نسف الانهيار المتواصل لأسعار النفط في الأسواق العالمية توقعات الحكومة التي اعتمدت على سعر مرجعي ب37 دولارا للبرميل في إعداد ميزانية السنة الجارية. ولم تشفع إجراءات "التقشف" التي شملت القطاعات الإستراتجية بما رافقها من تدابير تشجيع المنتوج الوطني ورفع أسعار بعض المواد وزيادة الرسوم والضرائب في وضع الاقتصاد الوطني بمأمن عن "الهزّات". ويرى الخبراء أن الجزائر ليست ببعيدة عن معايشة "الصدمة البترولية" لسنة 1986، بشكل يفرض "التصحيح" من خلال قانون مالية تكميلي للحفاظ على استمرار التوازنات المالية جراء ارتفاع النفقات العمومية بشكل خيالي. يحدث هذا في وقت يؤكد فيه الوزير الأول، عبد المالك سلال، على وجود هوامش في الميزانية من شأنها أن تسمح بمواجهة الوضع برصانة من أجل بناء رؤية اقتصادية جديدة تقلل من الاعتماد على النفط. حاوره: هشام حدوم يرى الخبير المالي والمرقي بالبورصة سهيل مداح أن الحاجة إلى قانون مالية تكميلي باتت اليوم ملحا لتفادي تسجيل عجز تاريخي في ميزانية 2016 لا سيما أن الأسعار الحالية تنبأ باندثار صندوق ضبط الإيرادات في سنة 2017، في حين يراهن الخبير في حوار له مع "البلاد" على ضرورة الاستمرار في ضخ الاستثمارات في قطاع المحروقات الذي سيبقى قطاعا منتجا للثروة في الجزائر لسنوات عدة قادمة. تزايدت المخاوف بخصوص تسجيل عجز قياسي في موازنة السنة الجارية بعد أن تخطى سعر البرميل عتبة ال30 دولارا ليزداد الفارق بين السعر المرجعي للبرميل في قانون المالية الأخير والسعر المتداول حاليا في الأسواق توسعا. هل الحاجة اليوم باتت ملحة لاعتماد قانون مالية تكميلي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ صحيح أن واقع أسعار المحروقات اليوم يختلف عن المعطيات التي بني عليها قانون المالية لسنة 2016 ذلك أن سعر برميل النفط المتوسط لإعداد الميزانية أعد على أساس 45 دولارا للبرميل، في حين أن الأسعار اليوم تناهز 29 دولارا ومرشحة لمزيد من الانخفاض لتلامس عتبة ال20 دولارا وبالتالي فإن توسع الفارق بهذا الشكل يدفع الى ضرورة التعجيل بإحداث تعديلات طارئة على قانون المالية الحالي قبل نهاية السداسي الأول لسنة 2016 لاسيما ما يتعلق بسعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار حيث بني قانون المالية 2016 على سعر صرف الدينار يعادل 98 دينارا لكل دولار واحد، في حين يناهز سعره حاليا في السوق الرسمية 106 دنانير لكل دولار. تضمن قانون المالية 2016 المادة 71 التي تخول لوزير المالية حرية التصرف في الاعتمادات المالية المرصودة لمختلف القطاعات، وتستطيع أن تغني هذه المادة عن قانون مالية تكميلي. المادة 71 من قانون المالية هي مادة تقنية بحتة تعطي الصلاحيات التي ذكرتها لممثل الحكومة وهو وزير المالية، ولكن المادة 71 رغم ذلك لا تغني عن ضرورة تعديل التوقعات التي بني عليها قانون المالية الحالي لا سيما فيما يخص سعر التوازن بغية تفادي توسع عجز الميزانية وكذلك السعر المرجعي الذي يعادل 37 دولارا. ومعلوم أنه يتم اقتطاع المداخيل التي تفوق 37 دولارا لتخزينها في صندوق ضبط الإيرادات وبالتالي فإن هبوط أسعار البرميل تحت 37 دولارا يعني عدم دخول أي موارد في صندوق ضبط المحروقات. وفي ظل التوقعات التي تؤكد بقاء الأسعار على وتيرتها تحت ال30 دولارا فذلك يعني حتما اندثار هذا الصندوق في سنة 2017 بعد استنفاد كافة موارده لتغطية عجز متوقع في الميزانية السنة الحالية 2016. ما هو مستقبل قطاع المحروقات في الجزائر بعد تقلص هوامش الربح لدى سوناطراك وشركائها الأجانب واقتراب سعر البرميل الى مستويات تعادل تكاليف النقل والإنتاج، في حين تراجعت أسعار الغاز الى ادنى مستوياتها عند 1 دولار للوحدة الحرارية؟ المهم أن تحافظ الجزائر على وتيرة استثماراتها في مجال المحروقات حيث سيمنح ذلك الجزائر أفضلية عند ارتفاع الأسعار مستقبلا ويمكن الاستدلال بفترة التسعينيات حيث تم انتهاج سياسة خاصة لمواصلة عمليات الحفر والتنقيب رغم تراجع الأسعار آنذاك. كما ينبغي الحفاظ على النزعة الحالية لتنويع ااقتصاد رغم أن المجهودات المبذولة حاليا في مجال التصنيع يتطلب وقتا ليؤتي بثماره، في حين أن قطاع المناجم كان ضحية التركيز على قطاع المحروقات في وقت مضى كونه يحتاج إلى هياكل قاعدية لربط تلك المناجم بالموانئ إضافة الى المصانع التي تقوم بتحويل تلك المواد من شكلها الخام بما يحسن مردودية تصديرها الى الأسواق العالمية. ما هي توقعاتكم لأسعار النفط في ظل معطيات السوق الحالية وبعد إلغاء الحظر على المنتجات النفطية الإيرانية؟ وهل يمكن تصور سيناريو تتخطى فيه الأسعار حاجز ال20 دولارا؟ تشير أغلب التوقعات الى استمرار انخفاض الأسعار على المدى القريب على الأقل سنتي 2016 و2017 ربما في حدود ال 20 دولارا لكن لا أعتقد شخصيا أنها ستتجاوز ذلك الحد لخطورة الانعكسات التي ستتبع ذلك على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، لكن على المدى البعيد نتوقع تعافي أسعار البرميل مجددا حيث دفعت وطأة الأسعار الحالية كبريات الشركات النفطية الى تقليص حجم استثماراتها ما يعني انخفاض الإنتاج في المستقبل وتعزيز موقف العرض أمام الطلب. والشيء المؤكد أن الأسعار مستقبلا لن تصل الى مستوياتها السابقة فوق ال100 دولار.