تؤكد الإحصائيات أن فاتورة الاستيراد الجزائرية من مواد الاستهلاك في ارتفاع مستمر، حيث سجلت إحصائيات التجارة الخارجية سنة ,2006 تحول قيمة الواردات من 357,20 مليار دولار إلى 005,21 مليار دولار، أي بزيادة قدرت ب18,3 % ، لتنتقل خلال السداسي الأول من سنة 2007 إلى 439,27 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل ارتفاعا قدره 88,27% . وسجلت نفس المؤشرات عام 2008 ارتفاع فاتورة الاستيراد إلى 40 مليار دولار، حيث بلغت مشتريات الحبوب لوحدها 69,3 مليار دولار. وكشفت حصيلة الجمارك الجزائرية لسنة 2008 عن تطور مقلق للواردات الجزائرية وذلك بزيادة بلغت 5,11 مليار دولار خلال سنة واحدة. كما كشفت عن ارتفاع كبير للواردات الغذائية فاق 7 ملايير دولار مقابل 959,4 ملايير دولار خلال 2007 بزيادة 75,55% . وفي قراءة اجتماعية لهذه الأرقام، يتضح أن المجتمع الجزائري بدأ يتحول من مجتمع استهلاكي كفائي، بمعنى أنه يستهلك بالقدر الذي يكفيه، إلى مجتمع فشره'' أو مولع بثقافة الاستهلاك، وحسب علماء الاجتماع فإن هذا التغيير الحاصل في المجتمع يعتبر فتحولا'' وليس تطورا، حيث أرجع الدكتور يوسف حنطابلي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سعد دحلب بالبليدة، هذا التحول إلى كون المجتمع وجد نفسه عقب الاستقلال في حيز عمراني من دون ثقافة عمرانية، وهو ما انعكس عليه في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث كانت المرأة هي من يحدد نمط الاستهلاك العائلي بالحاجيات الأساسية فقط. أما في العشرية الأخيرة فوجد المجتمع الجزائري نفسه في مواجهة الثقافة التقليدية في حيز عمراني حضاري، يفرض على الفرد نمط استهلاكي مغاير تماما لما تعود عليه في السابق، وهذا دائما في ظل غياب ثقافة عمرانية حقيقية تكون موازية للبناء العمراني الحاصل في المجتمع، بالإضافة للتأثيرات الخارجية مثل أثر الإعلام الذي أصبح يوجه ويخلق ثقافة استهلاكية معينة من خلال الإعلانات، وذلك بالتوجه لفئة الأطفال التي تعتبر الأكثر تأثرا وتأثيرا في الأولياء، ولهذا فهي تعمل على تشكيل ذوق وثقافة استهلاكية نمطية معينة، حيث أصبح الذوق الفردي يطغى على الذوق الجماعي، ما أنتج نوعا من التحرر في الاستهلاك لدى الفرد الجزائري، وهذا ما يدل، حسب الباحث، على أن المجتمع بدأ ينسجم في الوجود الحضاري ونمط الاستهلاك الذي يفرضه هذا التحول، الذي لم يؤثر مباشرة في أغلب الأرياف الجزائرية نتيجة لبساطة العيش وغياب الوعاء العمراني الحضاري الذي يفرض نمطا استهلاكيا واسعا. وأكد الدتكور يوسف حنطابلي أن الإشهار والإعلام يلعبان دورا مهما في فتح هذه الفضاءات أمام المستهلك من خلال البرمجة العصبية والثقافية لاستهلاك تلك السلع المروجة في وسائل الإعلام، أو من خلال الإعلانات، فهي تستبق المستهلك في تشكيل أذواقه ونمط استهلاكه، كما يمكن لوسائل الإعلام أن تكبح هذه فالشراهة'' في الاستهلاك من خلال فالإعلام الصحيف، بإبراز مخاطر هذا النوع من الاستهلاك المفرط، مثل عرض المخاطر الصحية على فئة الأطفال وخطر تعرضها للبدانة المفرطة نتيجة الأنماط الاستهلاكية الحديثة.