تواصل العملة الوطنية تراجعها أمام سلة العملات الصعبة، في وقت كثر فيه الحديث عند أهل الاقتصاد والسياسية عن مصير العملة الوطنية، ومعها القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل إصرار بنك الجزائر على الاستمرار في سياسته القائمة على خفض سعر الدينار من دون الاستناد إلى مبررات واضحة المعالم. وبلغ أمس سعر صرف الدينار الجزائري في السوق الرسمية بين البنوك، أدنى مستوياته على الإطلاق. وحدد بنك الجزائر سعر صرف العملة الأوروبية "الاورو" مقابل الدينار 122.52 دج. فيما بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار 109.98 دج. وقد يكون سعر العملة الوطنية قد تأثر بتآكل احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، نتيجة التراجع الحاد لأسعار النفط في السوق العالمية وهي المصدر شبه الوحيد للعملة الصعبة في الجزائر. ويعمد بنك الجزائر دائما إلى انتهاج سياسة نقدية لتسيير احتياطات البلاد من العملة الصعبة عبر وضع قيود لتنامي فاتورة الواردات وذلك بتعمد "إضعاف" الدينار لجعل عمليات الاستيراد أكثر كلفة. سهام السياسة تطال بنك الجزائر بعد "سقوط" الدينار المعارضة والموالاة تتفقان على رأس "لكصاسي" انتقلت المطالب بإصلاح المنظومة المالية في الجزائر، من خبراء الاقتصاد ورؤساء المؤسسات إلى ألسنة السياسيين ورؤساء الأحزاب الذين طالبوا "بنك الجزائر" الممثل لسلطة المالية في البلاد بإطلاق حزمة من الإصلاحات وإيجاد حلول وبدائل جديدة عوض سياسة تخفيض العملة التي تتبناها هذه المؤسسة التي يرأسها محمد لكصاسي، هذا الأخير الذي وجد نفسه مؤخرا في قلب الإعصار بعد أن طالته سهام الانتقادات من كلا معسكري السياسة "الموالاة والمعارضة"، وقبل 48 ساعة طالب عمار سعداني رئيس الحزب الحاكم الذي يملك الأغلبية البرلمانية والحكومية جبهة التحرير الوطني لكصاسي ب"تحمل المسؤولية" قائلا بلغة من يحاسب إن على هذا الأخير أن "يعالج العملة" ويعمل على رفع قيمتها بعد أن مست الاختلالات الأخيرة بالقدرة الشرائية للمواطنين. وفي نفس اليوم، وصف زعيم الجبهة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس المنظومة البنكية بالمترهلة والمتخلفة جدا، داعيا إلى ضرورة الذهاب نحو إصلاحات بنكية ومالية عميقة تتضمن فتح رأس مال البنوك العمومية وتطوير مناخ الأعمال وكذا ترقية العنصر البشري ومكافحة السوق الموازية التي تعتبر بمثابة سرطان ينخر الاقتصاد الوطني. وقبل هذا بأشهر معدودات، دعا رئيس اللجنة المالية للبرلمان والنائب عن جبهة التحرير الوطني محجوب بدة، إلى إقالة محافظ بنك الجزائر محمد لكصاسي، من منصبه بعد أن "عجز" عن كبح الانهيار السريع لسعر صرف العملة الوطنية أمام سلة العملات الصعبة والذي بلغ 40 بالمائة منذ عام 2014. وقال بدة إن البرلمان سيطالب محافظ البنك بأجوبة عن دور البنك المركزي، وكذا الدفع الإلكتروني، ومكاتب الصرف التي لم تنجز لحد الساعة مما أجبر الجزائريين على الاعتماد شبه الكلي على السوق الموازية لتبديل عملتهم ولم تختلف آراء المعارضة كثيرا عن ما دعت إليه الموالاة. فلم تتخلف تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي تجمع في طاولة المعارضة أهم وجوه المعارضة من مختلف المشارب والإيديولوجيات يوما في انتقاد السياسة المالية التي ينتهجها بنك الجزائر. متهمة إياه باستخدام سياسة غامضة لتحديد سعر صرف العملة وقيمتها، متهمة إياه بتفقير الجزائريين من خلال عمليات المراجعة المستمرة لقيمة العملة التي لم يسلم منها الدينار حتى في عز البحبوحة المالية والاحتياطات من النقد الأجنبي تكاد تلامس 200 مليار دولار. بشير مصيطفى ل"البلاد": 3 ضمانات لوقف نزيف العملة الوطنية - تغيير العملة بات قرارا لا بد منه في الوقت الراهن اعتبر كاتب الدولة المكلف بالاستشراف سابقا بشير مصيطفى، أن هنالك 3 حلول لا غنى عنها إن أرادت الحكومة إخراج العملة الوطنية من سلسلة عثراتها الحالية أمام سلة العملات الصعبة، تتمحور أهمها في "تغيير العملة" ووضع "نسبة فائدة متحركة"، إضافة إلى منح تراخيص لإنشاء "دكاكين الصرف"، مقللا من نجاعة قرار الحكومة طرح "سندات" سيادية للاكتتاب العام. وبرر مصيطفى ذلك بأن طرح هذه السندات ولو أنه قرار سيعزز الادخار، إلا أن ذلك لا يكفي لاستقطاب الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية التي قدرها المتحدث ب 34 مليار دولار، لاسيما إن تم إطلاق القرض السندي في البورصة التي تعتمد على حزمة من قواعد الشفافية يخشاها المتعاملون الخواص، لاسيما أن منهم من اكتسب ثروته من مصادر مشبوهة، مستدلا على ذلك بمحدودية نجاح إجراء "التصريح الجبائي الطوعي" في امتصاص الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية رغم الضمانات والامتيازات التي تشملها العملية، حيث لم يستجب لها سوى 210 متعاملين، بالإضافة لذلك استند مصيطفى في توقعاته إلى عوامل أخرى أبرزها نسبة المخاطرة المعتبرة نسبيا عند مقارنة الفائدة السنوية للسند التي حددتها الحكومة عند 5 بالمائة ونسب التضخم المتوقعة التي تقارب هذا الرقم بكثير . وقد تفوقه وتضيع بالتالي الربحية على من اقتنى السندات. ويرى مصيطفى أن تغيير العملة بات قرارا لا بد منه في الوقت الراهن وعلى بنك الجزائر انتهاج حزمة من الإصلاحات والقرارات النقدية السيادية لإعادة التوازن للعملة الوطنية، كاشفا أن قرار استبدال العملة من شأنه أن يخفض نسبة التضخم وبشكل مضمون إلى حدود ال2 بالمئة مما سيوفر الدعم لقرار القرض السندي الذي ستطرحه الحكومة أمام الجماهير العريضة، بالإضافة إلى ضرورة التعديل على النظم التي تتحكم في البنوك، خصوصا نسب الفائدة بجعلها متغيرة "فوق وتحت الصفر" وهذا حسب مردودية المؤسسات الاقتصادية، وهو ما سيشجع المؤسسات على خلق المشاريع والاقتراض لها لأن نسبة المخاطرة في هذه الحالة ستكون مقتسمة مع البنوك بشكل عادل مما سيزيل هواجس الإفلاس، ويضاف إلى كل ما سبق أهمية السماح بإنشاء "دكاكين الصرف" لاحتواء المعاملات بالنقد الأجنبي خارج البنوك ووضع سعر صرف موحد للعملات وقطع الطريق أمام التعاملات المشبوهة وتبييض الأموال