تدهورت أسعار النفط خلال النصف الحالي من سنة 2014 لتبلغ مستويات لم يتوقعها أشد الخبراء تشاؤما قبل ستة أشهر، ولا يخفى على الجميع رغم الخطاب الحكومي المطمئن نسبيا أن هذا الهبوط في إيرادات الجزائر من العملة الصعبة بنحو 50 في المائة قد أخلط حسابات الحكومة التي أعدت ميزانية سخية لمشاريعها لسنة 2015، ولتدارك ذلك أعلنت حالة الطوارئ في أروقة مبنى الدكتور سعدان التي تعج حاليا بخلايا لجان وزارية مشتركة تعكف على إعادة تثمين ميزانية المشاريع المرتقبة ودراسة الأثر المالي لقرارات شبه تقشفية ستعلنها الحكومة بغية ترشيد النفقات، وعلمت "البلاد" أن الوزير الأول عبد المالك سلال اجتمع بوزرائه في أكثر من مناسبة حول هذا الموضوع، آخرها بحر الأسبوع الماضي في اجتماع حكومي مصغر تحت عنوان "بدائل تمويل الاقتصاد ورفع الصعوبات"، وطلب من الوزراء على إثره بتحديد قائمة بالمشاريع المهمة ذات الأولوية في التمويل وتقسميها حسب معيارين، احدهما إستراتيجي والثاني هيكلي، مع إمكانية اللجوء إلى قانون مالية تكميلي لضبط ميزانية بعض المشاريع المؤجلة بعد صدور نتائج اللجان الوزارية المشتركة. وفي هذا السياق، كلف أربعة وزراء من بين التشكيلة الحكومية بالقيام بأغلب المهام في الخطة الحكومية لمواجهة الهبوط المتسارع في أسعار النفط وهم: وزير الطاقة يوسف يوسفي ووزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب، إضافة إلى وزير التجارة عمارة بن يونس ووزير المالية محمد جلاب. جلاب: توليفة "سحرية " لموازنة النفقات العمومية وتقع على عاتق هذا الأخير أكثر المهام صعوبة في اللحاق بموارد الجزائر التي تتآكل يوما بعد يوم تحت ضغط انخفاض مداخيل المحروقات، وسيطالب الرجل المخول قانونيا بتحديد ميزانية الدولة إعداد توليفة تسمح بموازنة النفقات الحكومية عبر تقليص ميزانية التجهيز التي تشكل حصة الأسد في ميزانية الواردات دونما المساس بالتحويلات الاجتماعية. كما سيكلف الوزير بمتابعة وضبط توزيع المكاسب النقدية غير المتوقعة تحت تعليمات الوزير الأول عبد المالك سلال ورئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وعرف عن جلاب أنه رجل المهام الصعبة وقد أوكلت إليه مهمة تصفية حسابات قضية بنك الخليفة. كما استلم عدة مناصب حساسة كمستشار دولة وعلى رأس القرض الشعبي الوطني. يوسفي في مهمه الدفاع عن مصالح الجزائر النفطية ولإنجاح مهمته، ينبغي على الوزير جلاب تنسيق جهوده مع وزير قديم له باع طويل في تسيير ملف النفط في الجزائر بأيامه الوردية والسوداء، حيث سيسير يوسف يوسفي خلية في دائرته تتابع تقلبات سوق النفط الدولية، وسيتكفل الوزير يوسفي بنقل المعلومات في وقتها للمالية وتوجيه الإطار الحكومي نحو إعداد قرارات طارئة إن لزم الأمر وسيكون على يوسفي استغلال ثقله في منظمة الأوبك التي ترأسها سنوات 98 -99 للدفاع عن المصالح الجزائرية في المنطقة والحفاظ على مبيعات الجزائر لعملائها التجاريين في أوروبا وإفريقيا، خصوصا وأنه حافظ على علاقاته مع كبار الخبراء الاقتصاديين الدوليين. كما يعتبر وسيطا مفضلا بين موسكو وطهران وكركاس وحكومات الولاياتالمتحدة والسعودية وقطر. بوشوارب للحد من سطوة الواردات وبناء صناعة وطنية من جهته يسارع وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب الزمن لإعادة بناء قاعدة إنتاج صناعي في الجزائر تحل بديلا عن ريع المحروقات وتنوع مداخيل الميزانية، ولتحقيق ذلك من المنتظر أن يعلن الوزير خلال افتتاحه لصالون الإنتاج الوطني في ال 24 من الشهر الجاري، قرارات مهمة تحد من سطوة الواردات وتحفيز المنتجين المحليين على زيادة مساهمتهم في سد حاجيات الطلب الداخلي. كما سيواصل الوزير مهامه في جلب شركاء أجانب والقيام بمشاريع مشتركة بعد جولاته في كل من الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا ومن المنتظر أن يبحث بوشوارب شرقا عن شركاء جدد في الخليج العربي، أقل تحفظا في قضايا التمويل. بن يونس لاحتواء ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفي المقابل، سيجد عمارة بن يونس نفسه منشغلا بقضايا أسعار المواد الغذائية كالحليب والقمح واللحوم الحمراء المتوقع ارتفاعها في البورصة الدولية، ما سينعكس على فاتورة الغذاء، ولمواجهة ذلك سيلجأ بن يونس لتسريع وتيرة إنجاز برامج الدولة لهيكلة أسواق الجملة وشبكة النقل والتوزيع وغرف التبريد للتقليص من فوضى أسعار المواد الفلاحية.