من بركة رمضان أنه شهر بلا شياطين، فلا مس ولا جن ولا أبالسة، إلا من ''تأبلس'' لنفسه· ولأنه شهر المعجزات، حيث لا حجة للمسكونين بوهم أن الشيطان سبب عللهم و''نرفزتهم'' وجنونهم، كون ''أقراننا'' مصفدين، فإن أكبر تجنٍّ على الشيطان أن نسمع الناس يلعنون إبليس في الأسواق ويحملونه مسؤولية انهيارهم وعيوبهم، فالشيطان في رمضان بريء، ولا شياطين إلا نحن وحقيقتنا التي تكشف وتعري عيوبنا في كل موقع ومنبع ومرضع ··غريب أن أصل إلى حقيقة مرعبة، هي أننا في الجزائر لا نحتاج إلى شياطين يوسوسون لنا فيحولون رمضاننا إلى شهر للسرقة وللقتل وللجشع ولكل الموبقات، فمن قتال الشوارع إلى اغتيالات الهاتف النقال، وصولا إلى الأفعال المخلة بالحياء والتي يتورط فيها شيوخ في عز شهر التوبة، ليثبتوا لنا أن مجتمع هذه البلاد قد تجاوز شيطانه فأضحى هو الشيطان في أسمى صوره··رمضان يعرينا، تلكم هي حقيقتنا، ففيه التجار يفجرون ويفاجرون بسعارهم، وفيه اللصوص يتحررون، وفيه الدولة صائمة عن الشارع وعلى ما يجري في الشارع، فكل شيء مباح و''نباح''، والمحظوظ من حالفه حظه في النجاة من سعار رمضان، شهر ''التوبة'' والغفران، الذي حولوه إلى شهر مشرع على النهم والنهب والغياب الرسمي لمؤسسات دولة، أول ما تفقد في رمضان ''شارعها'' لنعود إلى عصر القبلية والعصبية وجيوش الأحياء المتناحرة على قطعة ''زلابية''·· فأين الدولة من دولة الشارع، وأين الشيطان مما يفعله بنو الإنسان منا، وهل بقي من رمضاننا شيء غير أن الشياطين تصفد ونحن وحكومتنا الكريمة نفسد؟