المتأمل في مسار وزير الخارجية الجديد في حكومة الوزير الأول عبد المالك سلال، رمطان لعمامرة، يلاحظ أن "التخصص الإفريقي" واضح خلال رحلته في الدبلوماسية التي بدأ أول تجاربه السامية فيها كسفير للجزائر في منظمة الأممالمتحدة ليعود بعدها الى الساحة الإفريقية التي اشتغل على العديد من القضايا التي شهدتها القارة السمراء، خصوصا في عز الأزمات الدموية التي عاشتها طيلة المدة التي بدأ فيها ابن مدينة أميزور بالقبائل الصغرى تولي منصب وزير الخارجية. ويمثل تعيين العمامرة في أعلى منصب دبلوماسي في البلاد مؤشرا قويا على مرحلة جديدة في العلاقات الخارجية للجزائر، تكون فيها القارة الإفريقية ضمن الأولويات الأساسية، في محاولة لتدارك التأخر الكبير الذي طبع علاقاتها مع القارة السمراء التي أدارت لها ظهرها وهي تتقرب من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، تاركة هذا الفضاء للعديد من القوى الدولية والإقليمية لتمارس تأثيرها عليه بما يخدم مصالحها. فقد اعتبر الكثير من المطلعين على سياسة الجزائر الخارجية منذ الاستقلال أن العلاقات الجزائرية الإفريقية عرفت انكفاء كبيرا في السنوات الأخيرة مقارنة بالمرحلة التي تلت الاستقلال، حيث كانت الجزائر تلعب دورا قياديا في القارة السمراء، بفضل سياستها الخارجية التي أعطت أفريقيا مكانة معتبرة، كان من أهم مؤشراتها برأي الدبلوماسي والوزير الجزائري الأسبق عبد العزيز رحابي في منتدى "البلاد" الذي استضافه منذ شهور عدم استضافة الجزائر عدد الطلبة الأفارقة الذي كانت تستقبله الجامعات الجزائرية في سنوات السبعينيات، حيث كانت تضمن أزيد من ثماني جنسيات إفريقية، متسائلا أيضا عن طرق وإمكانية التأثير في القرار الإفرقي وإعادة قوة الجزائر في امتدادها الإستراتيجي، في ظل غياب هذه الوسائل مثل البنوك والمصارف ومتعاملي الهاتف النقال والنقل الجوي كما تملكه المملكة المغربية، مشيرا إلى أن العديد من الرؤساء الجزائريين زاروا إفريقيا في أوج الأزمة الجزائرية مثل ما فعل الرئيس زروال سنة 1996، مضيفا أن الشاذلي زار إفريقيا 32 مرة، منتقدا تراجع كل هذا خلال السنوات الماضية". لكن التطورات الأخيرة التي حدثت في إفريقيا دفعت بالجزائر للبحث عن سبل الخروج من هذه الوضعية التي سببت لها الكثير من المشاكل وأهمها في الجانب الأمني، حيث شكلت التوترات التي حصلت في منطقة الساحل إثر تمركز الجماعات الشمالية في مساحات شاسعة منها، بالإضافة الى سعي المغرب لفرض حصار دبلوماسي على الجزائر في القارة، عبر توسيع علاقاته مع العديد من دولها من خلال تطوير التبادل الاقتصادي، وحتى عبر استغلال الزوايا التي تشكل عوامل تأثير مهمة في الكثير من دولها. والهدف من كل ذلك هو قضية الصحراء الغربية التي تشهد تنافسا بينهما على استقطاب الدول الإفريقية بجانبهما. وأمام كل التحديات التي تشهدها العلاقات الجزائرية الإفريقية، تبرز أهمية تعيين رمطان العمامرة الذي سيتسعين بخبرته في خبايا القارة السمراء، والرصيد الذي اكتسبه من خلال مهماته التي كلفته بها المؤسسات الأممية والقارية لإحلال السلام والتوسط من أجل المصالحة في الكثير من القضايا، التي سيستعملها في إعادة "زمن الوصل" الدبلوماسي الجزائري مع إفريقيا.