عرفت السنوات الأخيرة طفرة صناعية واضحة في الجزائر، حيث قطعت أشواطا طويلة في عمليات التصنيع والخروج من اقتصاد المحروقات وتقليص فاتورة الاستيراد عن طريق الاعتماد على المواد المنتجة محليا، حيث تحاول الحكومة خلال المرحلة الحالية إعادة إحياء الصناعة التي اندثرت خلال التسعينات بسبب الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر آنذاك، إضافة إلى الأزمة المالية التي دفعت بالسلطات المختصة إلى إعلان إفلاس العديد من المؤسسات العمومية الضخمة وكذا تسريح آلاف العمال والتي أدت إلى اعتماد الجزائر على الواردات بأكثر من 70 بالمائة لتغطية احتياجات الجزائريين. ولعل الجزائر تعتبر أكثر المناطق جذبا للاستثمار الصناعي، خصوصا خلال الفترة الأخيرة لما تمتعت به من استقرار أمني، رغم الانتقادات الموجهة لسياسات الحكومة في تسيير الاستثمار، خاصة الاجنبي منه بعد استحداث قاعدة تسيير هذا الأخير 49/ 51 ضمن قانون المالية لسنة 2009، حيث انتقدت عديد الهيئات الاقتصادية والمالية العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، خطوة الجزائر التي بررتها الحكومة بمحاولة منها للحفاظ على الصناعة والسيادة الاقتصادية ضمن الشراكات الأجنبية التي تعول عليها كثيرا لعمليات نقل وتحويل التكنولوجيا في الجزائر، خاصة في ظل الظروف الحالية وانهيار أسعار النفط، حيث يؤكد وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب أن "انهيار أسعار النفط يجب أن يكون عاملا دافعا نحو تنمية الاقتصاد الوطني والقطاعات خارج المحروقات". ويشير بوشوارب في هذا السياق أن وزارته تعكف على إنشاء جهاز جديد يهدف إلى تنمية القطاع الصناعي، إضافة إلى إقدام الحكومة على إلغاء صيغة شركات مساهمات الدولة وتحويلها إلى مجمعات صناعية لمختلف القطاعات لإعطاء دفعة جديدة للصناعة الوطنية، خاصة الميكانيكية منها، في ظل التحفيزات التي تقدمها الحكومة لكبار المصنعين على غرار رونو التي أقامت مصنعها بعد جولات من المفاوضات قامت بإنشاء مصنعها بواد تليلات بوهران لإنجاز أول سيارة مايد إن الجيريا من نوع رينو سامبول التي تركب هناك، حيث تسعى أيضا حكومة سلال إلى جذب المزيد من الوكلاء وحثهم على إقامة أنشطة صناعية أو شبه صناعية، حيث ينتظر أن تعلن العلامة الفرنسية الثانية بيجو عن إقامة مصنعها الاقليمي أيضا في الجزائر على الرغم من المنافسة الشرسة للمغرب في هذا القطاع، لتليها بعض العلامات الأوروبية الأخرى التي باتت تبدي حماسا أكبر للاستثمار. ويبقى المشكل الأساسي الذي تعاني منه الصناعة في الجزائر تأخرها عن مستوى التنافس الخارجي وبقائها في مؤخرة القطاعات المساهمة في الناتج الوطني الخام والتي لا تتجاوز 5 بالمائة، في وقت تعول فيه الحكومة على نمو اقتصادي برقمين بداية من سنة 2017 وجعلها مصدرا من أهم مصادر الدخل بالعملة الصعبة التي لا يزال النفط إلى حد الساعة يشكل 98 بالمائة منها.