قصف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالثقيل دفاعا عن المؤسسة العسكرية عموما وجهاز الاستخبارات خصوصا، في ثاني رسالة له حملت هذه المرة طابع "بصريح العبارة"، حيث دعا إلى الكفّ عن "المهاترات"، معتبرا الإساءة لجهاز المخابرات "مؤامرة خبيثة". بوتفليقة الذي اعتبر أن محاولة بعض الأطراف تقديم عمليات الهيكلة التي خضعت لها دائرة الاستعلام والأمن على أنها "قرينة" تنم عن وجود أزمة داخل الدولة.. هي قراءة "غير موضوعية وماكرة" للوقائع، استغل إحياء ذكرى يوم الشهيد ليقطع قول كل خطيب مثلما يقال، ويضع حدا لهذا الجدل وللتأويل الذي رافق ما جاء في رسالة التعزية التي بعث بها لنائب وزير الدفاع. وأوضح الرئيس بوتفليقة أن الهيكلة التي يخضع لها جهاز الاستعلامات لا تعني وجود أزمة داخل الدولة أو في وزارة الدفاع، ثم يؤكد بوتفليقة بما لا يدع مجالا للشك أنه "لا يحق لأحد مهما كانت مسؤولياته التطاول على المؤسسات الدستورية للبلاد التي لا تضطلع إلا بواجبها في خدمة الأمة ليس إلا". و من خلال هذه المقتطفات يتأكد أن بوتفليقة خرج فعليا عن صمته هذه المرة، وأعلن بطريقة مباشرة أن الإساءة لجهاز الاستعلامات "مؤامرة خبيثة"، وكلام الرئيس هو الرد الذي كان ينتظره الرأي العام باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، وهذا أمر من شأنه أن يريح الساحة السياسية من عبث الجدل الذي يزيد من ضبابية الوضع العام في البلاد ومؤسسات الدولة، وقد تكون التصريحات العنيفة التي أطلقها مستشار الرئيس السابق ليامين زروال ضد نائب وزير الدفاع الوطني وضد العديد من المؤسسات واحدة من دوافع هذا القصف العنيف الذي خاضه بوتفليقة في خطابه الذي قرأه وزير المجاهدين محمد الشريف عباس، ومن شأن هذه الخرجة القوية لبوتفليقة أن تضع حدا نهائيا لما يتردد من أن الرئاسة غير راضية على أداء جهاز الاستعلامات، وقد تم توظيف هذه القراءات إعلاميا وسياسيا مما أدى إلى قلق وسط الرأي العام أثار الرعب في النفوس، لأن تداعياته إن صح كانت ستكون سيئة للغاية على البلاد والعباد. كما أن التأويلات التي ساقها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعيداني على إثر رسالة التعزية حرّفت المعنى الحقيقي لتلك الرسالة التي كانت تقصده قولا وفعلا، لكن إشارات بوتفليقة لم تكن واضحة بالشكل الذي يحدّد الطرف أو الأطراف المعنية. وعليه، فإن بوتفليقة أكد بصريح العبارة أن الذين وظفوا عملية الهيكلة قاموا بقراءة ماكرة في مؤامرة وصفها بالخبيثة، وهي تكاد تكون المرة الأولى التي يستعمل فيها بوتفليقة هذا الوصف لمسألة سياسية داخلية بحتة.. كما أن رسالة بوتفليقة التي دافع فيها على الجيش والمخابرات تحمل دلالات قوية، فهي تعزز تماسك ووحدة المؤسسة العسكرية باعتبارها جزءا من المؤسسات السيادية في البلاد، فضلا عن أهميتها ودورها الحساس والحاسم، ولاشك أن الدفاع القوي عن الجيش والمخابرات بهذا الشكل الذي لم يسبق أن عبّر عنه بوتفليقة سيؤدي إلى استقرار داخل المؤسسة العسكرية وباقي المؤسسات السيادية، فقد كادت التصريحات غير المسؤولة أن تؤدي إلى انزلاقات بعدما خاض الكثير من الخلق السياسي في تصريحات أثارت القلق وزعزعة الاستقرار النفسي لدى المواطنين وفي الوسط السياسي والإعلامي. وفي سياق متصل، فإن الخرجة القوية لرئيس الجمهورية تؤكد على أن العلاقات بين الرئاسة والجيش أخذت مجرى طبيعيا، إما بالتفاهم بين كافة رموز السلطة ودوائر صنع القرار في البلاد أو أن هذا الجدل كان بفعل فاعل، وقد أدى تدخل بوتفليقة إلى وضع حد له.