انعكست قضايا الأمن والسياسة الخارجية وملفات الفساد والحدود والوضع الاقليمي والعربي على التعديل الحكومي الجديد، وهو الثاني في ظرف سنة مع الاحتفاظ بقائد الجوق الحكومي ممثلا في شخص عبد المالك سلال وتولي 3 ولاة لحقائب وزارية. وتبدو هواجس المرحلة القادمة المحفوفة بالمخاطر الخارجية والداخلية واضحة في هذا التعديل الذي ترجم بصفة حرفية كل الحراك الداخلي والخارجي لدرجة أنه أشبه بلعبة الشطرنج، حيث تطلّب الأمر من الرئيس بوتفليقة تحريك القطع الوزارية بحذر وذكاء وكانت رسائله في كثير من الأحيان مفهومة ومقروءة بشكل واضح لا غبار عليه. في كل التعديلات الحكومية يطرح الرأي العام السؤال الأول بشأن وزير الداخلية والإجابة ليست غامضة في الحالة الجزائرية، فقد تم تعيين رئيس المجلس الدستوري السابق الطيب بلعيز الذي سبق وأن تولى حقيبة العدل وهو واحد من رجال بوتفليقة الذين تميزوا بالوفاء لسياسته منذ 1999، وقد جاء تعيينه ليؤكد أن الاستحقاقات القادمة تتطلب نفسا آخر بمثل حيوية وصرامة بلعيز، في الوقت الذي كان الوزير السابق دحو ولد قابلية طلب إعفاءه من منصبه لأسباب خاصة يرجّح أنها صحية. أما تعيين وزير العمل السابق الطيب لوح في منصب وزير العدل، فهو حسم آخر في أولويات السلطة للمرحلة القادمة فيما تعلق بهذا الجانب الذي أصبح محل اهتمام بتفجر فضائح الفساد في سوناطراك وما شكله التردد في إدارة الملف بشفافية أكبر من إحراج للسلطة في الأسابيع الماضية، مع الإشارة إلى أن الطيب لوح وهو أيضا من الوزراء الذين ظلوا على وفائهم لبوتفليقة المعروفين بحزمهم في إدارة قطاعاتهم. وفي الشأن الأمني وهو من أبرز القضايا التي نقرأها في إسناد نيابة وزير الدفاع لقائد أركان الجيش الوطني الشعبي ڤايد صالح، تبدو هواجس الأمن والحدود واضحة المعالم لأن فترة نقاهة الرئيس واستعجالية الملفات المطروحة أمامه تقتضي أن يتم تعيين نائب لوزير الدفاع مع كافة الصلاحيات لإدارة قضايا الأمن الوطني والدفاع، على ضوء التطورات الحاصلة في الحدود الشرقية والتشديد الأمني في الحدود الغربية والوضع في مالي ومخاطر الحدود الليبية. أما في الشأن الخارجي، فإن تعيين مفوض السلم والأمن للاتحاد الإفريقي رمطان لعمامرة فهو من أكثر عناصر القوة في هذا التعديل على اعتبار أن لعمامرة يحظى بسمعة دولية طيبة وتجربة ديبلوماسية نادرا ما تتوفر في بلد آخر، وهو ما تتطلّبه المرحلة التي تعرف تهديدات قوية بشأن سوريا، فضلا عن الصراع الدائر في تونس الجارة وما يتطلبه الأمر من وضوح وحنكة في التصرف، لأن أي اختلالات سياسية في هذا البلد المجاور يمكن أن تكلف الجزائر أعباء أمنية ومالية واجتماعية باهضة، طبعا هنالك أيضا العلاقات الفاترة أو المتوترة أحيانا مع المغرب، وكذا الوضع في مصر و الموقف الجزائري منه، مع الإشارة أيضا إلى أن لعمامرة ساهم في ميلاد الكثير من الآليات الخاصة بالتعاون ومكافحة الإرهاب والأمن في القارة السمراء ضمن الاتحاد الإفريقي. في شأن آخر يبدو أن التغييرات في قطاع الصحة ترجمها الفشل الواضح للوزير زياري في حل المشاكل المتراكمة وهو الأمر نفسه بالنسبة لقطاع النقل الذي تميز بالفوضى في السنوات القليلة الماضية وهو ما أدى إلى تعيين عمار غول في منصب وزير النقل، فضلا عن القطاع الفلاحي الذي عين على رأسه والي تلمسان، وهو أحد المسيرين المعروفين بالصرامة، حيث ظلت التجاوزات في القطاع الفلاحي مصدرا للإزعاج والشوشرة السياسية، كما نسجل مغادرة وزير التعليم العالي رشيد حراوبية الطاقم الحكومي باعتباره أحد أبرز الوجوه الحكومية ويقال أنه الأمر تم بناء على طلبه، إلا أن تعيين مساهل وزيرا للاتصال وهو الذي يصارع وضعا صحيا صعبا يطرح علامة استفهام كبرى حول مستقبل مشاريع محمد السعيد بشأن القطاع.