فقدت المؤسسة التشريعية هيبتها او ماتبقي لها من سمعة قبل سنة من انتهاء عهدتها بعد كل الاتهامات التي طالتها، حيث كانت لجنة المالية هي الأداة التي باشرت إعدام هذه الهيئة بعد ان فشلت في إقرار جملة من التعديلات ظلت تتغنى بها منذ بداية عرض مشروع قانون المالية 2016 للمناقشة، لتغرق بعد 4 أيام في موجة ضغوطات أعادت القانون الأكثر إثارة للجدل إلى المربع الأول، وترمي كل المناقشات والتحفظات والإنتقادات التي طالت القانون من مختلف التشكيلات السياسية عرض الحائط، لا سيما بعد إدراج المادة 71، لتنجح بذلك لعبة الكواليس في صنع القرارات. اللجنة المالية حالها مثل الجبل الذي تمخض فولد فأرا، حيث إنها أثبتت فشلها وفشل البرلمان ككل في ممارسة مهامه الطبيعية المنوطة بها كهيئة تشريعية، بل كانت قبة زيغود يوسف هذه المرة أشبه بمسرح تعددت فيه أدوار الممثلين بطريقة ارتجالية وكانت السيناريو مفتوحا على جميع الاحتمالات، غير أن نهاية السيناريو سارت وفق الإحتمالات والتوقعات بل كانت محسومة لأن كاتبها نجح في جعل الأغلبية البطل الرئيسي في المشهد الأول وحتى الأخير، رغم أنه لم يحن بعد وتفصلنا عنه ساعات فقط ومن ورائهم طبعا "جنود خفاء ضاغطين"، فبعد أن تمكنت اللجنة من خلال دراستها لقانون المالية من إسقاط 10 مواد متفجرة في القانون وكانت الأكثر إثارة للجدل خلال جلسات المناقشة خاصة المواد 71، 66 و53 ...، حتى إن نواب الأغلبية البرلمانية من الأحزاب الموالية أظهروا خلال المناقشة ارتياحا لإلغاء هذه المواد، بل تجاوز البعض منهم التحفظ الحزبي والإنتماء السياسي ليخرج في مداخلته عن الأوامر الفوقية، ويظهر تعاطفا مع المواطن عبر إطلاق جملة من التحفظات والإنتقادات لمضمون القانون، غير أنه حدث انقلاب بفعل فاعل وتفوقت لعبة الكواليس على إرادة النواب، وتم انتهاك سيادة اللجنة المالية، التي غرقت في بحر الضغوطات خلال إعداد التقرير التكميلي فوجدت نفسها في مواجهة أغلبية"مأمورة" تعيد النقاش إلى الصفر، بل الأخطر من ذلك تدافع عن إعادة إدراج المادة 71 في مشروع قانون المالية بعد إسقاطها اقتناعا منها بمبررات الوزير بن خالفة، والتي تمنح وزير المالية سلطة إعادة توزيع الاعتمادات المالية بين القطاعات دون الرجوع إلى البرلمان، وهو أمر غير دستوري. كما يعني أنه لا جدوى من وجود تسوية للميزانية أو تقارير مجلس المحاسبة عن صرف الميزانيات في السنوات المقبلة، طالما ان الحكومة يمكنها التصرف "حسب الحاجة" في صرف المال، رغم ان نواب اللجنة ولحفظ ماء الوجه عمدوا إلى إعادة إدماج المادة 71 بشروط ضمت تقييد يد وزير المالية، حيث لا يمكن تحويل إلا ما نسبته 20 بالمائة من اعتماد إلى آخر لتمويل مشاريع ذات المنفعة العمومية، ثم العودة إلى البرلمان للحصول على اعتمادات مالية جديدة. وأسقط أعضاء لجنة المالية المادة 66 من المشروع الحكومي، التي اعتبرت محاولة من الحكومة لفتح رأسمال شركات عمومية للقطاع الخاص الوطني والأجنبي العامل في الجزائر. وقبلت اللجنة، بالمقابل، بمقترح تقدم به نواب من مختلف الكتل لإلغائها، بحجة أن مجالها قانون الاستثمار، زيادة على أنها تمس بقاعدة 51/49، ولكون الشركات العمومية ملك للشعب ومصدر رزق لهم. وأبطلت اللجنة اقتراح الحكومة إلغاء المادة 142 الخاصة بإلزامية إعادة استثمار حصة الأرباح في إطار أنظمة دعم الاستثمار، ويتوجب، وفق التعديل، على المستثمرين إعادة استثمار 30 بالمائة من نسبة الأرباح الموافقة للإعفاءات التي حصلوا عليها. كما استجابت اللجنة لتعديلات مقترحة تلزم الأجانب بصرف أموالهم بالبنوك العمومية، والترخيص بإدخال وإخراج مبلغ لا يفوق ألفي أورو، أو ما يعادله من العملة الأجنبية دون إلزامية التصريح به للجمارك، فضلا عن حماية سونطراك عبر مقترح إعفاء الوقود الذي تستورده شركة سوناطراك، في إطار إعادة معالجة النفط الجزائري، من الحقوق الجمركية.