوات من الشيوعيين ومن لف لفيفهم. وبعد كل تلك السنوات التي دفعت فيها الجزائر من الدماء والدموع، انتبهت السلطة أخيرا لضرورة حفظ المرجعية الدينية للجزائريين، لكنها في نفس الوقت تصر على إهمال دور جمعية العلماء المسلمين بحرمانها من ميزانية تحفظ ماء وجهها ومقر يليق بمهامها حسب قسوم، وهي كله ممارسات تظهر أن السلطة انتبهت إلى الخطر، لكنها مازالت عاجزة عن إدراك العلاج. محمد سيدمو ضيفا "البلاد" أكدا على خطورة استمرار تهميشها: المرجعية في الجزائر مغيبة مع سبق الإصرار شكل موضوع المرجعية محور نقاش أساسي في "منتدى البلاد" الذي خصصته لقضية مشروع استحداث منصب مفتي الجمهورية، والتي اعتبرها ضيفا المنتدى أنها مهمشة، ولم تلق الاهتمام الكافي من طرف السلطات منذ الاستقلال إلى غاية اليوم، حيث لم تحددها بشكل دقيق من الناحية النظرية والعملية. واعتبر الأستاذ الجامعي في العلوم الإسلامية، الدكتور يوسف نواسة، أن الدولة أخطأت خطأ فادحا عند محاولتها تكميم الفتاوى الوافدة على الجزائر، مع عدم سعيها لوضع أسس لمرجعية دينية صلبة في الجزائر، تشكل مناعة فكرية وعقائدية للمجتمع، وهذا ما وصفه بأنه دليل عجز على التعامل مع الواقع الجديد الذي يميزه انتشار واسع لوسائل الاتصال الحديثة، حيث لا يمكن محاربتها بالدعوة إلى تجنبها، وإنما بإعطاء البديل الأفضل، فالمواطن الذي يجد من يفتيه في القضايا التي تشغله ويقنعه بآرائه، سوف لن يلجأ إلى مفتين في خارج الوطن الذين من الممكن أن لا تكون آراؤهم متوافقة مع الواقع المذهبي والثقافي والاجتماعي المحلي. وأعطى الدكتور نواسة مثالا على نجاح الجهود في صناعة مرجعية دينية وطنية قوية بكل من المغرب والسعودية اللتين حسمتا أمر المرجعية عبر تحديدها بشكل واضح، مع وضع مؤسسات في الميدان تجسدها وتتولى دعمها وتعزيزها، على عكس الجزائر التي لا تزال فيها المرجعية الدينية تائهة بين عدة مفاهيم، هل هي تمثل المذهب المالكي، أم هم علماء الجزائر، أم هي اختيارات السلطة أم وزارة الشؤون الدينية؟ ويضيف ضيف البلاد أن اعتماد المذهب المالكي كمرجعية وطنية لا يحل المشكلة، حيث تتبع الجزائر بعض الاتجاهات التي لا تتفق مع أحكامه، مثل اعتماد رؤية هلال شهر رمضان بحسب كل بلد، وهي فتوى شافعية، وكذلك دفع زكاة الفطر نقدا، التي لا يعتمدها مذهب الامام مالك. وفي الاتجاه نفسه كانت رؤية الدكتور عبد الرزاق ڤسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي أكد أن من أهم أسباب تراجع المرجعية الدينية في الجزائر هو تهميش دور جمعية العلماء منذ الاستقلال، التي اعتبرها أهم مرجع يحقق الإجماع في المجتمع الجزائر، حيث تلتف حوله شرائع واسعة تثق في ما تفتي به، لكنها اليوم تعاني من تهميش رسمي كبير، حيث لم تخصص لها أي ميزانية من طرف السلطات. وشدد الدكتور ڤسوم على الإسراع في تحديد المرجعية الوطنية، التي يجب أن تراعي المميزات الخاصة بالمجتمع الجزائر ومكوناته، لا سيما المذهبين المالكي والإباضي المنتشرين في بلادنا. علي العقون