انتشر وزراء "حكومة سلال2" عبر ولايات الوطن في زيارات ميدانية منذ اجتماع مجلس الوزراء الأخير، وخصوصا في المناطق التي توصف بالساخنة، على غرار ولايات جنوبية وحدودية وأخرى شكلت بؤرة لاحتجاجات عارمة، وهو ما يعني أن تعليمات أعطيت سواء من طرف رئيس الجمهورية عيد العزيز بوتفليقة أو الوزير الأول عبد المالك سلال وباتجاه تحميلهم المسؤولية كاملة عن أي تقصير في معالجة القضايا المطروحة في دوائرهم الوزارية. الجديد في الخرجات الوزارية المكوكية هذه المرة أن الوزراء الذين ينزل من 6 إلى 8 منهم إلى الميدان يوميا لتفقد مشاريع قطاعاتهم ومعالجة الاختلالات التي تواجهها، وبخاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بتحسين ظروف حياة المواطنين وفي ولايات ظلت "مغيبة" من الأجندة الحكومية إلى أجل قريب، أنها أضحت مناسبة لتقرب الوزراء وتحسس الانشغالات الرئيسية للجبهة الاجتماعية ياختلاف شرائحها من خلال تنظيم لقاءات مع المجتمع المدني، حيث كانت هذه "اللقاءات" قبل أشهر حكرا على الوزير الأول قبل أن يتم إعطاء تعليمات بتعميمها لتكريس حضور الدولة ممثلة في الحكومة في أدق تفاصيل المطالب الشعبية. ولا يقتصر الأمر على "جلسات تحسّس" حسب مصادر مطلعة يل يتعداه إلى عمل جواري بتفقد مناطق معينة والاستماع إلى متطلباتهم وتكليف في عين المكان الجهات التي يقع على عاتقها الاستجابة لها أو معالجتها. وتأتي هذه ''التعليمات'' الجديدة ضمن مسعى السلطات العمومية ''تجفيف'' منابع وجيوب الاحتجاجات الاجتماعية بالولايات، خصوصا أمام بداية تشكل جمعيات فئوية مطالبة بحقوقها على غرار جمعيات البطالين واللجنة الوطنية لعمال عقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية والتجار الفوضويين وجمعيات طالبي الترحيل من السكنات الهشة وغيرها. وموازاة مع تحركات الوزراء، أبرقت وزارة الداخلية بتعليمة إلى ولاة الجمهورية والأمناء العامين الذين يضمنون المناوية في أربع ولايات هي قسنطينة وعنابة ووهران وتلمسان ورؤساء الدوائر والبلديات تدعوهم فيها إلى تنظيم زيارات تفقد للقرى والمداشر لمحاورة المواطنين وجس نبض الشارع في الجزائر العميقة، وعدم الاكتفاء بمعاينة المناطق القريبة من مقرات الولاية والدائرة والبلدية فقط، مثلما كان يجري دائما بذريعة الوضع الأمني، الأمر الذي نجم عنه غياب الحلول ''الاستباقية'' وعدم تنقل المسؤولين إلا بعد وقوع قطع للطرقات وأعمال شغب. ونصت التعليمات التي وقعها وزير الداخلية والجماعات المحلية، الطيب بلعيز،على هؤلاء المسؤولين ''عدم برمجة اجتماعات أو مهام أو نشاطات أخرى في اليوم المخصص للاستقبال من أجل التفرغ لانشغالات المواطنين''، وذلك لإسقاط مبرر، كثيرا ما استند إليه المسؤولين وينتهي إلى إسماع المواطنين المعنيين بعبارة ''المدير غير موجود، عد مرة ثانية''. وشددت التعليمة كذلك على تشكيل خلايا إصغاء واستقبال دائمة ومؤطرة من طرف موظفين مؤهلين لهم كفاءة في الاتصال والإعلام، مع فتح سجل خاص بهذه المقابلات والتظلمات الواردة من طرف المواطنين، ومتابعة دراستها إلى غاية البت فيها نهائيا، إما إيجابيا أم سلبيا، مع إعلام المعنيين بنتائج ذلك. وجاء التحرك الحكومي للتقرب من انشغالات الشعب في أعقاب الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء الذي خاطب فيه رئيس الجمهورية وزراء حكومة سلال الجديدة "إنني أنتظر من كل منكم العمل والالتزام والتفاني". ودعا بوتفليقة جميع مؤسسات الجمهورية، ومنها الحكومة، إلى ضرورة الإصغاء للمجتمع وتطوير القنوات الملائمة للحوار مع جميع مكوناته، مشددا على أهمية أن تكون جميع مؤسسات الجمهورية، ومنها الحكومة بوجه خاص، في "الإصغاء دوما" للمجتمع. وقال رئيس الدولة إن "الجزائر اليوم قوية باستقرارها واستقرار مؤسساتها"، مؤكدا على ضرورة "مضاعفة الجهد من أجل أن نترك لأبنائنا بلدا مزدهرا اقتصاديا". واعتبر بوتفليقة أن تحقيق هذا المسعى "يقتضي وجود إدارة ناجعة وشفافة عمادها خدمة عمومية عصرية عالية الجودة وخالية من آفات البيروقراطية"، مشيرا إلى أنه "من حق المواطن أن يعول على العون العمومي وأن يتعامل معه بثقة".