عكست نتائج الجولة الأولى من الانتخابات المحلية في فرنسا، زلزالاً سياسياً غير مسبوق، حيث حل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان في الطليعة بنسبة 30.8 في المائة من أصوات الناخبين. وتقدّم أكبر أحزاب اليمين الفرنسي المتطرف على "الجمهوريين" الذي ينتمي لتيار "اليمين الوسط" ويتزعمه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، والذي حاز على نسبة تتراوح بين 27.2 في المائة من أصوات الناخبين. وفي حين أظهرت استطلاعات الرأي ارتفاع منسوب شعبية الرئيس فرانسوا هولاند بسبب الإجراءات المتشددة التي اتخذها منذ هجمات باريس، فإن حزبه "الإشتراكي" لم يحظَ بتأييد مماثل، حيث حصل الحزب الحاكم على نسبة تتفاوت بين 22.7 في المائة. وتشير النتائج الرسمية، إلى أن "الجبهة الوطنية" تصدرت النتائج في ستة أقاليم من أصل 13 إقليماً. وتصدرت لوبان نتائج الاقتراع في منطقة "نور با دوكاليه بيكاردي" (شمال البلاد)، الذي كان يوما من أهم معاقل اليسار الفرنسي، بنسبة 43 في المائة من الأصوات، فيما تصدرت ابنة شقيقتها ماريون ماريشال لوبان (25 عاما) منطقة "بروفانس ألب كوت داوزور" (جنوبفرنسا)، بنسبة تتراوح بين 41.2 في المائة من الأصوات. وكان استطلاع للرأي قد نشرت نتائجه يوم الجمعة الماضي، قد رجّح تقدّم حزب "الجبهة الوطنية" في الدورة الأولى من الانتخابات في 6 مناطق، وفوزه في 3 في الجولة الثانية للانتخابات البلدية التي ستجري بتاريخ 13 ديسمبر الجاري. وتأتي هذه الانتخابات بعد ثلاثة أسابيع من سلسلة هجمات باريس التي أودت بحياة 130 شخصا، والتي شكّلت فرصة لليمين المتطرف لتبوّء موقع طليعي في هذه الانتخابات، نظراً لما يتّسم به خطابه العنصري ضد اللاجئين والجاليات العربية والمسلمة في البلاد. رهان على الانتخابات الرئاسية ويعتزم اليمين المتطرف الفرنسي غداة تقدمه التاريخي في الدورة الأولى من انتخابات المناطق، طرح نفسه في موقع قوة كبديل للسلطة الحالية ملقيا بثقله في اتجاه ترشيح زعيمته مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية عام 2017 وهو السيناريو الذي بات يثير مخاوف الجالية المسلمة في هذا البلد بسبب الخطاب العنصري الذي يختص به حزب الجبهة الوطنية تجاه الإسلام والمسلمين. وقالت رئيسة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن أمس في تصريح لشبكة "بي اف ام تي في" و«اذاعة مونتي كارلو" إن "الشعب الفرنسي سئم، وهو يؤكد انتخابات بعد انتخابات ثقته في الجبهة الوطنية" مضيفة "أعتقد من جهتي أن الفرنسيين يرغبون في اعطاء فرصة للجبهة الوطنية". وقال النائب عن الجبهة الوطنية جيلبير كولار "لدينا الآن فكرة عما ستكون وطأة الموجة. اعتقد ان مارين ستصل الى السلطة.. وسيأتي يوم يكون لنا فيه امرأة رئيسة للجمهورية". وأجمعت الصحافة الفرنسية أمس على الاستنتاج ذاته وعنونت صحيفة لوباريزيان الشعبية "الجبهة الوطنية على أبواب السلطة" ورأت صحيفة ليبيراسيون اليسارية ان فوز اليمين المتطرف "يقترب" معتبرة أنه "بعدما كانت غير واردة حتى الآن، فإن فكرة السيطرة على السلطة تتبلور بالنسبة الى هذا الحزب الذي يكسب خمس نقاط في كل انتخابات". ولخصت صحيفة لوفيغارو المحافظة "الجبهة الوطنية تتموضع بصخب في قلب مشهدنا السياسي. إنه فشل ذريع لليسار كما لليمين". وانتخابات المناطق التي تجري دورتها الثانية الأحد المقبل هي آخر عملية اقتراع في فرنسا قبل الانتخابات الرئاسية عام 2017. وبهذه النتيجة التاريخية يؤكد حزب اليمين المتطرف تقدمه الثابت في كل انتخابات جرت في فرنسا منذ خمس سنوات بعد حصوله على 11,4٪ في انتخابات المناطق عام 2010، و17,9٪ في الانتخابات الرئاسية عام 2010، و24,86٪ في الانتخابات الاوروبية عام 2014، و25,2٪ في انتخابات المقاطعات في مارس 2015. ووسع قاعدته الى جميع طبقات المجتمع، مستغلا الرفض للطبقة السياسية التقليدية في بلد يعاني من بطالة مزمنة تطاول حوالى 3,6 ملايين شخص. حاجز جمهوري وأعلن الحزب الاشتراكي، الخاسر الاكبر في هذه الانتخابات، سحب مرشحيه "في المناطق التي تواجه مخاطر فوز الجبهة الوطنية والتي لا يتقدم فيها اليسار على اليمين" من أجل "تشكيل حاجز جمهوري" في وجه اليمين المتطرف. وقال السكرتير الاول للحزب الاشتراكي جان كريستوف كامباديليس إن "الاشتراكيين لن يتمثلوا في هذه المناطق على مدى خمس سنوات" مشددا على "التضحية" الفادحة. ونفذ القرار على الفور في شمال فرنساوجنوب شرقها لقطع الطريق أمام مارين لوبن وابنه شقيقها. غير أن المرشح الاشتراكي في شرق فرنسا كان لا يزال يرفض الامتثال له رغم التوقعات بفوز فلوريان فيليبو. كما تجد المعارضة اليمينية نفسها في موقف حرج. فقد رفض الرئيس السابق نيكولا ساركوزي رئيس حزب الجمهوريين "أي تحالف وأي انسحاب" في المناطق التي قد تقع في قبضة الجبهة الوطنية غير أن هذا الموقف الحازم لا يحظى بالإجماع في معسكره. وقالت المسؤولة الثانية في الحزب ناتالي كوسوسكو موريزيه إنه "ينبغي القيام بكل ما هو مفيد لتفادي وصول الجبهة الوطنية الى رئاسة منطقة". وطالب حلفاء الجمهوريين الوسطيون ب«سحب القوائم التي تحل في المرتبة الثالثة" في المنطق التي يمكن أن يكسبها حزب الجبهة الوطنية وقال رئيس الوزراء السابق جان بيار رافاران بهذا الصدد "حين نكون في المرتبة الثالثة ننسحب". ويشكل تقدم اليمين المتطرف ضربة شديدة لنيكولا ساركوزي الذي كان يعتزم البناء على انتصار للجمهوريين في انتخابات المناطق لتعزيز موقعه في أول انتخابات حزبية ينظمها اليمين عام 2012 تمهيدا للانتخابات الرئاسية.