علماء "ناسا" الفضائية على موعد بعد 9 أيام مع لقاء تاريخي بين مسبار أطلقته الوكالة الأميركية قبل 9 سنوات و7 أشهر، وقطع 5 مليارات كيلومتر تقريبا، وبين كوكب سالك وحيدا وبلا جيران في المجموعة الشمسية، الأبعد في تخومها عن الأرض، ليحصلوا من اللقاء على صور أوضح مما التقطه منظار "هابل" الشهير للكوكب الذي تدور حوله 5 أقمار، كما وللحصول على جواب على أهم سؤال. والسؤال: كيف تمكن "بلوتو" من البقاء "حيا" بين عمالقة المجموعة الشمسية، المشتري وزحل وأورانوس، وهو المصنف فلكيا بأنه "كوكب قزم" قطره 2368 كيلومترا، ومحاصر بأجرام متنوعة الأحجام، يكتظ بها "حزام كويبر" البعيد معها عن الشمس 6 مليارات كيلومتر، الى درجة أن الصورة التي سيبثها المسبار بسرعة الضوء البالغة 300 ألف كيلومتر بالثانية حين يصل اليه، تحتاج الى 5 ساعات لتبلغ الأرض. المسافة بين جدة والرياض بأقل من دقيقة ويتجه مسبار New Horizons الذي أطلقته "ناسا" في 9 يناير 2006 بكلفة 650 مليون دولار، الى الكوكب حاليا بسرعة هي الأكبر لأي جسم صنعه الإنسان للآن، وتزيد عن 58 ألفا و580 كيلومترا بالساعة، إلى درجة أن كل كلمة يطالعها قارئ "العربية.نت" من هذا الموضوع، يكون المسبار البالغ وزنه 454 كيلوغراما، قطع 976 كيلومترا بدقيقة واحدة، تزيد عما بين جدة والرياض في السعودية. ومما تذكره "ناسا" في موقعها، أن المسبار سيصل في 14 يوليو الجاري إلى ارتفاع 12400 كيلومتر عن "بلوتو" الذي استمد اسمه من معبود خرافي جعله الرومان إلها لأسفل الأرض وثرواتها، وأطلقته عليه طفلة بريطانية عمرها 11 سنة، اسمها فانيتيا بورنر، وقبل الفلكي الأميركي كلايد تومبو، اقتراحها حين طلب مساعدته على تسميته عام اكتشفه في 1930 ثم غاب عن الدنيا في 1997 من دون أن يدري أن الإنسان سيتمكن في 2015 من إلقاء أول نظرة عن قرب بالتاريخ على أبعد الكواكب عن الأرض. والصور التي سيلتقطها "نيو هورايزونز" الذي أمضى 3500 يوما ليصل الى هدفه الموعود الثلاثاء بعد الثلاثاء المقبل، ستكون من ارتفاع مساو تقريبا لارتفاع طائرة تحلق فوق مدينة كبيروت مثلا، والتقط أحد ركابها صورا للمدينة من ذلك الارتفاع، مع فارق أن عدسات المسبار هي من الأدق، ويمكنها رصد أي جسم بحجم سيارة صغيرة. "رحلة إلى فئة من الكواكب لم نرها على الإطلاق" كما سيلقي المسبار أول نظرة علمية أيضا على أكبر قمر دائر حول "بلوتو" المعتبر تاسع كواكب المجموعة الشمسية وآخرها بعدا في الفضاء، وهو "شارون" الذي ما إن ينتهي من تفحصه حتى يمضي ليدرس حزام "كويبر" المكون من ملايين الكويكبات الصغيرة والأحجار و"النفايات" الفضائية المتراكمة فيه منذ نشوء المجموعة الشمسية، وكل هذا العالم المستمر غامضا ولغزا محيرا، هو آخر المجهول للإنسان بالمجموعة التي ولدت قبل 4 مليارات و600 مليون عام. أحد العلماء الناشطين في مشروع استكشاف "بلوتو" وقمره، وهو هال ويفر، أستاذ الفيزياء التطبيقية في مختبرات الدفع النفاث بجامعة "جونز هوبكينز"، بولاية ماريلاند الأميركية، وصف اللقاء المرتقب بين المسبار والكوكب الصغير وأقماره الخمسة بأنه "رحلة إلى فئة جديدة من الكواكب التي لم نرها على الإطلاق، والى أماكن لم نصل إليها سابقا" وفق ما قرأت "العربية.نت" مما بثته عنه الوكالات قبل شهر، فيما نقلت صحيفة "صانداي تايمز" بعددها اليوم الأحد، عن باحث آخر الشيء نفسه تقريبا. ألان ستيرن، كبير الباحثين في مركز Southwest Research Institute التابع لوكالة "ناسا" في مدينة "بولدر" بولاية كولورادو، ذكر للصحيفة البريطانية ما معناه "أن آفاقا جديدة يقترب موعدها بسرعة مع القدر" وأن حزام "كويبر" يحتوي على الكثير من الكواكب الصغيرة "لكن بلوتو الوحيد بينها المحتوي على غطاء جوي، إضافة إلى نظام أقماره المعقد"، وشرح أن دراسته مع الحزام، واسمه الصحيح "كايبر" على اسم مكتشفه جيرارد كايبر، قد تكشف عن كيفية تكوين المجموعة الشمسية. فجر دائم مع 273 مئوية تحت الصفر وفي "بلوتو" الملون سطحه برمادي مع برتقالي وأحمر، ألغاز كبيرة ومختلفة عما في كل المجموعة الشمسية، فمعظم جوه من غازي الميثان والنيتروجين "وقد يكون في حالة جليدية شفافة" كمعظم سطحه الجليدي أيضا. كما فيه لغز محير ظهر في صور عدة التقطها المسبار وهو متجه نحوه بسرعة تزيد عن مليون و400 ألف كيلومتر يوميا. واللغز هي بقعة بيضاء لامعة، ليس معروفا عنها سوى أن مساحتها 400 كيلومتر مربع، أي ضعف مساحة محافظة القاهرة المصرية، وتقع في قطبه الشمالي، طبقا لما طالعته "العربية.نت" عما نشرته "ناسا" الشهر الماضي عن الكوكب، بينما تظهر بقعة قاتمة، أصغر منها، في القطب الجنوبي لقمره الأكبر شارون. أما بقية أقماره، فمعظم المعلومات عنه مجهول وأصعب ما في "بلوتو" هي حرارته البالغة 40 درجة " فوق الصفر المطلق" عند سطحه، علما أن "الصفر المطلق" هي أقل تصل إليه الحرارة إطلاقا، حتى إن الذرات نفسها تقل طاقتها في هذه الحالة، وقد تكون حرارته مساوية لأقصى درجة أكد العلماء إمكانية الوصول إليها حتى الآن، وهي 273.15 مئوية تحت الصفر، لأن الشمس تبدو لمن يتمكن من الهبوط على "بلوتو" في يوم ما، كشمعة تجعل نهاره شبيها بضوء أول خيوط الفجر.